النصيحة (21): آداب لا مستند لها
أنصحك أخي التبليغي وفقك الله، أن لا تأخذ من آداب الطعام والنوم ونحو ذلك كل ما تسمع حتى تعلم مستنده من الأدلة الشرعية، ومنأمثلة ذلك:
*أنه يذكر في بعض كتب الفقه استحباب الجلوس في الأكل على الرجل اليسرى ونصب اليمنى، ولكنالحديث المروي في هذه الجلسة ضعيف، فقد جاء في "المغني عن حمل الأسفار " (3 /293) للحافظ العراقي :
"وروى أبو الحسن بن المقري في الشمائل من حديثه "كان إذا قعد على الطعام استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى، ثم قال إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأفعل كما يفعل العبد" وإسناده ضعيف" انتهى.
*وكذلك النهي عن توجيه القدمين إلى القبلة، وإن كان يقول به بعض الفقهاء ولكن لا دليل عليه، واعتقاد أنه ينافي تعظيم القبلة أو أن فيه امتهانا لها، لا أصل له ولا صحة له والأصل الإباحة. والتحريم أو الكراهة من الأحكام الشرعية التي لا تؤخذ إلا من الأدلة الشرعية الصحيحة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : "ليس على الإنسان حرج إذا نام ورجلاه اتجاه الكعبة، بل إن الفقهاء رحمهم الله يقولون : إن المريض الذي لا يستطيع القيام ولا القعود يصليعلى جنبه ووجهه إلى القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة" ، فتاوى ابن عثيمين (2 / 976) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن وضع الرجلين باتجاه القبلة عند النوم فقال : ليس على الإنسانحرج إذا نام ورجلاه في اتجاه القبلة .
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2 / 976) انتهى .
*وكذلك النهي عن النوم بعد العصر ليس فيه حديث صحيح ،
قال الحافظ ابن الجوزي في "الموضوعات" (3 /69) :
"عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه".
هذا حديث لا يصح" انتهى .
وجاءفي "الكامل في الضعفاء" لابن عدي (4 / 145) :
"ثنا أبو عروبة ثنا بن مصفى ثنا مروان قلت لليث بن سعد ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان، يا أبا الحارث مالك تنام بعد العصروقد حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه، قال الليث لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعةعن عقيل" .
النصيحة (22): الحذرمن الاقتصار على جزء من الدين وترك أجزاء أخرى
قد حذر الله سبحانه من الاقتصار على الأخذ بجزء من الدين مع ترك أجزاء أخرى قال تعالى :
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَابَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَيُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة : 14] .
وقال تعالى : {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 85] .
وأمر الله سبحانه بالأخذ بشرائع الإسلام علىسبيل الشمول فقال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة : 208] .
قالالحافظ ابن كثير في تفسيره هذه الآية الكريمة :
"يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله: أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك" انتهى .
فالواجب الأخذ بجميع ما أنزل الله على رسوله، وأن يجعل المسلم لكل حكم شرعي ما جعله الله له بدون زيادة ولا نقصان، فالحذر والتحذير من الشرك يجب أن يكون أشد من الحذر والتحذير من المعاصي، والكبائر أشد منالصغائر، والعناية بالتوحيد أكثر من العناية بالطاعات مما هو دونه، والعناية بالواجبات أكثر من المستحبات، فالواجب على الداعي إلى الله سبحانه أن يدعو إلىالإسلام كله لا يترك شيئا منه بحسب علمه وقدرته، والكلام في الدعوة إلى الله لا يجوز أن يكون محصورا ببعض شرائع الإسلام مع إهمال شرائع أخرى، فكما أن الله سبحانه شرع لنا الخشوع في الصلاة شرع للصلاة أركانا وواجبات ومستحبات غير الخشوع، فلا يجوز الاقتصار على الخشوع دونها فقد قال -صلى الله عليه وسلم- : "صلوا كما رأيتموني أصلي"رواه البخاري.
فالمشروع أن نصلي كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة تامة بأركانها وواجباتها ومستحباتها، والذي شرع إكرام المسلمين هو الذي شرع طلب العلم وترك الكلام عليه بغير علم والنهي عن المنكر وتأدية الزكاة والحج وغير ذلك من الشرائع الكثيرة، والدعوة إلى الله كما تكون للغافلين بالموعظة الحسنة تكون للمستجيبين بالدليل من الكتابوالسنة، وتكون للمنكرين والمعرضين بالجدال بالتي هي أحسن كما قال تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل : 125] .
قال الحافظ ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1 / 78) :
"والدعوة الى الله بالحكمة للمستجيبين، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين" .
فالدعوة إلى الله تعالى لا يجوز أن تكون محصورة عند أهل الإسلام بدعوة الغافلين بالموعظة مع ترك دعوة المعاندين والمعارضين بالمجادلة بالتي هي أحسن وتزييف شبهاتهم ورد أباطيلهم، ودعوة المستجيبين بتعليمهمأحكام دينهم وردهم إلى الكتاب والسنة في كل ما تنازع فيه الناس وإقناعهم بالأدلة منالكتاب والسنة الصحيحة .
فكما أن المسلم يحرص على دعوة تارك الصلاة من أجل أن يصلي فعليه أن يحرص على دعوة كل مبتدع لترك بدعته واتباع الكتاب والسنة، ودعوة كل من خالف الكتاب والسنة فيمسألة فقهية أو عقائدية للرجوع إلى الكتاب والسنة، وأن يزيل شبهته إن وجدت ويقيم الحجة عليه من كتاب الله وسنة نبيه بفهم سلف هذه الأمة المشهود لهم بالفضل والخيرية .
بل وعليه أيضا أن يدعو الكفار إلى الإسلام ويبين لهم بطلان ما هم عليه من الكفر والشرك بالطرقالمقنعة ويقيم لهم الأدلة والبراهين على صحة الإسلام وصدق ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند ربه .
ومن الدعوة إلى الله إفتاء الناس بالكتاب والسنة وآثار الصحابة وعدم تركهمتتخطفهم فتاوى أهل البدع والضلال المنحرفة عن الحق.
ومما شرعه الله تعالى نصرة دينه والذب عن حياضه بتصفيته من الشوائب التي أدخلت فيه وليست منه، من أحاديث لم تصح عن النبي -صلىالله عليه وسلم- وفتاوى منحرفة عن الكتاب والسنة مجانبة للصواب، وعقائد مناقضة لماأنزل الله على رسوله من الحق والهدى .
فالحاصل الواجب هو اتباع شرائع الإسلام كافة، وعدم الاقتصار على جزء منها .
وأنت أخي التبليغي حري أن تكون أذنا صاغية لذلك بما عهدناه عنك من محبة لمعرفة الحق واتباعه، فوالله ما أكتب لك هذه النصائح إلا محبة للخير لك كمحبتك الخيرللناس حين تقوم بدعوتهم أو أكثر،أسأل الله أن يوفقني وإياك لاتباع الحق حيثماكان، والدوران معه حيثما دار إنه ولي ذلك والقادر عليه .
النصيحة (23): التحذير من إنكار تأثيرالأسباب بإذن الله
انتبه أخي التبليغي وفقنا الله جميعا لاتباع الحق، إلى خطأ من يكرر تلكالعبارة المأخوذة من العقيدة الأشعرية مع مخالفتها للكتاب والسنة والسلف، وهي أن النار لا تحرق والسكين لا تقطع ولكن الله سبحانه يخلق الإحراق عند النار لا بها والقطع عند السكين لا بها،
قال الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي في كتاب "مجمل اعتقاد أئمة السلف" :
"تأثير الأسباب الطبيعيّة في مسبباتها بإذن الله :
إِن الله يخلق السحاب بالرياح، وينزل الماء بالسحاب، ويُنْبِتُ النباتَ بالماء، ونحو ذلك.
