منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى السيرة النبوية وسيرة الإنبياء

أمور نهى عنها الشارع مخالفة للكفار

منتدى السيرة النبوية وسيرة الإنبياء


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )
الواثقة بالله غير متواجد حالياً
الصورة الرمزية الواثقة بالله
 
الواثقة بالله
المراقب العام

الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 4
تاريخ التسجيل : Aug 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 8,505 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي أمور نهى عنها الشارع مخالفة للكفار

كُتب : [ 05-19-2016 - 01:00 AM ]

المبحث السابع: أمور نهى عنها الشارع مخالفة للكفار

كان النبي عليه الصلاة والسلام يكره مشابهة أهل الكتابين في ... الآصار والأغلال، وزجر أصحابه عن التبتل، وقال: ((لا رهبانية في الإسلام)) (1) ، وأمر بالسحور (2) ، ونهى عن المواصلة (3) ، وقال فيما يعيب أهل الكتابين ويحذر موافقتهم: (فتلك بقاياهم في الصوامع) (4) وهذا باب واسع جداً. (50)
ومما جاء في مخالفتهم الأمر بصبغ الشيب لأن اليهود والنصارى لا يصبغون، والفعل المأمور به إذا عبر عنه بلفظ مشتق من معنى أعم فلابد أن يكون المشتق أمراً مطلوباً.
ولما دل عليه معنى الكتاب: جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين، التي أجمع الفقهاء عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم.
ففي (الصحيحين) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)) (5) أمر بمخالفتهم، وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً للشارع، لأنه: إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط - فهو لأجل ما فيه من المخالفة. فالمخالفة: إما علة مفردة، أو علة أخرى، أو بعض علة (51)
ومما جاء أيضاً كما في (الصحيحين) عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى)) (6) رواه البخاري و مسلم وهذا لفظه، فأمر بمخالفة المشركين مطلقاً، ثم قال: ((أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى)) وهذه الجملة الثانية بدل من الأولى، فإن الإبدال يقع في الجمل، كما يقع في المفردات، كقوله تعالى: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة:49]. فهذا الذبح والاستحياء: هو سوء العذاب، كذلك هنا: هذا هو المخالفة للمشركين المأمور بها هنا، لكن الأمر بها أولاً بلفظ مخالفة المشركين دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع، وإن عينت هنا في هذا الفعل، فإن تقديم المخالفة علة تقديم العام على الخاص، كما يقال: أكرم ضيفك أطعمه وحادثه، فأمرك بالإكرام أولاً دليل على أن إكرام الضيف مقصود، ثم عينت الفعل الذي يكون إكراماً في ذلك الوقت، والتقرير من هذا الحديث شبيه بالتقرير من قوله: ((لا يصبغون فخالفوهم)) وقد روى مسلم في (صحيحه) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)) (7) .
مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع:
فعقب الأمر بالوصف المشتق المناسب، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع، وهو العلة في هذا الحكم، أو علة أخرى، أو بعض علة، وإن كان الأظهر عند الإطلاق: أنه عامة تامة، لهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس، في هذا وغيره - كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها عن النبي صلى الله عليه وسلم من هدي المجوس.
النهي عن حلق القفا مخالفة للمجوس:
قال المروذي: سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن حلق القفا، فقال: هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
وقال - أيضاً - قيل لـ أبي عبد الله: يكره للرجل أن يحلق قفاه أو وجهه؟ فقال: أما أنا فلا أحلق قفاي.
وقد روي فيه حديث مرسل عن قتادة: كراهيته، وقال: إن حلق القفا من فعل المجوس.
قال: وكان أبو عبد الله يحلق قفاه وقت الحجامة.
وقال أحمد - أيضاً -: لا بأس أن يحلق قفاه وقت الحجامة.
وقد روى عنه ابن منصور، قال: سألت أحمد عن حلق القفا، فقال: لا أعلم فيه حديثاً، إلا ما يروى عن إبراهيم أنه كره قرداً يرقوس ذكر الخلال هذا، وغيره.
وذكر - أيضاً - بإسناده، عن الهيثم بن حميد، قال: حف القفا من شكل المجوس.
