منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى السيرة النبوية وسيرة الإنبياء


 
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي بدور مخالفة
بدور غير متواجد حالياً
 
بدور
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 143
تاريخ التسجيل : Jun 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 277 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي ما في قصة الثلاثة الذين خلفوا من الفوائد للامام ابن القيم

كُتب : [ 12-17-2012 - 09:37 PM ]

ما في قصة الثلاثة الذين خلفوا من الفوائد للامام ابن القيم

قال الامام البخاري رحمه الله في صحيحه
4462 ـ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، اَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ـ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ ـ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قصة تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ اَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا اِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ اَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ اَحَدًا تَخَلَّفَ، عَنْهَا اِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الاِسْلاَمِ، وَمَا اُحِبُّ اَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَاِنْ كَانَتْ بَدْرٌ اَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي اَنِّي لَمْ اَكُنْ قَطُّ اَقْوَى وَلاَ اَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً اِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ اَمْرَهُمْ لِيَتَاَهَّبُوا اُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَاَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ ـ يُرِيدُ الدِّيوَانَ ـ قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ اَنْ يَتَغَيَّبَ اِلاَّ ظَنَّ اَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْىُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ اَغْدُو لِكَىْ اَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَاَرْجِعُ وَلَمْ اَقْضِ شَيْئًا، فَاَقُولُ فِي نَفْسِي اَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ‏.‏ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَاَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ اَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ اَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ اَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ اَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ اَنْ فَصَلُوا لاَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ اَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ اَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى اَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ اَنْ اَرْتَحِلَ فَاُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ اِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطُفْتُ فِيهِمْ، اَحْزَنَنِي اَنِّي لاَ اَرَى اِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ اَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ ‏"‏ مَا فَعَلَ كَعْبٌ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ‏.‏ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ اِلاَّ خَيْرًا‏.‏ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي اَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ اَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَاَقُولُ بِمَاذَا اَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَاْىٍ مِنْ اَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ اِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ اَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ اَنِّي لَنْ اَخْرُجَ مِنْهُ اَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَاَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَاَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَادِمًا، وَكَانَ اِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَاَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ اِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلاَنِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ اِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ ‏"‏ تَعَالَ ‏"‏‏.‏ فَجِئْتُ اَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي ‏"‏ مَا خَلَّفَكَ اَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ‏"‏‏.‏ فَقُلْتُ بَلَى، اِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ اَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَاَيْتُ اَنْ سَاَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ اُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ اَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ اِنِّي لاَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ اَقْوَى وَلاَ اَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ ‏"‏‏.‏ فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ اَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ اَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ اِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ اِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى اَرَدْتُ اَنْ اَرْجِعَ فَاُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي اَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ، رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ‏.‏ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلاَلُ بْنُ اُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ‏.‏ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا اِسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا اَيُّهَا الثلاثة مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الاَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي اَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَاَمَّا صَاحِبَاىَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَاَمَّا اَنَا فَكُنْتُ اَشَبَّ الْقَوْمِ وَاَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ اَخْرُجُ فَاَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَاَطُوفُ فِي الاَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي اَحَدٌ، وَاتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَاَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَىَّ اَمْ لاَ ثُمَّ اُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَاُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَاِذَا اَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي اَقْبَلَ اِلَىَّ، وَاِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ اَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى اِذَا طَالَ عَلَىَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ اَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَاَحَبُّ النَّاسِ اِلَىَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَىَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا اَبَا قَتَادَةَ، اَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي اُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ‏.