قوله : (( واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ))
الشرح : هذه الفقرة الأخيرة وهي قوله : واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وان لا يعبد الله إلا بما شرع مهمة جداً ، لأن كثيراً من الناس قد يطيع الرسول r ولا يكذبه وقد ينتهي عن كثيرٍ من المنهيات ويتمثل الأمر لكن عند عبادة الله تعالى لا يتقيد بما جاء به النبي r [ من هنا ] يقع في الابتداع يعبد الله ويتخبط في عبادته لا يتقيد بالسنة عبادة ، عبادة ، مثال ذلك تجد بعض الناس يركعون في أوقات النهي نوافل مطلقة أو يزيد عدة ركعات بعد أذان الفجر إذا قلت له يا أخي لا يشرع إلا ركعتي الفجر بعد الأذان وفي مثل هذا الوقت الصلاة منهيٌ عنها يقول : لا ، هذه لله كلها لله والعبادة التي لاتقبل إلا على الجادة لا يفهم هذا ما دام هذه صلاة فيها ركوع وسجود وتمشي في أي وقت وكيف جاءت وهذا من الجهل ،وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .يقول العلامة أبن القيم رحمه الله : الإنسان الذي يعبد الله بغير السنة ـ أي غير متقيد بالسنة ـ كالذي يحمل جراباً ملئ رملاً حمله على رأسه فسافر به فإذا وصل إلى حيث شاء وفتح الجراب ماذا يرى ؟! يرى رملاً ، ـ لا يرى سكراً ولا أرزاً ولا طعام ماذا يفعل ـ ولما وصل لم يتمكن من الاستفادة من الجراب الذي حمله على رأسه كذلك من يكثر من العبادة على جهل دون تقيد بهدي محمدٍ عليه الصلاة والسلام إذا وصل يوم يصل ويجد أنه لاشيء عنده ما عنده شيء لا يقبل وكيف يقبل ؟! وهل بعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام عبثاً ؟ بعثه إلينا لنتبعه لنسير إلى الله على طريقته ليقودنا إلى الله ، أما إذا تركنا قيادته وفتحنا لنا الطرق من هنا ومن هنا تركنا الجادة وسلكنا بنيات الطريق ، النهاية الضياع لم يعرف مكانة السنة إلا أمثال هؤلاء وأما كثيرٌ من العباد على جهل وخصوصاً الذين تربوا في أحضان المتصوفة لا يعرفون مكانة السنة يحسبون أن السنة صحيح البخاري وصحيح مسلم يقرءان للتبرك في رمضان يختم في بعض المساجد صحيح البخاري في شهر رمضان سرداً ويخرج الطلاب ويقرءون على الشيخ ، والشيخ يهز برأسه ، وهكذا حتى يختم ويعملون حفل على ختم البخاري تبركاً لم يستفيدوا حكماً واحداً لاحكماً فقهياً ولا عقيدة من ما في هذا الكتاب العظيم صحيح البخاري ، يخرجون صفر اليدين ، وأمثال هؤلاء لا يعرفون مكانة السنة هذه هي السنة عندهم نسأل الله لنا ولكم السلامة .
قوله : (( ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى : ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حـنـفـا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( [البينة: 5 ] ))
الشرح : ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى : ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( مائلين من الشرك إلى التوحيد وإلى الإخلاص أمروا بهذا جميع الناس جميع العباد وليقيموا الصلاة وليؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ، الدين المستقيم الطريق الموصل إلى الله أن تخلص لله في العبادة وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وفي ذلك بالا خلاص واتباع السنة .
قوله : (( ودليل الصيام قوله تعالى : ) يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( [ البقرة : 183 ] ))
الشرح : ودليل الصيام قوله تعالى : ) يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام ……….. الآية ( من أين نأخذ الوجوب ؟ لفظة كتب وعليكم تفيد الوجوب أن الله أوجب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، أما الذين قبلنا كيفية صيامهم لا نعلم إنما نشترك في الحملة في وجوب الصيام علينا ، نعلم صيامنا بالتفصيل ، ولكن صيام من قبلنا لا نعلم بالتفصيل .
) كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( أي لكي تتقون لكي يكون الصيام وقاية بينكم وبين عذاب الله وغضبه لأن الصيام يكون سبباً للتقوى لأنه يترك لله شهواته من أجل الله لذلك أضاف الله الصيام إلى نفسه { كل عمل ابني آدم له إلا الصيام فإنه لي } إضافة عظيمة .
قوله : ((ودليل الحج قوله تعالى : ) ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين ( [ آل عمران : 97 ] ))
الشرح : ودليل الحج قوله تعالى : ) ولله على الناس حج البيت ( نأخذ من لفظة ( على ) الوجوب وهذه الآية عند كثير من أهل التفسير نزلت في السنة التاسعة من الهجرة أي أوجب الله علينا الحج في السنة التاسعة من الهجرة النبوية فبادر النبي عليه الصلاة والسلام بالتطبيق بأن مهد لحجه في العام العاشر بإرسال وفد قبل مكة ويعلن في مكة أن حج النبي r في العام المقبل في السنة العاشرة .
) من استطاع إليه سبيلاً ( فمعنى الاستطاعة عند الفقهاء : الزاد والراحلة ، وإن كان الحديث فيه مقال ولكن معناه صحيح تشهد له نصوص الكتاب والسنة ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( قد يستدل بعض الناس على أن ترك الحج مع الاستطاعة كفر ولكن الذي عليه الجمهور إن هذا كفرٌ عملي وليس كفراً إعتقادياً أي من ترك الحج مع الاستطاعة يأثم إثماً كبيراً وتثبت مصاريف الحج في تركته فتخرج مصاريف الحج من تركته ولم يصل إلى الشرك الأكبر ولا يصل إلى الشرك الأكبر إلا بالجحود طالما يؤمن بوجوبه ، إذا قصر فيكون كفره كفرٌ دون كفر .
قوله : ((المرتبة الثانية : الإيمان ))
الشرح : قال المؤلف رحمه الله : الإيمان . الإيمان كما تقدم أضيق من الإسلام والذي بعده الإحسان أضيق بأكثر يجب أن نقف عند الإيمان لنعرف اختلاف أهل العلم في حقيقته ، الإيمان ليتبين لنا أننا بحاجة إلى تحقيق الإيمان نفسه ، الإيمان الذي هو كل شيء عندنا لم يسلم من الاختلاف .
س / ما هو الإيمان ؟ جـ / أ ـ الإيمان عند بعض علماء الكلام مجرد المعرفة أي معرفة الله تعالى والكفر عندهم الجهل هذا ما ذهب إليه الجهم بن صفوان وعلى هذا لا يوجد كافرٌ إلا من هو جاهل ولا يوجد أجهل بالله من جهم بن صفوان لذلك يقال إنه حكم على نفسه بالكفر من حيث لا يشعر حيث قال : إن الإيمان هو المعرفة وان الكفر هو الجهل وإذا تتبعنا عقيدته نجده أجهل الناس
بالله إذاً هو كافرٌ بشهادة نفسه على نفسه ، الله سبحانه وتعالى في نظر جهم بن صفوان والجهمية لا يوصف لا بصفة ولا يسمى باسم أي وجود الله عز وجل عندهم وجود ذهني ليس له وجود خارجي الوجود المطلق لأن الموجود في الخارج لابد أن يوصف بصفة الذي لا يوصف بصفة هو العدم ، الموجود لابد له من صفة فإذا نفوا عنه جميع الصفات وجميع الأسماء شبهوه بالمعدوم الذي لا يوصف بأي صفة لأنه معدوم وعلى هذا جهم بن صفوان هو من أكفر الكافرين بشهادة نفسه على نفسه إذ الإيمان عنده المعرفة والكفر الجهل .
ب ـ القول الثاني : لأهل الكلام في الإيمان ، الإيمان هو التصديق فقط مجرد التصديق بالقلب بصحة ما جاء به رسول الله r ولو لم ينطق باللسان ولو لم يقر بشهادة أن لااله إلا الله وان محمداً رسول الله طالما ادعى انه صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما جاء به فهو مؤمن .
جـ ـ القول الثالث الإيمان هو التصديق والاقرار معاً أن يصدق بقلبه ويقر بلسانه هؤلاء جميعاً يقال لهم المرجئة ، ومرجئة الفقهاء أصل منبتهم من الكوفة لأن هذا القول بأن الإيمان هو التصديق أو التصديق والإقرار معاً قول الإمام أبي حنيفة وتبعه في ذلك جميع الكوفيين ثم انتقل هذا المذهب من والماترودية إلى الأشاعرة فصار الإيمان عند جمهور ألا شاعرة والماترودية هو التصديق وان توسعوا إلى التصديق والإقرار ، الإقرار محل خلاف عندهم ، القول الصحيح أن الإيمان عندهم التصديق وعلى هذا جميع الأعمال الإسلامية التي في الكتاب والسنة ليست من الإيمان في شيء عند هؤلاء أخرجوا الأعمال كلها من الإيمان هذا هو معنى الإرجاء ، الإرجاء معناه التأخير أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان لم يدخلوا الأعمال كلها في الإيمان بل الإيمان إما مجرد التصديق أو التصديق والإقرار هذا الذي عليه جمهور الأشاعرة وما أكثرهم وهو في الأصل عقيدة الماتريدية التابعين للإمام أبي حنيفة في هذه المسألة ، خالف الإمام أبو حنيفة الجمهور ، جمهور أهل السنة والجماعة بما فيهم الأئمة الثلاثة وغيرهم ، ولكن الذي ينبغي أن يفهمه طلاب العلم الإرجاء الذي هو عقيدة أبي حنيفة ومن تبعه غير إرجاء علماء الكلام لذلك يسمون هؤلاء مرجئة الفقهاء ، مرجئة أهل الكلام يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنبٌ ويرون أن الناس لا يتفاوتون في الإيمان وأن إيمان الأنبياء ومن بعدهم واحد لأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص عندهم حقيقة واحدة هؤلاء مرجئة أهل الكلام ولكن مرجئة الإمام أبي حنيفة ومن تبعه لا يصلون إلى هذه الدرجة وإن أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان وعلى كلٍ هذا المذهب خطأ ، الصواب هو ما عليه الجمهور لا لجمهرتهم وكثرتهم ولكن لكون الدليل من الكتاب والسنة ، كتاب الله يعد الأعمال من الإيمان كذلك السنة ، إذا قرأنا قوله تعالى في أول سورة الأنفال : ) إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون % الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون % أولئك هم المؤمنون حقاً ( عد الله في هذه الآية أعمال القلوب وأعمال الجوارح من الإيمان ) إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( هذا من أعمال القلوب ) وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ( من أعمال القلوب ) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( من أعمال الجوارح إذاً أعمال القلوب وأعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان وعلى هذا يكون التصديق تصديقاً خاصاً ، أخذ المرجئة الإيمان اللغوي الذي هو مجرد التصديق وأخطأوا في ذلك لأن المراد بالتصديق هنا هو التصديق الشرعي لا التصديق اللغوي المعنى اللغوي دائماً أعم وأشمل من المعنى الشرعي والإصلاحي ، في اللغة مجرد التصديق أي شيء صدقته يسمى إيمان ، وفي الشرع تصديق خاص ما جاء به النبي r تصديقاً تصدقه الأعمال لأن تصديق القلب وإن لم يوجد دليلٌ على صحته يعتبر دعوى ومن ادعى أنه صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام في كل ما جاء به ثم ترك العمل لا يعمل شيء من أعمال الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك لا يعمل يقول أنا مؤمن لاني مصدق نقول له ائتني بالدليل على تصديقك القلبي ما الذي يصدقك أعمال الجوارح هي الذي تصدق ذلك التصديق وتشهد بصحته ذلك التصديق ومن ادعى بأنه مصدقٌ بقلبه بكل ما جاء به رسول الله r ثم لا يعمل يقال له هذه دعوى والدعوى لابد لها من بينة فأين البينة ؟ البينة الأعمال لذلك يقول بعضهم : وإذا حلت الهداية قلباً نشطت في العبادة الأعضاءُ
فإذا كانت الأعضاء لاتعمل لا يصلي ولا يصوم ولا يأمر ولا ينهى ولا يجاهد ولا يطلب العلم [ يمشي ] هكذا مصدق لا يقبل مثل هذا التصديق وعلى هذا انتشر بين المسلمين هذا الإيمان الإرجائي لذلك لو أمرت إنساناً أو نصحته أو نبهته على ما فعل يقول لك الإيمان في القلب هنا الإيمان ويشير إلى قلبه ، والإيمان الذي هنا لو صح لظهر أثره في أعضائك وجوارحك ولست بصادق تترك الصلاة فيقال لك صلي فتقول لا ، الإيمان هنا في القلب ليس بصحيح وعلى هذا كيف تعالجون الذين يريدون يتنازعون الذين يحكمون بغير ما انزل الله تقولون لهم أنتم حكام غير مسلمين فيقول لك أنا مسلم لأني أقول لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنا مصدق وأنت معي في هذا التعريف يحاجك لكن متى تستطيع أن تقنعه أنه ليس على الإسلام إذا عرفت الإيمان بالتعريف الصحيح ما هو الإيمان ؟ الإيمان تصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقول باللسان ، والتصديق الذي في القلب يشهد على صحته النطق باللسان بقولك أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يصدق كل ذلك وتصدق كل ذلك الأعمال ، والأعمال الجارية على السنة وعلى وفق ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام إذاً الإيمان مركب يتألف من أجزاء من تصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقول باللسان ولهذا يشهد الكتاب والسنة وقد سمعنا من الكتاب الآية .