وعن المعتمر بن سليمان التيمي قال: كان أبي إذا جز شعره لم يحلق قفاه، قيل له لم؟ قال: كان يكره أن يتشبه بالعجم.
والسلف تارة يعللون الكراهة بالتشبه بأهل الكتاب، وتارة بالتشبه بالأعاجم، وكلا العلتين منصوصة في السنة، مع أن الصادق - صلى الله عليه وسلم، قد أخبر بوقوع المشابهة لهؤلاء وهؤلاء، ... (52)
ومن ذلك أيضاً الأمر بالسحور، مخالفة لأهل الكتاب:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر)) رواه مسلم في (صحيحه) (8) (53)
وما رواه أبو داود من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال أمتي بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)) (9) ورواه ابن ماجه من حديث العباس، (10) ورواه الإمام أحمد من حديث السائب بن يزيد.
وقد جاء مفسراً، تعليله: لا يزالون بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى طلوع النجم، مضاهاة لليهودية ويؤخروا الفجر إلى محاق النجوم: مضاهاة للنصرانية.
قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الصلت بن بهرام، عن الحارث بن وهب، عن أبي عبد الرحمن الصنابحي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال أمتي على مسكة ما لم ينتظروا بالمغرب اشتباك النجوم، مضاهاة لليهودية، ولم ينتظروا بالفجر محاق النجوم، مضاهاة للنصرانية، ولم يكلوا الجنائز إلى أهلها)) (11) . (54)
ومن مخالفة أهل الكتاب أيضاً الأمر بتعجيل الفطور ... وهذا يدل على أن الفصل بين العبادتين: أمر مقصود للشارع، وقد صرح بذلك - فيما رواه - أبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون)) (12) ، وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى.
وإذا كان مخالفتهم سبباً لظهور الدين، فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة. (55)
ومن ذلك ما جاء في النهي عن الوصال قال سعيد بن منصور: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه عن ليلى - امرأة بشير بن الخصاصية - قالت: ((أردت أن أصوم يومين مواصلة، فنهاني عنه بشير، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاني عن ذلك، وقال: إنما يفعل ذلك النصارى، صوموا كما أمركم الله، وأتموا الصوم كما أمركم الله، وأتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا)) (13) وقد رواه أحمد في (المسند).
فعلل النهي عن الوصال: بأنه صوم النصارى، وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من رهبانيتهم التي ابتدعوها (56)
ومن ذلك ما جاء من النهي عن مشابهة اليهود في ترك مؤاكلة المرأة حال حيضها
عن أنس رضي الله عنه: ((أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ [البقرة: 222], فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)), فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفنا أنه لم يجد عليهما)). رواه مسلم (14) .
فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود، بل: على أنه خالفهم في عامة أمورهم، حتى قالوا: ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
ثم أن المخالفة - كما سنبينه - تارة تكون في أصل الحكم، وتارة في وصفه، ومجانبة الحائض: لم يخالفوا في أصله، بل خولفوا في وصفه، حيث شرع الله مقاربة الحائض في غير محل الأذى، فلما أراد بعض الصحابة أن يعتدي في المخالفة إلى ترك ما شرعه الله: تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الباب - باب الطهارة - كان على اليهود فيه أغلال عظيمة، فابتدع النصارى ترك ذلك كله، حتى أنهم لا ينجسون شيئاً ! بلا شرع من الله. فهدى الله الأمة: الوسط بما شرعه لها إلى وسط من ذلك، وإن كان ما كان عليه اليهود كان أيضاً مشروعاً، فاجتناب ما لم يشرع الله اجتنابه: مقاربة لليهود، وملابسة ما شرع الله اجتنابه: مقاربة للنصارى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. (57)
ومما جاء أيضاً في النهي عن مشابهتهم ما رواه البخاري عن مسروق عن عائشة: أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول: إن اليهود تفعله ورواه - أيضاً - من حديث أبي هريرة قال: ((نهي عن الخصر في الصلاة)) (15) ، وفي لفظ: ((نهي أن يصلي الرجل مختصراً)) (16) قال: وقال هشام و أبو هلال، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا رواه مسلم في (صحيحه): نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن زياد بن صبيح قال: ((صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه)) (17) . رواه أحمد، و أبو داود، و النسائي (58)
ومما جاء في مخالفتهم كذلك ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ((اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً فلما سلم قال: إن كدتم آنفاً تفعلون فعل فارس والروم: يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)) (18) رواه مسلم، و أبو داود: من حديث الليث عن أبي الزبير، عن جابر.