‏ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اَعْلَمُ‏.‏ فَفَاضَتْ عَيْنَاىَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ فَبَيْنَا اَنَا اَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ اِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ اَنْبَاطِ اَهْلِ الشَّاْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى اِذَا جَاءَنِي دَفَعَ اِلَىَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَاِذَا فِيهِ اَمَّا بَعْدُ فَاِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي اَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ‏.‏ فَقُلْتُ لَمَّا قَرَاْتُهَا وَهَذَا اَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ‏.‏ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى اِذَا مَضَتْ اَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ اِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَاْتِينِي فَقَالَ اِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَاْمُرُكَ اَنْ تَعْتَزِلَ امْرَاَتَكَ فَقُلْتُ اُطَلِّقُهَا اَمْ مَاذَا اَفْعَلُ قَالَ لاَ بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا‏.‏ وَاَرْسَلَ اِلَى صَاحِبَىَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَاَتِي الْحَقِي بِاَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الاَمْرِ‏.‏ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتِ امْرَاَةُ هِلاَلِ بْنِ اُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اِنَّ هِلاَلَ بْنَ اُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ اَنْ اَخْدُمَهُ قَالَ ‏"‏ لاَ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ ‏"‏‏.‏ قَالَتْ اِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ اِلَى شَىْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ اَمْرِهِ مَا كَانَ اِلَى يَوْمِهِ هَذَا‏.‏ فَقَالَ لِي بَعْضُ اَهْلِي لَوِ اسْتَاْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَاَتِكَ كَمَا اَذِنَ لاِمْرَاَةِ هِلاَلِ بْنِ اُمَيَّةَ اَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ اَسْتَاْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اِذَا اسْتَاْذَنْتُهُ فِيهَا وَاَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَاَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا اَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَىَّ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ اَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِاَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، اَبْشِرْ‏.‏ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ اَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَاذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ اِلَىَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ اَسْلَمَ فَاَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ اَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَىَّ، فَكَسَوْتُهُ اِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا اَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ اِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ‏.‏ قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَاِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ اِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ اِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ اَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ ‏"‏ اَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ اُمُّكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ قُلْتُ اَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ ‏"‏ لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ‏"‏‏.‏ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَاَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اِنَّ مِنْ تَوْبَتِي اَنْ اَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً اِلَى اللَّهِ وَاِلَى رَسُولِ اللَّهِ‏.‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ‏"‏‏.‏ قُلْتُ فَاِنِّي اُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اِنَّ اللَّهَ اِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَاِنَّ مِنْ تَوْبَتِي اَنْ لاَ اُحَدِّثَ اِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا اَعْلَمُ اَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَحْسَنَ مِمَّا اَبْلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَاِنِّي لاَرْجُو اَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَاَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ‏{‏لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ‏}‏ اِلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏ فَوَاللَّهِ مَا اَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ اَنْ هَدَانِي لِلاِسْلاَمِ اَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَنْ لاَ اَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَاَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَاِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ اَنْزَلَ الْوَحْىَ شَرَّ مَا قَالَ لاَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ اِذَا انْقَلَبْتُمْ‏}‏ اِلَى قَوْلِهِ ‏{‏فَاِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏‏.‏ قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا اَيُّهَا ُالثلاثة عَنْ اَمْرِ اُولَئِكَ االذينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَاَرْجَاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَعَلَى الثلاثة الذين خلفوا }‏ وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ اِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ اِيَّانَا وَاِرْجَاؤُهُ اَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ اِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ‏.‏
قال الامام ابن القيم رحمه الله :
ومنها : ما اشتملت عليه قصة الثلاثة الذين خلفوا من الحكم والفوائد الجمة فنشير إلى بعضها :
[ جواز إخبار الرجل عن تفريطه ]
فمنها : جواز إخبار الرجل عن تفريطه وتقصيره في طاعة الله ورسوله وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره وفي ذلك من التحذير والنصيحة وبيان طرق الخير والشر وما يترتب عليها ما هو من أهم الأمور .
[ جواز مدح الرجل نفسه ]
ومنها : جواز مدح الإنسان نفسه بما فيه من الخير إذا لم يكن على سبيل الفخر والترفع .
ومنها : تسلية الإنسان نفسه عما لم يقدر له من الخير بما قدر له من نظيره أو خير منه .
[ بيعة العقبة من أفضل مشاهد الصحابة ]
ومنها : أن بيعة العقبة كانت من أفضل مشاهد الصحابة حتى إن كعبا كان لا يراها دون مشهد بدر .
[ لم يكن ديوان للجيش ]
ومنها : أن الإمام إذا رأى المصلحة في أن يستر عن رعيته بعض ما يهم به ويقصده من العدو ويوري به عنه استحب له ذلك أو يتعين بحسب المصلحة .
[ المبادرة إلى انتهاز فرصة الطاعة ]
ومنها : أن الستر والكتمان إذا تضمن مفسدة لم يجز .
ومنها : أن الجيش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم ديوان وأول من دون الديوان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا من سنته التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعها وظهرت مصلحتها وحاجة المسلمين إليها .