والقولُ بأن الله يَفْعَلُ عند الأسباب لا بِها يُفضي إلى إِبطال حِكمةِ الله في خلقه، وأنه لم يجعل في العين قوةَ تمتاز بها عن الخدِّ تُبصِرُ بها، ولا في النار قوةً تمتازُ بها عن التراب تَحْرِقُ بها، فضلًا عمَّا في هذا القول من
مخالفةٍ للكتاب والسنة، فإِن الله تعالى يقول :
{فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف : 57] ،
ويقول : {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا} [البقرة : 164] ،
ويقول : {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة : 14] ،
ويقول : {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْيُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة : 52] ،
ويقول : {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ ق : 9] ،ويقول : {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌوَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة : 15-16] ،
ومثل هذا في القرآن كثير، وكذلك في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كقوله : « لا يموتن أحدٌ منكم إِلا آذَنْتُمونيِ حتىأُصلِّي عليه، فإِنَّ الله جاعلٌ بصلاتي عليه بركةً ورحمة » [ أخرجه النسائي وابن ماجه ] .
وقال -صلى الله عليه وسلم- : « إِن هذه القبور مملوءةٌ على أهلها ظُلْمَةً، وإِنَّ الله جاعلٌ بصلاتي عليهم نورًا » . [ أخرجه البخاري بنحوه وأخرجه مسلم واللفظ له ].
فالله سبحانه خلق الأسباب والمسببات وجعل هذا سببًا لهذا، فإِذا قال القائل : إِن كان مقدورًا، حصل بدون السبب، وإِلا لم يحصل
جوابه أنه مقدورٌ بالسبب، وليس مقدورًا بدون السبب .
وقولهم : إِن الله تعالى أجرى العادة بهذه الأسباب، وأنه ليس لها تأثير في المسببات بإِذنه !!! قولٌ بعيدٌ جدًا عن مُقْتَضى الحكمة، بل هو مُبطلٌ لها؛ لأنَّ المسببات إِنْ كان يمكن أن تُوجَدَ من غير هذه الأسباب، فأي حكمةٍ في وجودها عن هذه الأسباب" انتهى.
النصيحة (24): الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله ولا الإيمان بقدره
إن الله سبحانه قدر المسببات بأسبابها فهو خالق السبب وما ينتج عنه وذلك كله من قدره سبحانه، فهو سبحانه الذي قدر أن يكون الشفاء من الأمراض بأدويتها، وحصول الرزق بطلبه، ودخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح، وطول العمر بصلة الرحم والدعاء والمحافظة على الصحة وفعل البر ونحو ذلك . فكل سبب علمنا أن الله سبحانه جعله سببا لشيء من خلال شرعه في الأمور الشرعية ومن خلالالتجربة والحس في الأمور المادية الدنيوية، فإنما يكون نفعه وتحقق نتيجته بإذن الله سبحانه وقدره، فالأخذ بالأسباب المباحة لا ينافي التوكل على الله ولا الإيمان بقضائه وقدره، بل من ترك الأخذ بالأسباب فهو الذي يخدش إيمانه بقدر الله؛ لأن الأسباب مما قدره الله وقضاه .
إلا أنه لا يجوز للمسلم أن يعتمد على الأسباب؛ لأنها لا تؤثر بنفسها وإنما تؤثر بإذن الله، فإن حصول المقصود من السبب إنما يكون بمشيئة الله تعالى، وكم من إنسان يأخذ بالسبب ولا يتحققله مقصوده !!.
فالمؤمنبالقدر حقا يأخذ بالأسباب ولكن مع عدم الاعتماد عليها وتعلق القلب بها، إنما يكون اعتماده على الله سبحانه في الوصول إلى مقصود تلك الأسباب والحصول على نتائجها؛ لأنه هو سبحانه مسبب الأسباب وكل شيء بيده وتحت ملكه وسلطانه .