ورواه أبو داود، وغيره، من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: ((ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جذم نخلة، فانقطعت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالساً، قال: فقمنا خلفه، فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده، فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا قال: فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)) (19) . وأظن في غير رواية أبي داود: ((ولا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضاً))، ففي هذا الحديث: أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم في قيامهم وهم قعود.
ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله لا لإمامه وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد، ونهى - أيضاً - عما يشبه ذلك، وإن لم يقصد به ذلك، ولهذا نهى عن السجود لله بين يدي الرجل، وعن الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله، كالنار ونحوها.
وفي هذا الحديث - أيضاً - نهى عما يشبه فعل فارس والروم وإن كانت نيتنا غير نيتهم، لقوله: ((فلا تفعلوا)). فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية ؟.
ثم هذا الحديث - سواء كان محكماً في قعود الإمام، أو منسوخاً - فإن الحجة منه قائمة، لأن نسخ القعود لا يدل على فساد تلك العلة وإنما يقتضي أنه قد عارضها ما ترجح عليها، مثل كون القيام فرضاً في الصلاة، فلا يسقط الفرض بمجرد المشابهة الصورية، وهذا محل اجتهاد وأما المشابهة الصورية - إذا لم تسقط فرضاً - كانت تلك العلة التي علل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمة عن معارض، أو نسخ، لأن القيام في الصلاة ليس بمشابهة في الحقيقة، فلا يكون محذوراً، فالحكم إذا علل بعلة، ثم نسخ مع بقاء العلة فلابد من أن يكون غيرها ترجح عليها وقت الناسخ أو ضعف تأثيرها، أما أن تكون في نفسها باطلة: فهذا محال، هذا كله لو كان الحكم هنا منسوخاً، فكيف والصحيح أن هذا الحديث محكم، قد عمل به غير واحد من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كونهم علموا صلاته في مرضه.
وقد استفاض عنه صلى الله عليه وسلم الأمر به استفاضة صحيحة صريحة يمتنع معها أن يكون حديث المرض ناسخاً له، على ما هو مقرر في غير هذا الموضع: إما بجواز الأمرين، إذ فعل القيام لا ينافي فعل القعود وإما بالفرق بين المبتدئ للصلاة قاعداً، والصلاة التي ابتدأها الإمام قائماً، لعدم دخول هذه الصلاة في قوله: ((وإذا صلى قاعداً)) ولعدم المفسدة التي علل بها، ولأن بناء فعل آخر الصلاة على أولها من بنائها على صلاة الإمام، ونحو ذلك من الأمور المذكورة، في غير هذا الموضع. (59)
وقد ذهب غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين، قال محمد بن أبي حرب: سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه؟ فكرهه للرجل والمرأة، وقال: إن كان للكنيف والوضوء وأكره الصرار، وقال: هو من زي العجم.
وقد سئل سعيد بن عامر عنه فقال: سنة نبينا أحب إلينا من سنة باكهن.
وقال في رواية المروذي، وقد سأله عن النعل السندي فقال: أما أنا فلا أستعملها، ولكن إن كان للطين، أو المخرج فأرجو، وأما من أراد الزينة فلا ورأى على باب المخرج نعلاً سندياً فقال: يتشبه بأولاد الملوك!.
وقال حرب الكرماني قلت لـ أحمد، فهذه النعال الغلاظ؟ قال: هذه السندية؟ قال إذا كان للوضوء، أو للكنيف، أو موضع ضرورة، فلا بأس، وكأنه كره أن يمشي فيها في الأزقة قيل: فالنعل من الخشب؟ قال: لا بأس بها أيضاً إذا كان موضع ضرورة.
وقال حرب: حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا حبان بن موسى، قال سئل ابن المبارك عن هذه النعال الكرمانية، فلم تعجبه وقال أما في هذه غنية عن تلك؟.