ومنها : أن الرجل إذا حضرت له فرصة القربة والطاعة فالحزم كل الحزم في انتهازها والمبادرة إليها والعجز في تأخيرها والتسويف بها ولا سيما إذا لم يثق بقدرته وتمكنه من أسباب تحصيلها فإن العزائم والهمم سريعة الانتقاض قلما ثبتت والله سبحانه يعاقب من فتح له بابا من الخير فلم ينتهزه بأن يحول بين قلبه وإرادته فلا يمكنه بعد من إرادته عقوبة له فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه حال بينه وبين قلبه وإرادته فلا يمكنه الاستجابة بعد ذلك . قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه [ الأنفال 24 ] وقد صرح الله سبحانه بهذا في قوله ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة [ الأنعام 110 ] وقال تعالى : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ الصف 5 ] . وقال وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم [ التوبة 115 ] وهو كثير في القرآن .
[ لم يكن يتخلف عنه صلى الله عليه وسلم إلا منافق أو معذور
أو من خلفه النبي صلى الله عليه وسلم ]
ومنها : أنه لم يكن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أحد رجال ثلاثة إما مغموص عليه في النفاق أو رجل من أهل الأعذار أو من خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمله على المدينة أو خلفه لمصلحة .
ومنها : أن الإمام والمطاع لا ينبغي له أن يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور بل يذكره ليراجع الطاعة ويتوب فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال بتبوك : ما فعل كعب ؟ ولم يذكر سواه من المخلفين استصلاحا له ومراعاة وإهمالا للقوم المنافقين .
[ تذكير الإمام والمطاع المتخلفين بالتوبة ]
ومنها : جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية أو ذبا عن الله ورسوله ومن هذا طعن أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة ومن هذا طعن ورثة الأنبياء وأهل السنة في أهل الأهواء والبدع لله لا لحظوظهم وأغراضهم .
[ جواز الطعن اجتهادا ]
ومنها : جواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد أنه وهم وغلط كما قال معاذ للذي طعن في كعب بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على واحد منهما .
ومنها : أن السنة للقادم من السفر أن يدخل البلد على وضوء وأن يبدأ ببيت الله قبل بيته فيصلي فيه ركعتين ثم يجلس للمسلمين عليه ثم ينصرف إلى أهله .
[ الحكم بالظاهر ]
ومنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل علانية من أظهر الإسلام من المنافقين ويكل سريرته إلى الله ويجري عليه حكم الظاهر ولا يعاقبه بما لم يعلم من سره .
[ ترك رد السلام على من أحدث حدثا ]
ومنها : ترك الإمام والحاكم رد السلام على من أحدث حدثا تأديبا له وزجرا لغيره فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينقل أنه رد على كعب بل قابل سلامه بتبسم المغضب .
[ تبسم الغضب ]
ومنها : أن التبسم قد يكون عن الغضب كما يكون عن التعجب والسرور فإن كلا منهما يوجب انبساط دم القلب وثورانه ولهذا تظهر حمرة الوجه لسرعة ثوران الدم فيه فينشأ عن ذلك السرور والغضب تعجب يتبعه ضحك وتبسم فلا يغتر المغتر بضحك القادر عليه في وجهه ولا سيما عند المعتبة كما قيل
إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنن أن الليث مبتسم>
[ جواز معاتبة الإمام والمطاع أصحابه ]
ومنها : معاتبة الإمام والمطاع أصحابه ومن يعز عليه ويكرم عليه فإنه عاتب الثلاثة دون سائر من تخلف عنه وقد أكثر الناس من مدح عتاب الأحبة واستلذاذه والسرور به فكيف بعتاب أحب الخلق على الإطلاق إلى المعتوب عليه ولله ما كان أحلى ذلك العتاب وما أعظم ثمرته وأجل فائدته ولله ما نال به الثلاثة من أنواع المسرات وحلاوة الرضى وخلع القبول .
[ توفيق الله لكعب وصاحبيه ]
ومنها : توفيق الله لكعب وصاحبيه فيما جاءوا به من الصدق ولم يخذلهم حتى كذبوا واعتذروا بغير الحق فصلحت عاجلتهم وفسدت عاقبتهم كل الفساد والصادقون تعبوا في العاجلة بعض التعب فأعقبهم صلاح العاقبة والفلاح كل الفلاح وعلى هذا قامت الدنيا والآخرة فمرارات المبادي حلاوات في العواقب وحلاوات المبادي مرارات في العواقب . وقول النبي صلى الله عليه وسلم لكعب أما هذا فقد صدق دليل ظاهر في التمسك بمفهوم اللقب عند قيام قرينة تقتضي تخصيص المذكور بالحكم كقوله تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان [ الأنبياء 78 و 79 ] وقوله صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا ) وقوله في هذا الحديث ( أما هذا فقد صدق ) وهذا مما لا يشك السامع أن المتكلم قصد تخصيصه بالحكم .