إن أولئك الذين يتركون الأخذ بالأسباب بحجة قوة إيمانهم بقضاء الله وقدره قد جانبوا الصواب وخالفوا السنة والكتاب، فإن النصوص من القرآن والسنة التي توجه للأخذ بالأسباب كثيرة متظاهرة، منها قوله تعالى :
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل : 20] ،
وقال سبحانه : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك : 15] ،
وقال -أيضا- جل شأنه :
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال : 60] ،
بل إن النصوص تبرز لنا أن الشيء قد يكون مكتوبا في الصحف ثم
يتغير لسبب من الأسباب كالدعاء وصلة الرحم ، قال تعالى : {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد : 39] .
وعن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله -صلىالله عليه وسلم- : "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر" .
[ رواه الترمذي وحسنه الألباني ]
وعن أَنَس بْنمَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : "مَنْ أَحَبَّ أَنْيُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" متفق عليه .
معنى ينسأ له في أثره : يؤخر له في أجله .
ولكن المحو من الصحفإنما يكون من الصحف التي عند الملائكة لا من اللوح المحفوظ، وأما علم الله فإنه لا يمكن أن يقع فيه اختلاف، فخذ أيها المسلم بالأسباب وأنت معتمد على رب الأرض والسموات .
فحري بك حينئذ أنتنال المطلوب وتنجو من المرهوب .
من خلال هذا البيان يتضح لك أخي التبليغي أحسن الله إليك، خطأ ترك تحضير الدرس اعتمادا على الله وتوكلا عليه؛ لأن تحضير الدرس
هو من قبيل الأخذ بالأسباب ليكون الدرس على درجة عالية من الصحة والإتقان والبعد عن الخطأ والافتراء على الله والقول عليه بغير علم، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله والإيمان بقدره، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه .
النصيحة (25): التحذيرمن تكليف الجهال إلقاء البيانات والدروس
ينبغي لك أخي التبليغي أن تجعل البيان والدرس حتى ولو كان قراءة من كتاب ( رياض الصالحين ) مع بعض التعليق عليه على طلبة العلم لا على الجهال؛ لأن تكلم الجاهل في الناس مبينا ومدرسا فيه مخاطر لا تحمد عقباها، فهو لا يحسن قراءة الآية إذا قرأها فضلا عن توضيحها،ولا يميز صحيح الحديث من ضعيفه بل قد ينقل كلاما لا صلة له برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناسبا إياه له، والقول على الله بغير علم والافتراء عليه الكذب من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، مع ما يترتب على ذلك من ترويج فاسد الأقاويل والجهالات المتنوعة بين الناس، وحذار أن تظن أن معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- : "بلغوا عني ولو آية".رواه البخاري.
أن يقوم أي شخص من الناس مبينا في الناس على هذا الوجه، ولكن المقصود بالحديث أن يبلغ الإنسان ما يعلم من الكتاب والسنة بعدحصوله له على وجه الإتقان والمعرفة الصحيحة، لا أن يبلغ شيئا لا يحسن قراءته فضلا عن شرحه وتوضيحه، أو أن يفسره تفسيرا لا يقوم على أسس علمية، وإنما هو أوهام عواموتخبطات الجهال .
قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف : 108] .
قال الإمام البغوي في تفسيره (4 / 284) :
"{ قُلْ } يا محمد، { هَذِه } الدعوة التي أدعُو إليها والطريقة التي أنا عليها، { سَبِيلِي } سُنَّتي ومنهاجي.
وقال مقاتل : ديني، نظيره قوله:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل : 125] ،
أي: إلى دينه. {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة } على يقين. والبصيرة : هي المعرفة التيتُمِّيزُ بها بين الحق والباطل" .
وقال الإمام السعدي في تفسيره (1 / 406) :
"{ عَلَى بَصِيرَةٍ } من ديني، أي : على علم ويقين من غير شك ولا امتراء ولا مرية" .