وروى الخلال: عن أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: سألت سعيد بن عامر، عن لباس النعال السبتية فقال: زي نبينا أحب إلينا من زي باكهن ملك الهند، ولو كان في مسجد المدينة لأخرجوه من المدينة.
سعيد بن عامر الضبعي: إمام أهل البصرة علماً وديناً، من شيوخ الإمام أحمد، قال يحيى بن سعيد القطان - وذكر عنده سعيد بن عامر فقال: هو شيخ المصر منذ أربعين سنة، وقال أبو مسعود بن الفرات: ما رأيت بالبصرة مثل سعيد بن عامر، وقال الميموني،: رأيت أبا عبد الله عمامته تحت ذقنه، ويكره غير ذلك، وقال: العرب عمائمها تحت أذقانها.
وقال أحمد - في رواية الحسن بن محمد -: يكره أن لا تكون - العمامة تحت الحنك كراهية شديدة وقال: إنما يتعمم بمثل ذلك اليهود والنصارى والمجوس.
ولهذا - أيضاً - كره أحمد: لباس أشياء، كانت شعار الظلمة في وقته: من السواد ونحوه، وكره هو وغيره: تغميض العين في الصلاة وقال: هو من فعل اليهود.
وقد روى أبو حفص العكبري - بإسناده - عن بلال بن أبي حدرد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تمعددوا، واخشوشنوا وانتعلوا وامشوا حفاة)) (20) .
وهذا مشهور محفوظ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (60)
وأيضاً - ما روى أبو داود، حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي، حدثنا محمد بن ربيعة، حدثنا أبو الحسن العسقلاني، عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن ركانة، أو محمد بن علي بن ركانة، عن أبيه: أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، قال ركانة: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((فرق ما بيننا وبين المشركين: العمائم على القلانس)) (21) .
وهذا يقتضي أنه حسن عند أبي داود، ورواه الترمذي - أيضاً - عن قتيبة وقال: غريب، وليس إسناده بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن ولا ابن ركانة، وهذا القدر لا يمنع: أن يعتضد بهذا الحديث ويستشهد به، وهذا بين في أن مفارقة المسلم المشرك في اللباس أمر مطلوب للشارع، كقوله: ((فرق ما بين الحلال والحرام: الدف والصوت)) (22) , فإن التفريق بينهما مطلوب في الظاهر، إذ الفرق بالاعتقاد والعمل بدون العمامة حاصل، فلولا أنه مطلوب بالظاهر - أيضاً - لم يكن فيه فائدة. (61)
وأيضاً - عن أبي غطفان المري قال: سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: ((حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (23) . رواه مسلم في (صحيحه).
وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا يوم عاشوراء، خالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً)) (24) ورواه سعيد بهذا الإسناد، ولفظه: ((صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)).
والحديث رواه ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده: ابن عباس.
فتدبر: هذا يوم عاشوراء، يوم فاضل يكفر سنة ماضية صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه ورغب فيه، ثم لما قيل له قبيل وفاته: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه، وعزم على ذلك.
ولهذا: استحب العلماء - منهم الإمام أحمد - أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وذلك عللت الصحابة رضي الله عنهم.
قال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، سمع عطاء سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ((صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود)) (25) . (62)
قد روي عن غير واحد من أهل العلم : أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية - أيضا - في صومهم وعباداتهم ، وتأولوا على ذلك قوله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ولكن أهل الكتابين بدّلوا .
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن تقدم رمضان باليوم واليومين، وعلل الفقهاء ذلك: بما يخاف من أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه، كما زاده أهل الكتاب، من النصارى، فإنهم زادوا في صومهم، وجعلوه فيما بين الشتاء والصيف، وجعلوا له طريقة من الحساب يتعرفونه بها.
وقد يستدل بهذا الحديث، على خصوص النهي عن أعيادهم، فإن أعيادهم معلومة بالكتاب والحساب، والحديث فيه عموم.
أو يقال: إذا نهينا عن ذلك في عيد الله ورسوله، ففي غيرها من الأعياد والمواسم أولى وأحرى، ولما في ذلك: من مضارعة الأمة الأمية، سائر الأمم.
وبالجملة - فالحديث يقتضي: اختصاص هذه الأمة بالوصف الذي فارقت به غيرها، وذلك يقتضي أن ترك المشابهة للأمم أقرب إلى حصول الوفاء (63)
وأيضاً - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنا أمة أمية: لا نكتب ولا نحسب، الشهر: هكذا هكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين)) (26) . رواه البخاري و مسلم.
فوصف هذه الأمة، بترك الكتاب والحساب، الذي يفعله غيرها من الأمم في أوقات عباداتهم وأعيادهم، وأحالها على الرؤية، حيث قال - في غير حديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) (27) ، وفي رواية: ((صوموا من الوضح إلى الوضح)) (28) ، أي من الهلال إلى الهلال.
وهذا: دليل على ما أجمع عليه المسلمون - إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين، المسبوقين بالإجماع - من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك: إنما تقام بالرؤية عند إمكانها، لا بالكتاب والحساب، الذي تسلكه الأعاجم: من الروم، والفرس، والقبط والهند، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى.
وقد روي عن غير واحد من أهل العلم: أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية - أيضاً - في صومهم وعباداتهم، وتأولوا على ذلك: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]، ولكن أهل الكتابين بدلوا. (64)
وأيضاً - ففي (الصحيحين): عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع معاوية، عام حج، على المنبر، وتناول قصة من شعر، كانت في يد حرسي، فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول: ((إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم)) (29) , وفي رواية سعيد بن المسيب - في (الصحيح) -: ((أن معاوية قال ذات يوم: إنكم أحدثتم زي سوء، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور، قال: وجاء رجل بعصى على رأسها خرقة قال معاوية: ألا وهذا الزور)) (30) .
قال قتادة: يعني ما يكثر به النساء أشعارهن، من الخرق.
وفي رواية عن ابن المسيب - في (الصحيح) - قال: ((قدم معاوية المدينة فخطبنا، وأخرج كبة من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحداً يفعله، إلا اليهود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه، فسماه الزور)) (31) فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وصل الشعر: ((أن بني إسرائيل هلكوا حين أحدثه نساؤهم))، يحذر أمته مثل ذلك، ولهذا: قال معاوية: ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود.
فما كان من زي اليهود، أي لم يكن عليه المسلمون: إما أن يكون مما يعذبون عليه، أو مظنة لذلك، أو يكون تركه حسماً لمادة ما عذبوا عليه، لا سيما إذا لم يتميز ما هو الذي عذبوا عليه من غيره، فإنه يكون قد اشتبه المحظور بغيره، فيترك الجميع، كما أن ما يخبرونا به لما اشتبه صدقه بكذبه: ترك الجميع. (65)
ولما نهى الله عن التشبه بهؤلاء الذين قست قلوبهم، وذكر أيضاً في آخر السورة حال الذين ابتدعوا الرهبانية، فما رعوها حق رعايتها، فعقبها بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 28-29]- فإن الإيمان بالرسول: تصديقه وطاعته وإتباع شريعته، وفي ذلك مخالفة للرهبانية، لأنه لم يبعث بها، بل نهى عنها، وأخبر أن من اتبعه: كان له أجران، وبذلك جاءت الأحاديث الصحيحة، من طريق ابن عمر وغيره،في مثلنا ومثل أهل الكتاب.
وقد صرح صلى الله عليه وسلم بذلك - فيما رواه أبو داود في (سننه)، من حديث ابن وهب، أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء: أن سهل بن أبي أمامة حدثه: أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)) (32) .
هذا الذي في رواية اللؤلؤي، عن أبي داود، وفي رواية ابن داسة عنه: أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك، بالمدينة، في زمان عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة، كأنها صلاة المسافر، أو قريباً منها، فلما سلم قال: يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شيء تنفلته؟ قال: إنها للمكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: ((لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع، رهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم)) (33) .
