قوله : ((وتؤمن بالقدر خيره وشره ))
الشرح : ( الإيمان بالقدر خيره وشره ) بمعنى أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن { ما أصابك في علم الله لايخطؤك وما أخطأك لم يكن ليصيبك } وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن هذا المقدار يكفي في باب الإيمان بالقدر دون الخوض لأن هذا الباب بابٌ خطير والبحث عن أسرار القضاء والقدر يعتبر سراً من أسرار الله لذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : { القدر سر الله فلا نكشفه } أي ليس لك أن تسأل لم فعل الرب سبحانه وتعالى هكذا ؟ لم خلق ؟ ولم أحيى ؟ ولم أمات ؟ ولم جاعلٌ زيداً غنياً وعمراً فقيراً ؟ ولم أمرض فلاناً ؟ ولم ولم ؟ هذا خوض في سر من أسرار الله سرٌ لا يدرك لا يسأل عما يفعل كما أنه لا يجوز في باب الأسماء والصفات أن تسأل بكيف هو ؟ وكيف سمعه ؟ وكيف بصره ؟ وكيف استواؤه ؟ وكيف مجيئه ؟ وغير ها ، لا يجوز في باب القضاء والقدر لا يجوز السؤال بلم ، انتبه لهذا لأن هذا مز له الأقدام يكفي للعامة والخاصة أن يؤمنوا لأنه لا يقع في ملكه إلا ما شاء وان الله على علم كل شيء فكتبه ، كل المقادير معلومة ومكتوبة ثم قضى الله سبحانه وتعالى قضاءه على ما علم وكتب وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي رحمه الله لما سئل عن القدر :
ما شئت كان وإن لم أشأ ما وشئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقي ومنهم سعيد [ ومنهم ] قبيح ومنهم حسن
ويأتي هنا سؤال الجبري هل يعني ذلك أن العبد مجبور ؟ لا . خلق العباد وخلق لهم القدرة وخلق لهم الإرادة وخلق له الاختيار وأرسل إليهم رسولاً وهداهم النجدين وبين لهم طريق الهدى وطريق الضلال وأمرهم بالفعل بفعل العبد كل ما يفعل بقدرته وإرادته واختياره ولا يدري ما الذي يجري في قضاء الله وقدره وليس هذا شغله ولا له أن يبحث في هذا عليه أن يتقيد بالأوامر والنواهي أمرك بإقامة الصلاة عليك أن تقيم الصلاة لكن قول الذين يقولون بأن العبد مجبور ليس له قدرة أو قدرته لا تعمل وليس له إرادة تسمى العقيدة الجبرية ضلال في ضلال وهي منتشرة الآن لأن الأشعرية مرجئة وجبرية وجهمية اجتمعت فيها جميع هذه الأمراض وهم منتشرون بين المسلمين وكثيرٌ من شبابنا لا يدرون عنهم يصدق على شبابنا قول عمر رضي الله عنه : ( إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ) لأن الجاهلية بدأت في هذه الأيام تضحك على شبابنا ، جاهلية التصوف ، جاهلية علم الكلام ، جاهلية القانون ، جميع هذه الجاهليات تعمل ، وشبابنا نشاؤا في الخير نشاؤا في الإسلام على الفطرة في التوحيد لا يعلمون من هذه الجاهليات يأتي صاحب الجاهلية فيضحك عليهم ، يقول تعمل كذا وكذا من الأعمال الإسلامية فيصدقون فيخرجون عن الجادة إلى بنيات الطريق فيقفون حيارى ، لا علاج إلا العلم ، والعلم وحده هو العلاج لذلك عليكم بالعلم لا ينال الإنسان درجة الإيمان إلا بالصبر واليقين ، الصبر على طاعة الله وطلب العلم الشرعي من أعظم طاعة الله وعبادته اصبروا على العلم لكي تخرجوا من الجهل ، لا تضحك عليكم جاهلية الإرجاء وجاهلية الجبرية وجاهلية الجهمية وجاهلية التصوف وغير ذلك من الجاهليات التي دخلت مع هذا الإنفتاح العام عندما انفتحنا على العالم واتصل العالم كله بعضه على بعض تداخل الخير والشر لا يستطيع أن يفرق بين الخير والشر إلا من رزقه الله البصيرة في دينه .
قوله : ((المرتبة الثالثة : الإحسان ركن واحد وهو : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ))
الشرح : قال المؤلف رحمه الله تعالى : المرتبة الثالثة الإحسان وهو ركن واحد وهو : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وهذا المعنى الذي يعبر عنه بالمراقبة ، المراقبة الخاصة الصادقة بأن يراقب العبد ربه سبحانه وتعالى ويتذكر دائماً وأبداً بأن الله يراه ويرى مكانه ويسمع كلامه ما في نفسه هذه المراقبة تحول بين المرء وبين ارتكاب المعاصي وبين الغفلة والالتفات عن الله إلى غير الله تشده إلى الله المراقبة الصادقة تشد العبد إلى الله سبحانه وتعالى إيماناً منه أن الله لا تخفى عليه خافية وان كان هو لا يراه لأن الله سبحانه وتعالى لا يُرى في هذه الدنيا فالله سبحانه وتعالى فوق جميع المخلوقات فوق السماوات السبع ومستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه حجابه النور لم يره موسى الذي طلب منه الرؤيا ، ولم يره على الصحيح رسولنا محمد r ليلة الإسراء والمعراج وإنما رأى نوراً لأنه عليه الصلاة والسلام سئل هل رأيت ربك ؟ قال : { نورٌ أنى أراه } حجابه النور لأن الله سبحانه احتجب في هذه الدنيا بنور وقوى البشر لاتقوى على أن تثبت أمام هذا التجلي وأوضح دليل على هذا قوله r في آخر قصة الدجال : { فأعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا } ، وهذا دليل واضح بأن الله سبحانه وتعالى لا يرى في الدنيا ولكن الله يعطي العباد قوة ليثبتوا أمام التجلي يوم القيامة في الجنة ويتجلى لهم ويرونه بغير إحاطة كما انهم يعلمون الآن بدون إحاطة به بعلمهم كذلك سوف يرونه بدون إحاطة به برؤيته لأن المخلوق لا يحيط بالخالق ، فالخالق هو المحيط بجميع المخلوقات هو الذي يعلم منهم كل شيء هذا هو الإحسان .
قوله : (( والدليل قوله تعالى : ) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( [ النحل : 128 ] ))
الشرح : والدليل قوله تعالى : ) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون( أي أن الله تعالى مع الذين اتقوه أي جعلوا بينهم وبين غضبه وسخطه وقاية ، هذه الوقاية بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، وذلك من صدق المراقبة ، والذين هم محسنون ، احسنوا في عبادة الله تعالى بالإخلاص وصدق المراقبة ، وأحسنوا إلى عباد الله بما يستطيعون الإحسان فيه والإحسان من حيث المعنى أعم من حيث أهله أخص ، لأن الإحسان يشمل أي عمل صالح سواء كان العمل بينك وبين ربك أو الإحسان إلى عباده هذا معنى أنه أعم من حيث المعنى ، ولكن من حيث أهله أخص أي المحسنون الذين يصلون إلى هذه الدرجة هم نخبة من المؤمنين ليس جميع المؤمنين أي ليس جميع المؤمنين يصلون إلى درجة الإحسان ، [ ولكنهم ] نخبة مختارة وفقهم الله وسدد خطاهم فهم يحضون بالمعية الخاصة ، المعية الخاصة تزداد على المعية العامة بالنصر والتأييد والحفظ والكلئ ، المعية العامة بمعنى العلم والرؤيا والتدبير العام وبهذا المعنى الله سبحانه وتعالى مع جميع مخلوقاته لا يخلو مكان من علمه وهو فوق عرشه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه ، لكن لا يخلو مكان من علمه وهذه هي المعية العامة ، فإذا قيل الله معنا لا ينبغي أن يتبادر إلى ذهنك بأن الله معنا بذاته هنا في الأرض ، فالله سبحانه وتعالى منزه عن المعية الذاتية مع خلقه لامع أهل أرضه ولا مع أهل سماواته أي ليس الله بالأرض بذاته ولا في السماوات السبع بذاته ولكن بذاته فوق جميع مخلوقاته ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته ، ولكن هو بعلمه مع كل مخلوق ، أي لا تخف عليه خافية من أمرهم ، وهذه تسمى المعية العامة وتزداد المعية الخاصة مع المحسنين مع المتقين كتلك المعية التي حظي بها الرسول r وصاحبه في الغار ) لا تحزن إن الله معنا ( معية خاصة حفظهما الله ورعاهم وسترهم من أعين أعدائهم تلك هي المعية الخاصة فلتفهم وهذه هي منها معية مع المحسنين .
قوله : (( وقوله تعالى : ) وتوكل على العزيز الرحيم % الذي يراك حين تقوم % وتقلبك في الساجدين % إنه هو السميع العليم ( [ الشعراء : 217 ـ 220 ] ))
الشرح : وقوله تعالى : ) وتوكل على العزيز الرحيم % الذي يراك حين تقوم % وتقلبك في الساجدين % إنه هو السميع العليم ( ، أنت تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، هذا هو محل الشاهد من الآية .