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (1 / 21) :
"ولكن لا يمكن أن تتم الدعوة إلا بعلم الإنسان بما يدعو إليه؛ لأن الجاهل قد يدعو إلى شيء يظنه حقاً وهو باطل، وقد ينهى عن شيء
يظنه باطلاً وهو حق، فلا بد من العلم أولاً فيتعلم الإنسان ما يدعو إليه.
وسواء كان عالماً متبحراً فاهماً في جميع أبواب العلم، أو كان عالماً فينفس المسألة التي يدعو إليها، فليس بشرط أن يكون الإنسان عالماً متبحراً في كل شيء، بل لنفرض أنك تريد أن تدعو الناس إلى إقام الصلاة، فإذا فقهت أحكام الصلاةوعرفتها جيداً فادع إليها ولو كنت لا تعرف غيرها من أبواب العلم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :
(بلغوا عني ولو آية) ولكن لا يجوز أن تدعو بلا علم أبدا؛ لأن ذلكفيه خطر؛ خطر عليك أنت، خطر على غيرك، أما خطره عليك فلأن الله حرم عليك أن تقولعلى الله ما لا تعلم، قال الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَالْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِالْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْتَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 33] ، وقال تعالى : {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم} [الإسراء : 36] ، أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فإنك مسؤول عن ذلك، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]" انتهى .
النصيحة (26): التحذير من اللحن في القرآن والحديث
احذر أخي المسلم التبليغي حفظك الله، من قراءة أحاديث من (رياض الصالحين) على الناس مع عدم صحة القراءة والخطأ في الحركات أو الحروف لما يترتب على ذلك من تغيير المعنى أحيانا، وأن تنسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله.
قال الإمامالنووي -رحمه الله- في "التقريب " ( ص15) :
"وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهلالمعرفة والتحقيق".
وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في "الباعث الحثيث في اختصار
علوم الحديث" (ص19) :
"ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية ، قال الأصمعي :
( أخشى عليه إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) ، فإنالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن" فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبتعليه".
النصيحة (27): رواية الحديث بالمعنى لها شروط يجب الالتزام بها:
أنصحك أخي التبليغي حفظك الله، إن لم تكن طالب علم قوي أن لا تنقل الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس وتحدثهم به بمعناه؛ لأن نقل الحديث بالمعنى لا يصح إلا بشروط لا تتوفر عادة في غير أهل العلم وطلبته المبرزين، وهذا يؤكد لك أن البيان أو الدرس ينبغي أن لا يجعل على غير طلبة العلم.
قال الإمام النووي -رحمه الله- في "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث" (ص15) :
"إن لم يكن عالما بالألفاظ ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه، فإن كان عالماً بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه، والأصول، لا تجوز إلا بلفظه، وجوز بعضهم في غير حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجوز فيه، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف : يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير مصنف وإن كان بمعناه والله أعلم، وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه : أو كما قال أو نحوه، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ . وإذا اشتبه على القارئ لفظة فحسن أن يقول بعد قراءتها على الشك أو كما قال، لتضمنه إجازة وإذناً في صوابها إذا بان، واللهأعلم" .
النصيحة (28): التحذير من التحديث بما لميثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث :
أنصحك أخي التبليغي، أن تتأكد من صحة أي حديث تريد أن تحدث به الناس قبل بثه ونشره بينهم، حذرا من أن يشملك وعيد الأحاديث التالية:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّمَا سَمِعَ " . رواه مسلم
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "مَنْ حَدَّثَ عَنِّيبِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ". رواه مسلم
وعن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" .
[ أخرجه ابن حبان وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ]
قال الحافظ ابن حبان في صحيحه (1 /210) :
"ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو غير عالم بصحته" ثم روى قوله -صلى الله عليه وسلم- : "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده منالنار" انتهى .