ثم غدا من الغد: فقال ألا تركب لتنظر ولتعتبر؟ قال: نعم، فركبوا جميعاً، فإذا بديار باد أهلها وانقضوا وفنوا، خاوية على عروشها قال: أتعرف هذه الديار؟ فقال: نعم، ما أعرفني بها وبأهلها، هؤلاء أهل ديار أهلكهم الله ببغيهم وحسدهم، إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني، والكف والقدم، والجسد واللسان، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
فأما سهل بن أبي أمامة، فقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وروى له مسلم وغيره، وأما ابن أبي العمياء، فمن أهل بيت المقدس ما أعرف حاله، لكن رواية أبي داود للحديث، وسكوته عنه: يقتضي أنه حسن عنده، وله شواهد في (الصحيح). (66)
ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم حذرنا من مشابهة من قبلنا، في أنهم كانوا يفرقون في الحدود بين الأشراف والضعفاء، وأمر أن يسوي بين الناس في ذلك، وإن كان كثير من ذوي الرأي والسياسة قد يظن أن إعفاء الرؤساء أجود في السياسة.
ففي (الصحيحين) عن عائشة رضي الله عنها - في شأن المخزومية التي سرقت، لما كلم أسامة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله ؟!. إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا: إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) (34) .
وكان بنو مخزوم من أشرف بطون قريش، واشتد عليهم أن تقطع يد امرأة منهم، فبين صلى الله عليه وسلم: أن هلاك بني إسرائيل، إنما كان في تخصيص رؤساء الناس بالعفو عن العقوبات، وأخبر: أن فاطمة ابنته - التي هي أشرف النساء - لو سرقت - وقد أعاذها الله من ذلك - لقطع يدها، ليبين: أن وجوب العدل والتعميم في الحدود، لا يستثنى منه بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن بنت غيره.
وهذا يوافق ما في (الصحيحين)، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب قال: ((مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي، محمم مجلود، فدعاهم، فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم قال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده: الرجم ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك، إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قوله: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ [المائدة: 41] (35) .
يقول: ائتوا محمداً فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة: 45] وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة: 47] في الكفار كلها. (67)
وأيضا ما روى أبو داود و النسائي و ابن ماجه، من حديث عياش بن عباس، عن ابن الحصين - يعني الهيثم بن شفي - قال: خرجت أنا وصاحب لي يكنى أبا عامر - رجل من المعافر - لنصلي بإيلياء، وكان قاصهم - رجل من الأزد - يقال له: أبو ريحانة، من الصحابة، قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي إلى المسجد، ثم ردفته فجلست إلى جنبه فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا قال: سمعته يقول ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر: عن الوشر، والوشم، والنتف، وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل بأسفل ثيابه حريراً، مثل الأعاجم، أو يجعل على منكبيه حريراً، مثل الأعاجم، وعن النهبى، وركوب النمور، ولبوس الخاتم، إلا لذي سلطان)) (36) . وفي رواية عن أبي ريحانة قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ..هذا الحديث محفوظ من حديث عياش بن عباس، رواه عنه المفضل بن فضالة، و حيوة بن شريح المصري، و يحيى بن أيوب، وكل منهم ثقة، و عياش بن عباس روى له مسلم، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، وأما أبو الحصين - الهيثم ين شفي - قال الدارقطني - شفي بفتح الشين وتخفيف الفاء وأكثر المحدثين يقولون: شفي هو غلط - و أبو عامر الحجري فشيخان، قد روى عن كل واحد منهما، أكثر من واحد، وهما من الشيوخ القدماء.
وهذا الحديث: قد أشكل على أكثر الفقهاء، من جهة أن يسير الحرير قد دل على جوازه نصوص متعددة، ويتوجه تحريمه على هذا الأصل وهو: أن يكون صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما كره أن يجعل الرجل على أسفل ثيابه، أو على منكبيه حريراً، مثل الأعاجم، فيكون المنهي عنه نوعاً كان شعاراً للأعاجم، فنهى عنه لذلك، لا لكونه حريراً، فإنه لو كان النهي عنه لكونه حريراً لعم الثوب كله، ولم يخص هذين الموضعين،ولهذا قال فيه: ((مثل الأعاجم)).