[ ينبغي للرجل أن يرد حر المصيبة بروح التأسي بمن لقي مثل ما لقي ]
[ وهم الزهري في جعله صاحبي كعب ممن شهد بدرا ولم يغلط إلا في هذا الموضع ]
وقول كعب : هل لقي هذا معي أحد ؟ فقالوا : نعم مرارة بن الربيع وهلال بن أمية فيه أن الرجل ينبغي له أن يرد حر المصيبة بروح التأسي بمن لقي مثل ما لقي وقد أرشد سبحانه إلى ذلك بقوله تعالى : ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون [ النساء 104 ] وهذا هو الروح الذي منعه الله سبحانه أهل النار فيها بقوله ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ الزخرف 39 ] . وقوله " فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة " هذا الموضع مما عد من أوهام الزهري فإنه لا يحفظ عن أحد من أهل المغازي والسير البتة ذكر هذين الرجلين في أهل بدر لا ابن إسحاق ولا موسى بن عقبة ولا الأموي ولا الواقدي ولا أحد ممن عد أهل بدر
فصل [ نهيه صلى الله عليه وسلم عن كلام هؤلاء الثلاثة لتأديبهم دليل على صدقهم ]
وفي نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام هؤلاء الثلاثة من بين سائر من تخلف عنه دليل على صدقهم وكذب الباقين فأراد هجر الصادقين وتأديبهم على هذا الذنب وأما المنافقون فجرمهم أعظم من أن يقابل بالهجر فدواء هذا المرض لا يعمل في مرض النفاق ولا فائدة فيه وهكذا يفعل الرب سبحانه بعباده في عقوبات جرائمهم فيؤدب عبده المؤمن الذي يحبه وهو كريم عنده بأدنى زلة وهفوة فلا يزال مستيقظا حذرا وأما من سقط من عينه وهان عليه فإنه يخلي بينه وبين معاصيه وكلما أحدث ذنبا أحدث له نعمة والمغرور يظن أن ذلك من كرامته عليه ولا يعلم أن ذلك عين الإهانة وأنه يريد به العذاب الشديد والعقوبة التي لا عاقبة معها كما في الحديث المشهور إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا وإذا أراد بعبد شرا أمسك عنه عقوبته في الدنيا فيرد يوم القيامة بذنوبه
[ جواز الهجر للتأديب ]
وفيه دليل أيضا على هجران الإمام والعالم والمطاع لمن فعل ما يستوجب العتب ويكون هجرانه دواء له بحيث لا يضعف عن حصول الشفاء به ولا يزيد في الكمية والكيفية عليه فيهلكه إذ المراد تأديبه لا إتلافه .
[ التنكر والوحشة دليل على حياة القلب ]
وقوله حتى تنكرت لي الأرض فما هي بالتي أعرف هذا التنكر يجده الخائف والحزين والمهموم في الأرض وفي الشجر والنبات حتى يجده فيمن لا يعلم حاله من الناس ويجده أيضا المذنب العاصي بحسب جرمه حتى في خلق زوجته وولده وخادمه ودابته ويجده في نفسه أيضا فتتنكر له نفسه حتى ما كأنه هو ولا كأن أهله وأصحابه ومن يشفق عليه بالذين يعرفهم وهذا سر من الله لا يخفى إلا على من هو ميت القلب وعلى حسب حياة القلب يكون إدراك هذا التنكر والوحشة .
وما لجرح بميت إيلام
ومن المعلوم أن هذا التنكر والوحشة كانا لأهل النفاق أعظم ولكن لموت قلوبهم لم يكونوا يشعرون به وهكذا القلب إذا استحكم مرضه واشتد ألمه بالذنوب والإجرام لم يجد هذه الوحشة والتنكر ولم يحس بها وهذه علامة الشقاوة وأنه قد أيس من عافية هذا المرض وأعيا الأطباء شفاؤه والخوف والهم مع الريبة والأمن والسرور مع البراءة من الذنب .
فما في الأرض أشجع من بريء

ولا في الأرض أخوف من مريب
وهذا القدر قد ينتفع به المؤمن البصير إذا ابتلي به ثم راجع فإنه ينتفع به نفعا عظيما من وجوه عديدة تفوت الحصر ولو لم يكن منها إلا استثماره من ذلك أعلام النبوة وذوقه نفس ما أخبر به الرسول فيصير تصديقه ضروريا عنده ويصير ما ناله من الشر بمعاصيه ومن الخير بطاعاته من أدلة صدق النبوة الذوقية التي لا تتطرق إليها الاحتمالات وهذا كمن أخبرك أن في هذه الطريق من المعاطب والمخاوف كيت وكيت على التفصيل فخالفته وسلكتها فرأيت عين ما أخبرك به فإنك تشهد صدقه في نفس خلافك له وأما إذا سلكت طريق الأمن وحدها ولم تجد من تلك المخاوف شيئا فإنه وإن شهد صدق المخبر بما ناله من الخير والظفر مفصلا فإن علمه بتلك يكون مجملا .