وقال الحافظ ابن حبان -أيضا- في "المجروحين" (1 / 7) :
"عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" في هذاالخبر دليل على صحة ما ذكرنا أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مما تقول عليه، وهو يعلم ذلك يكون كأحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد من هذا وذاك أنه قال - صلى الله عليه وسلم- : "من روى عنى حديثا وهو يرى أنه كذب" ولم يقل : إنه تيقن أنه كذب. فكل شاك فيما يرفع أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهرخطاب هذا الخبر" انتهى .
وقال المناوي في "فيض القدير" (6 / 116) :
"(يرى) بضم ففتح يظن وبفتحتين ذكره بعضهم (فهو أحد الكاذبين) بصيغة الجمع باعتبار كثرة النقلة وبالتثنية باعتبار المفتري والناقل عنه والأول كما في الديباج أشهر، فليس لراوي حديث أن يقول قال الرسول إلا إن علم صحته، ويقول في الضعيف روي أو بلغنا فإن روى ما علم أو ظن وضعه ولم يبين حاله أيدرج في جملة الكذابين؛ لإعانته المفتري على نشر فريته، فيشاركه في الإثم كمن أعان ظالما، ولهذا كان بعض التابعين يهاب الرفع ويوقف قائلا الكذب على الصحابي أهون"
انتهى مختصرا .
ولا تظنن أن ما يذكره بعض العلماء بأن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل الأعمال يسوغ لك نقل الأحاديث النبوية للناس بدون تثبت وتأكد من صحتها؛ لأنك إذا رويت الحديث الضعيف عند العلماء لا بد أن تذكره بصيغة التمريض .
قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته (ص19) :
"إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا و كذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك . وإنما تقول فيه روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه أو جاء عنه أو روى بعضهم أو ما أشبه ذلك . وهذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول "قال رسول -صلى الله عليه وسلم-" فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحنا أولاً، والله أعلم" .
وقال الحافظ النووي في المجموع (1 / 63) :
"صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه، فلا ينبغي أن يطلق إلا فيما صح، وإلا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه، وهذا الأدب أخلبه المصنف وجماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بل جماهير أصحاب العلوم مطلقا ما عدا حذاق المحدثين وذلك تساهل قبيح" انتهى .
وفي الحقيقة لا يصلح الاكتفاء بذكر الحديثالضعيف بصيغة التمريض عند العوام الذين لا يفهمون مغزاها ولا المقصود منها، فلا بد أن تصرح بضعف الحديث إذا ما نقلته إليهم .
قال العلامة المحدث محمد ناصر الدينالألباني في تمام المنة (ص40) :
"إذا كان من المسلم به شرعا أنه ينبغي مخاطبةالناس بما يفهمون ما أمكن، وكان الاصطلاح المذكور عن المحققين لا يعرفه أكثر الناس، فهم لا يفرقون بين قول القائل : "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " وقوله: "روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لقلة المشتغلين بعلم السنة، فإني أرى أنه لا بد من التصريح بصحة الحديث أو ضعفه؛ دفعا للإيهام كما يشير إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله : "دع ما يريبك إلى مالا يريبك" [ رواه النسائي والترمذي وهومخرج في " إرواء الغليل (2074)" وغيره ]" انتهى كلام الألباني .
وقال الإمام أبوشامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث"(ص 75): "ولكنه جرى في ذلك على عادة جماعة من أهل الأحاديث يتساهلون في أحاديث فضائل الأعمال، وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ، بل ينبغي أن يبين أمره إن علم وإلا دخل تحت الوعيد في قوله -صلى الله عليه وسلم- : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" انتهى .
ثم إنك عليك أن تنتبه أن الحديث الذي تنقله للناس إذا كان ضعيفا أنه ليس موضوعا ولا شديد الضعف ولا يشتمل على حكم شرعي من الأحكام الخمسة ولا تعتقد أنت ثبوته، وكذلك عليك أن تنبه من يسمعك على ضعفه حتى لا يعتقد ثبوته عن النبي -صلى اللهعليه وسلم- .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1 / 250) :
"لا يجوز أن يعتمد فى الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله
حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقا، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، لكن إذا علم تحريمه وروي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب، جاز أن يرويه فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله، وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب، فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا،فأما أن يثبت شرعا لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم، ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن، كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال وإلى ضعيف خفيف لا يمنع من ذلك، وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفا ويحتج به، ولهذا مثل أحمد الحديث الضعيف الذي يحتج بهبحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما وهذامبسوط فى موضعه" .
وقال الإمام الشاطبي في "كتاب الاعتصام" (1 / 171) :
"فإذاً هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع من المندوب خاصة ، فلا بد من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناءً على
قولهم : إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح والبدع المستدل عليها بغير الصحيح لابد فيها من الزيادة على المشروعات كالتقييد بزمان أو عدد أو كيفية ما . فليزم أن تكون أحكام تلك الزيادات ثابتة بغير الصحيح، وهو ناقض لما أسسه العلماء.
ولا يقال : إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط . لأنا نقولهذا تحكم من غير دليل، بل الأحكام خمسة" .
وقال الشيخ علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"
(5 / 463) :
"الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد إجماعا، كما قاله النووي محله الفضائل الثابتة منكتاب أو سنة" .
وقد ذكر الحافظ السخاوي في آخر كتابه "القول البديع في فضل الصلاة على الحبيب الشفيع" عن شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني أن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة :
1- الأول : متفق عليه أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب، ومنفحش غلطه .
2- الثاني : أن يكون مندرجا تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث
لا يكون له أصل أصلا .
3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي -صلى الله عليه
وسلم- ما لم يقله. قال : والأخيران عن ابن عبد السلام وعن صاحبه
ابن دقيق العيد والأول نقل العلائي الاتفاق عليه .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في رسالته "تبيين العجب بما ورد في
شهر رجب" :
"ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكنموضوعة . وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهربذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال
فيظن أنهسنة صحيحة .
وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره .
وليحذر المرء من دخوله تحت قوله -صلى الله عليه وسلم- : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". فكيف بمن عمل به .
ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع"انتهى.
فمن لم يلتزم بهذه الشروط لا يجوز له أن ينقل الحديث الضعيف للناس، ومن العلماء من لم يجز العمل بالحديث الضعيف مطلقا حتى ولو كان في فضائل الأعمال .
قال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني تغمده الله برحمته في كتابه"تمام المنة في التعليق على فقه السنة" (ص23) :
"القاعدة الثانية عشرة ترك العمل بالحديثالضعيف في فضائل الأعمال اشتهر بين كثير من أهل العلم وطلابه، أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل الأعمال.
ويظنون أنه لا خلاف في ذلك .كيف لا والنووي رحمه الله نقل الاتفاق عليه في أكثر من كتاب واحد من كتبه ؟ وفيما نقله نظر بين؛ لأن الخلاف في ذلك معروف، فإنبعض العلماء المحققين على أنه لا يعمل به مطلقا، لا في الأحكام ولا في الفضائل .
قال الشيخ القاسمي -رحمه الله- في "قواعد التحديث" (ص94) :
"حكاه ابن سيد الناس في "عيون الأثر" عن يحيى بن معين، ونسبه في "فتح المغيث" لأبي بكر بن العربي، والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا... وهو مذهب ابن حزم..." .
قلت : وهذا هو الحق الذي لا شك فيه عندي لأمور : الأول : أن
الحديث الضعيف إنما يفيد الظن المرجوح، ولا يجوز العمل به اتفاقا،
فمن أخرج من ذلك العمل بالحديث الضعيف في الفضائل لابد أن يأتي
بدليل، وهيهات ! ...إلخ " انتهى .
وفقنا الله جميعا لسلوك سبيله الموصل إلى مرضاته وجنته دار كرامته .