والأصل في الصفة: أن تكون لتقييد الموصوف، لا لتوضيحه، وعلى هذا: يمكن تخريج ما رواه أبو داود، بإسناده صحيح، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا أركب الأرجوان، ولا ألبس المعصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير، قال: فأومأ الحسن إلى جيب قيمصه قال: وقال: ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له)) (37) قال سعيد: أراه قال: إنما حملوا قوله في طيب النساء، على أنها إذا خرجت، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت، أو يخرج هذا الحديث على الكراهة فقط. وكذلك: قد يقال في الحديث الأول، لكن في ذلك نظر (68)
وأيضاً - ففي (الصحيحين) عن رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غداً، وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ فقال: ((ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه،فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن: فعظم، وأما الظفر: فمدى الحبشة)) (38) .
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالظفر، معللاً بأنها مدى الحبشة، كما علل السن: بأنه عظم، وقد اختلف الفقهاء في هذا، فذهب أهل الرأي: إلى أن علة النهي كون الذبح بالسن والظفر يشبه الخنق، أو هو مظنة الخنق، والمنخنقة محرمة، وسوغوا على هذا، الذبح بالسن والظفر المنزوعين، لأن التذكية بالآلات المنفصلة المحددة، لا خنق فيه، والجمهور منعوا من ذلك مطلقاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: استثنى السن والظفر مما أنهر الدم، فعلم أنه من المحدد الذي لا يجوز التذكية به، ولو كان لكونه خنقاً، لم يستثنه، والمظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية أو غير منضبطة، فأما مع ظهورها وانضباطها فلا.
وأيضاً - فإنه مخالف لتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص في الحديث، ثم اختلف هؤلاء، هل يمنع من التذكية بسائر العظام، عملاً بعموم العلة؟ على قولين، في مذهب أحمد وغيره.
وعلى الأقوال الثلاثة: فقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأما الظفر فمدى الحبشة))، بعد قوله: ((وسأحدثكم عن ذلك))، يقتضي أن هذا الوصف - وهو كونه مدى الحبشة - له تأثير في المنع: إما أن يكون علة، أو دليلاً على العلة، أو وصفاً من أوصاف العلة، أو دليلها، والحبشة في أظفارهم طول، فيذكون بها دون سائر الأمم، فيجوز أن يكون نهى عن ذلك: لما فيه من مشابهتهم فيما يختصمون به.
وأما العظم: فيجوز أن يكون نهيه عن التذكية به، كنهيه عن الاستنجاء به لما فيه من تنجيسه على الجن، إذ الدم نجس، وليس الغرض هنا ذكر مسألة الذكاة بخصوصها، فإن فيها كلاماً ليس هذا موضعه. (69)
وأيضاً - فقد روى أبو داود في (سننه)، وغيره من حديث هشيم: أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: ((اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكروا له القنع، شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، قال: فذكروا له الناقوس، قال: هو من فعل النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهو مهتم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا رسول الله: إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت، فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوماً، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما منعك أن تخبرنا؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله قال: فأذن بلال)) (39) ، قال أبو بشر: فحدثني أبو عمير: أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد، لولا أنه كان يومئذ مريضاً، لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً.
وروى سعيد بن منصور في (سننه): حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن عامر الشعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهتم بالصلاة اهتماماً شديداً، تبين ذلك فيه، وكان فيما أهتم به من أمر الصلاة: أن ذكر الناقوس، ثم قال: هو من أمر النصارى، ثم أراد أن يبعث رجالاً يؤذنون الناس بالصلاة، في الطرق، ثم قال: أكره أن أشغل رجالاً عن صلاتهم بأذان غيرهم، وذكر رؤيا عبد الله بن زيد.
ويشهد لهذا ما أخرجاه في (الصحيحين)، عن أبي قلابة، عن أنس قال: ((لما كثر الناس، ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن ينوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان - ويوتر الإقامة)). (40) .
وفي (الصحيحين)، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر قال: ((كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون، فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فناد بالصلاة)) (41) . (70)
وأن كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم بوق اليهود وناقوس النصارى لعلة المخالفة، وهذا يقتضي كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقاً في غير الصلاة أيضاً، لأنه من أمر اليهود والنصارى، فإن النصارى يضربون بالنواقيس في أوقات متعددة، غير أوقات عباداتهم.
وإنما شعار الدين الحنيف الأذان المتضمن للإعلان بذكر الله، الذي به تفتح أبواب السماء، فتهرب الشياطين، وتنزل الرحمة.
