لا يُلْدَغ المؤمن من جُحْرٍ واحدٍ مرتين
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (لا يُلْدَغ المؤمن من جُحْرٍ واحدٍ مرتين) متفق عليه.
هذا مثل ضربه النبي-صلى الله عليه وسلم-: لبيان كمال احتراز المؤمن ويقظته، وأن المؤمن يمنعه من اقتراف السيئات التي تضره مقارفتها، وأنه متى وقع في شيءٍ منها، فإنه في الحال يبادر إلى الندم والتوبة والإنابة.
ومن تمام توبته: أن يحذر غاية الحذر من ذلك السبب الذي أوقعه في الذنب، كحال من أدخل يده في جُحر فلدغته حَيَّة. فإنه بعد ذلك لا يكاد يدخل يده في ذلك الجحر، لما أصابه فيه أول مرة.
وكما أن الإيمان يحمل صاحبه على فعل الطاعات، ويرِّغبه فيها، ويحزنه لفواتها، فكذلك يزجره عن مقارفة السيئات، وإن وقعت بادر إلى النزوع عنها. ولم يعد إلى مثل ما وقع فيه.
وفي هذا الحديث: الحث على الحزم والكَيْس في جميع الأمور، ومن لوازم ذلك: تعرف الأسباب النافعة ليقوم بها، والأسباب الضارة ليتجنبها.
ويدل على الحثّ على تجنب أسباب الرِّيب التي يخشى من مقاربتها الوقوع في الشر.
وعلى أن الذرائع معتبرة. وقد حذَّر الله المؤمنين من العود إلى ما زينه الشيطان من الوقوع في المعاصي، فقال: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[النور: 17]، ولهذا فإن من ذاق الشر من التائبين تكون كراهته له أعظم، وتحذيره وحذره عنه أبلغ؛ لأنه عرف بالتجربة آثاره القبيحة.
وفي الحديث: (الأناة من الله، والعجلة من الشيطان، ولا حليم إلا ذو عترة، ولا حكيم إلا ذو تجربة). والله أعلم.
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار