اختلف العلماء في مسألة قراءة البسملة في الصلاة قبل الفاتحة ، وأحسن ما قيل فيها: أنَّ هذه المسألة راجعة إلى ( علم عدّ الآي )، وعلماء العدِّ اختلفوا في عدِّ البسملة في سورة الفاتحة :
عدَّها آيةً المكي والكوفي، ولم يعدّها آيةً المدنيان والشامي والبصري،
وعلى هذا مَن يقرأ بقراءة أهل مكة والكوفة: - ابن كثير المكي، وعاصم وحمزة والكسائي وخلف العاشر الكوفيين – فإنَّ البسملة عنده آية يجب أن يقرأ بها .
ومن يقرأ بقراءة أهل المدينة والشام والبصرة: - نافع وأبي جعفر المدنَيَّـيْن، وابن عامر الشامي، وأبي عمرو ويعقوب البصريين – فإنَّ البسملة ليست آيةً من الفاتحة، فلا يجب أن يقرأ بها . ( انظر قريباً من هذا:القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز للمخللاتي صـ161 ) .
ومنهم من جمع بين القولين وقد أشار إلى هذا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي حيث قال : ( ومن أحسن ما قيل في ذلك: الجمعُ بين الأقوال بأنَّ البسملة في بعض القراءات كقراءة ابن كثيرٍ آيةٌ من القرآن ، وفي بعض القراءات ليست آية ، ولا غرابة في هذا . ......... ) . ( يراجع بقية كلامه – – في : مذكرة أصول الفقه صـ81، وشرح مراقي السعود ( المسمى: نثر الورود ) 1/69 ) .
وقال الإمام ابن القيم زاد المعاد (1/ 206- 207) : وكان يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً حضراً وسفراً، ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين، وعلى جُمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح، وهذا موضع يستدعي مجلّداً ضخماً .
وقد حققنا القول والحمد لله أن البسملة ليست من الفاتحة فلا يوجب قراءتها ، ولا يعني تركها فقد قال قَالَ أَبُو عِيسَى[الترمذي] حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَغَيْرُهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لاَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْهَرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالُوا وَيَقُولُهَا فِى نَفْسِهِ .
قال الإمام ابن قدامة في المغني: ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون . اهـ وأوجب أبو حنيفة الإسرار بها .
ومذهب الشافعي وجوب الجهر بالبسملة تبعا لباقي آيات الفاتحة لأنها آية منها .
وذهب مالك إلى أنها ليست من القرآن، ومنع من قراءتها في الفرائض مطلقاً وأجازا قراءتها في النافلة .
والدليل ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأذان باب ما يقول بعد التكبير قال : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضى الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . ولا يعني أنهم كانوا لا يقرؤون البسملة وغاية ما في ذلك أنهم كانوا لا يجهرون بها والله الموفق .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْدَءُونَ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابَ قَبْلَ السُّورَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
وأصرح من ذلك ما رواه النسائي في مجتباه في كتاب الافتتاح باب ترك الجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم قال : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ أَنْبَأَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُسْمِعْنَا قِرَاءَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُمَا .
وما يزد وضوحا أيضا ما رواه النسائي في مجتباه في كتاب الافتتاح باب ترك الجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم قال : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ قَالَ حَدَّثَنِى عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَابْنُ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضى الله عنهم فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
هذا وإن الأمر أكثر من أن يطرح في هذه الأسطر ولكن أرجو أن يكون في هذا بركة خاصة ما توصلنا إليه وهو أن البسملة ليست من الفاتحة .
والله الموفق .