وقد ابتلي كثير من هذه الأمة، من الملوك وغيرهم بهذا الشعار اليهودي والنصراني، حتى إنا رأيناهم، في هذا الخميس الحقير الصغير (42) , يزفون البخور، ويضربون له بنواقيس صغار، حتى إن من الملوك من كان يضرب بالأبواق، والدبادب، في أوقات الصلوات الخمس، وهو نفس ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من كان يضرب بها طرفي النهار، تشبهاً منه - زعم - بذي القرنين، ووكل ما دون ذلك إلى ملوك الأطراف.
وهذه المشابهة لليهود والنصارى، وللأعاجم: من الروم والفرس، لما غلبت على ملوك المشرق، هي وأمثالها، مما خالفوا به هدي المسلمين، ودخلوا فيما كرهه الله ورسوله - سلط عليهم، الترك الكافرون، الموعود بقتالهم حتى فعلوا في العباد والبلاد، ما لم يجر في دولة الإسلام مثله، وذلك تصديق قوله صلى الله عليه وسلم: ((لتركبن سنن من كان قبلكم)) (43) . (71)
وأيضاً - فعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) (44) متفق عليه.
وعن جبير بن نفير، عن عبد الله بن عمرو قال: ((رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: إن هذه ثياب الكفار، فلا تلبسها)) (45) رواه مسلم.
علل النهي عن لبسها بأنها: من ثياب الكفار، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار، بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك.
كما أنه في الحديث قال: يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا، وهي للمؤمنين في الآخرة، ولهذا كان العلماء، يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة، تشبهاً بالكفار.
ففي (الصحيحين) عن أبي عثمان النهدي، قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان، مع عتبة بن فرقد، ((يا عتبة إنه ليس من كد أبيك، ولا من كد أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم، مما تشبع منه في رحلك، وإياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن لبس الحرير، قال: إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصبعيه: الوسطى والسبابة وضمهما)) (46) .
وروى أبو بكر الخلال بإسناده عن محمد بن سيرين، أن حذيفة بن اليمان أتى بيتاً، فرأى فيه حارستان: فيه أباريق الصفر والرصاص، فلم يدخله، وقال: ((من تشبه بقوم فهو منهم))، وفي لفظ آخر: ((فرأى شيئاً من زي العجم فخرج وقال: من تشبه بقوم فهو منهم)) (47) ، وقال علي بن أبي صالح السواق: كنا في وليمة، فجاء أحمد بن حنبل، فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة، فخرج فلحقه صاحب الدار، فنفض يده في وجهه وقال: زي المجوس ! زي المجوس !. وقال في رواية صالح: إذا كان في الدعوة مسكر، أو شيء من: آنية المجوس: الذهب والفضة، أو ستر الجدران بالثياب - خرج ولم يطعم.
ولو تتبعنا ما في هذا الباب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما دل عليه كتاب الله، لطال. (72)
وقد تقدم ما رواه البخاري في (صحيحه)، ((عن عمر بن الخطاب: أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: إياكم وزي أهل الشرك)).
وهذا نهي منه للمسلمين، عن كل ما كان من زي المشركين.
وقال الإمام أحمد في (المسند): حدثنا يزيد، حدثنا عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب أنه قال: ((اتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، والبسوا الخفاف، والسراويلات، وألقوا الركب، وانزوا نزوا، وعليكم بالمعدية، وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه، وقال: لا تلبسوا من الحرير، إلا ما كان هكذا، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه)) (48) .
وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان قال: جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه، ونحن بأذربيجان: يا عتبة بن فرقد، إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهانا عن لبوس الحرير وقال: إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصبعيه)) (49) ، وهذا ثابت على شرط الصحيحين.
وفيه: أن عمر رضي الله عنه أمر بالمعدية، وهي زي بني معد بن عدنان، وهم العرب، فالمعدية نسبة إلى معد ونهى عن زي العجم وزي المشركين، وهذا عام كما لا يخفى (73)

 



توقيع : الواثقة بالله
قال الشافعي - رحمه الله - :
من حفظ القرآن عظمت قيمته، ومن طلب الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في النحو رق طبعه، ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم.
جامع بيان العلم و فضله

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:48 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML