قوله : (( وهو بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لاإله إلا الله ))
الشرح : واسمع قول رسول الله r :{ الإيمان بضع وستون شعبة ـ رواية البخاري ـ أعلاها قول لا إله إلا الله } جعل النطق باللسان من الإيمان واعلى درجات الإيمان هذا مما يذكر في فضل لا إله إلا الله هذه الكلمة ركن في الإيمان وركن في الإسلام وأفضل الذكر كلمة عظيمة إذا جئت تعدد الإسلام فهي الطليعة وإذا جئت تعدد شعب الإيمان فهي في المقدمة إذا جئت تعرف أفضل الذكر بعد القران فهي لا إله إلا الله كلمة عظيمة إذا فهم معناها وطبقت هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام : { الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لاإله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق } ، وهنا يرد سؤال قال عليه الصلاة والسلام أعلاها لاإله إلا الله ولم يقل محمدٌ رسول الله فهل يكفي أن نقول أشهد أن لاإله إلا الله وكفى ؟
جـ / لا ، ولو لم يذكر الجزء الثاني كأنه مذكور لأن لا إله إلا الله محمد رسول الله كالجسم والروح لا يفترقان ، لا ينفع قول لا إله إلا الله بدون محمدٌ رسول الله أي الشهادة بالوحدانية لاتجزء ولا تنفع حتى تشهد بالرسالة ولو شهدت بالرسالة ما نفعت الشهادة حتى قبل ذلك بالوحدانية ، هما شيئان بالظاهر ولكنها شيء واحدٌ في الحقيقة إذ بينهما تلازم لا يفترقان لذلك إذا جاء في بعض الأحاديث ذكر لا إله إلا الله ولم يذكر شهادة أن محمد رسول الله كما في مثل هذا الحديث فليعلم أن ذلك اكتفاء بالمعلوم لأنه من المعلوم أن لا إله إلا الله وحدها لاتغني إلا بالإضافة محمد رسول الله ، وهي تسمى بجملتها كلمة التوحيد ، وكلمة الإسلام وكلمة الإيمان ومفتاح الجنة .
قوله : (( وأدناها إما طة الأذى عن الطريق ، والحياة شعبة من الإيمان ))
الشرح : وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، إماطة الأذى عن الطريق عملٌ من أعمال الجوارح ، جعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك من الإيمان ومن تمام إيمانك أن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك وأن تكره لأخيك المسلم ما تكره لنفسك . { أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياة شعبة من الإيمان } ، وبين أعلاها وأدناها شعب تتفاوت ، الصلاة شعبة من الإيمان ، الجهاد شعبة من الإيمان ، الزكاة شعبة من الإيمان ، وطلب العلم شعبة من الإيمان ، إذاً الإيمان يتألف من شعب كثيرة ، وليس مجرد التصديق وليس مجرد الإقرار لذلك فلنسمع هذا التعريف الشارح الذي شرح الإيمان من كلام أبن القيم قال رحمه الله : < الإيمان هو حقيقةٌ مركبةٌ من معرفة ما جاء به الرسول r علماً وتصديقاً عقداً والإقرار به نطقاً والانقياد له محبتاً وخضوعاً ، والعمل به ظاهراً وباطناً وتمثيله والدعوة إليه بحسب الإمكان وكماله في الحب في الله وفي البغض في الله ، والعطاء لله والمنع لله وأن يكون الله وحده إلهه ومعبودة والطريق إليه تجريد المتابعة للرسول r ظاهراً وباطناً وتغميض عين القلب عن الالتفات [ بما ] سوى الله ورسوله >، وهذا هو الإيمان ، الإيمان مركب ومما ينتقد على علماء الكلام أهل السنة يقولون كيف يكون الإيمان مركباً ؟ لأن المركب إذا أزيل بعض أجزائه زال كله ، وهذا غير صحيح ما الذي يُرد على هذا ؟ يرد عليه الحديث السابق الذكر { الإيمان بضع وستون شعبة } لأن النبي r جعل الشُعب متفاوتة الشعبة الأولى هي التي يزول الإيمان بزوالها إذا زالت الشعبة الأولى شعبة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله زال الإيمان كله لا يبقى شيء ، وهل إذا ترك الشعبة الأخيرة مر الإنسان في الطريق على الأذى فلم يزله ، هل يزول إيمانه ؟ لا ، ينقص الشُعب الأخرى غير الشعب الأولى بزوالها ينقص الإيمان بقدر ما يترك الإنسان شعبة من الشُعب وبقدر ما يرتكب من المحرمات والمعاصي ينقص إيمانه ولا يزول ، وإنما يزول بزوال كلمة التوحيد والكفر بها والإتيان بما يناقضها ليس معنى زوالها أنك تقول أنا لا أعترف أنه لا إله إلا الله ، لا ، قد تقول بلسانك لا إله إلا الله وتأتي بما يناقضها لأن للإسلام نوا قض كنوا قض الوضوء، فلو قال رجل مائة مرة يعد هذه السبحة لا إله إلا الله ثم إذا اشتدت به الأمور قال : أغثني يا فلان ما لي سواك يا فلان انتقض توحيده تماماً لا يبقى عنده شيء كافر ، نفى الله الذي كان يقره بلسانه عنا يزول الإيمان لكن إذا ترك شعبة من الشعب كأن قلّ حياءه فارتكب معصية ينقض إيمانه لا يزول كلياً ، فليفهم هذا جيداً .وقد يستدل عليك من يرى بأن الأعمال ليست من الإيمان يستدل بالعطف الذي جاء في القرآن: ) الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ( فيقول وعملوا الصالحات العطف يقتضي المغايرة إذاً الأعمال الصالحة غير الإيمان لأن الله عطف الأعمال الصالحة على الإيمان ، الأعمال الصالحة هي الإسلام فالعطف تقتضي المغايرة كأن تقول جاء زيدٌ وعمروٌ فبينهما مغايرة ، أو تقول جاء زيدٌ وذهب عمروٌ فجاء غير ذهب وزيدٌ غير عمروٌ فصح العطف هنا فاقتضى المغايرة فإذا قال لك ) الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ( يدل على الأعمال الصالحة غير الإيمان تقول المغايرة درجات صحيح العطف يدل على المغايرة ولكن المغايرة درجات )حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ( أليست الصلاة الوسطى من الصلوات ؟ فكيف صح هنا ؟ ما معنى المغايرة ؟ الجواب : من باب عطف الخاص على العام كذلك العطف هنا أي في قوله ) وعملوا الصالحات ( من باب عطف الخاص على العام ، لأن الأعمال الصالحة جزء من الإيمان كما أن الصلاة الوسطى جزء من الصلوات التي أمرنا بالمحافظة عليها والأمثلة كثيرة في القرآن .
قوله : ((وأركانه ستة : أن تؤمن بالله وملائكته ))
الشرح : أن تؤمن وتصدق وتسلم لله تؤمن لله بوجوده بربو بيته وألوهيته وبأسمائه وصفاته وتؤمن بالملائكة انهم موجودون جندٌ من جنود الله تعالى من سمعت وعلمت أسماءهم أمنت منهم بالتفصيل ومن لا فبالجملة .
قوله : (( وكتبه ))
الشرح : والكتب المنزلة بما في ذلك القرآن ، وتؤمن أن الكتب المنزلة كلها كلام الله وليست مخلوقة كما يقول علماء الكلام بما فيهم الأشاعرة ، القرآن والتوراة والإنجيل والزبور هذه الكتب من كلام الله لأن كلام الله لا نفاد له : ) قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن ينفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ( كلام الله لانهاية له ، الله خاطب نوحاً وكلم موسى وكلم محمداً في أماكن وفي أزمنة مختلفة ويتكلم آخر كل ليلة يقول عند نزوله إلى السماء الدنيا : { هل من مستغفرٍ فأغفر له } هذا كلام الله ويتكلم الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة عندما يأتي لفصل القضاء ويسلم على أهل الجنة ويخاطبهم من فوقهم كل ذلك من كلام الله ،
وكلام الله لا نفاد له ، لذلك اعتقاد أن كلام الله معنىً واحداً قائم بذات الله ليس بحرف ولا صوت كما تقول الأشاعرة ضلال مبين لأن ذلك إنكار أن هذا القرآن كلام الله وقد وافقت الأشاعرة المعتزلة في القول بأن القرآن كلام الله تناقضوا في ذلك مع دعوى أنهم خصوم للمعتزلة بالنسبة للكتب السماوية نؤمن بأنها من عند الله تعالى ، وأما هذا القرآن نؤمن بأنه من عند الله ونتبعه دستوراً نحكم به ونتحاكم إليه ونسير إلى الله في ضوئه هو الحكم وهو كتاب العقيدة كتاب التوحيد كتاب العبادة كتاب الأحكام كتاب الأخلاق كتاب السياسة كتاب الإقتصاد كتاب كل شيء إذا فهم وعمل به هذا هو الفرق بين الكتب السماوية وبين إيماننا بالقرآن الكتب السماوية لا يجب علينا العمل بها لأنها نسخت انتهت بنزول القرآن ، الكتاب الذي يجب الإيمان به والعمل به هو هذا القرآن العظيم وهو كلام الله حقيقة لأن الله سماه كلاماً ) وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( ذلك الكلام الذي تلاه الرسول r على المشركين فسموه هو هذا القرآن الذي بين دافتي المصحف ، تقول عائشة رضي الله عنها : { ما بين دفتي المصحف كلام الله }، ولكن الأثر لم يسلم من تأويل الأشاعرة قالوا أي خلقٌ من خلق الله مخلوق لله ، الأشاعرة الذين يقولون نحن من أهل السنة والجماعة هم الذين أولوا هذا التأويل فانتبهوا للأشاعرة عفى الله عنا وعنهم .
قوله : (( ورسله ))
الشرح : الإيمان بالرسل يقال ما قيل في الإيمان بالكتب بالنسبة للرسل الذين قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، المراد بالإيمان بهم أن تصدقهم أنهم رسل الله معصومون بلغوا رسالة الله ولكن الرسول الذي يجب إتباعه ولا يعبد الله إلا بما جاء به هو محمدٌ r لأنه جاء بالرسالة الخاتمة العامة لا يسع جنياً ولا إنسياً ولا يهودياً ولا نصرانياً إلا الإيمان بهذا النبي الكريم بعد أن بعث لأنه خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام .
قوله : (( واليوم الآخر ))
الشرح : الإيمان باليوم الآخر ، اليوم الآخر يبدأ من عند الموت { من مات فقد قامت قيامته } من حين أن ينقل هذا الإنسان من وجه هذه الأرض إلى باطنها فهو في اليوم الآخر يعني الحياة البرزخية الفاصلة بين هذه الحياة التي نحن فيها الآن وبين الحياة التي بعد البعث تابعة ليوم الآخر على المؤمنين من النعيم لأن { القبر إما حفرة من حفر النار ، أو روضة من رياض الجنة } يجب الإيمان بكل ذلك تصديقاً بالرسول r .