فصل [ علة تخلف صديقي كعب عن صلاة الجماعة ]
ومنها : أن هلال بن أمية ومرارة قعدا في بيوتهما وكانا يصليان في بيوتهما ولا يحضران الجماعة وهذا يدل على أن هجران المسلمين للرجل عذر يبيح له التخلف عن الجماعة أو يقال من تمام هجرانه أن لا يحضر جماعة المسلمين لكن يقال فكعب كان يحضر الجماعة ولم يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا عتب عليهما على التخلف وعلى هذا فيقال لما أمر المسلمون بهجرهم تركوا : لم يؤمروا ولم ينهوا ولم يكلموا فكان من حضر منهم الجماعة لم يمنع ومن تركها لم يكلم أو يقال لعلهما ضعفا وعجزا عن الخروج ولهذا قال كعب وكنت أنا أجلد القوم وأشبهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين .
[ رد السلام على من يستحق الهجر غير واجب ]
وقوله وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ فيه دليل على أن الرد على من يستحق الهجر غير واجب إذ لو وجب الرد لم يكن بد من إسماعه .
[ دخول دار الصاحب من غير إذن ]
وقوله حتى إذا طال ذلك علي تسورت جدار حائط أبي قتادة فيه دليل على دخول الإنسان دار صاحبه وجاره إذا علم رضاه بذلك وإن لم يستأذنه .
[ قول الله ورسوله أعلم ليس بخطاب ]
وفي قول أبي قتادة له الله ورسوله أعلم دليل على أن هذا ليس بخطاب ولا كلام له فلو حلف لا يكلمه فقال مثل هذا الكلام جوابا له لم يحنث ولا سيما إذا لم ينو به مكالمته وهو الظاهر من حال أبي قتادة .
[ إشارة الناس إلى النبطي على كعب دون نطقهم تحقيق لمقصود الهجران ]
وفي إشارة الناس إلى النبطي الذي كان يقول من يدل على كعب بن مالك دون نطقهم له تحقيق لمقصود الهجر وإلا فلو قالوا له صريحا : ذاك كعب بن مالك لم يكن ذلك كلاما له فلا يكونون به مخالفين للنهي ولكن لفرط تحريهم وتمسكهم بالأمر لم يذكروه له بصريح اسمه . وقد يقال إن في الحديث عنه بحضرته وهو يسمع نوع مكالمة له ولا سيما إذا جعل ذلك ذريعة إلى المقصود بكلامه وهي ذريعة قريبة فالمنع من ذلك من باب منع الحيل وسد الذرائع وهذا أفقه وأحسن .
[ ابتلاء الله لكعب بمكاتبة ملك غسان له ]
وفي مكاتبة ملك غسان له بالمصير إليه ابتلاء من الله تعالى وامتحان لإيمانه ومحبته لله ورسوله وإظهار للصحابة أنه ليس ممن ضعف إيمانه بهجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين له ولا هو ممن تحمله الرغبة في الجاه والملك مع هجران الرسول والمؤمنين له على مفارقة دينه فهذا فيه من تبرئة الله له من النفاق وإظهار قوة إيمانه وصدقه لرسوله وللمسلمين ما هو من تمام نعمة الله عليه ولطفه به وجبره لكسره وهذا البلاء يظهر لب الرجل وسره وما ينطوي عليه فهو كالكير الذي يخرج الخبيث من الطيب .
[ إتلاف ما يخشى منه المضرة في الدين ]
وقوله فتيممت بالصحيفة التنور فيه المبادرة إلى إتلاف ما يخشى منه الفساد والمضرة في الدين وأن الحازم لا ينتظر به ولا يؤخره وهذا كالعصير إذا تخمر وكالكتاب الذي يخشى منه الضرر والشر فالحزم المبادرة إلى إتلافه وإعدامه .
فصل [ أمره صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الثلاثة باعتزال نسائهم كالبشارة بمقدمات الفرج من حيث إرساله لهم بذلك والجد في العبادة باعتزال النساء ]
في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الثلاثة أن يعتزلوا نساءهم لما مضى لهم أربعون ليلة كالبشارة بمقدمات الفرج والفتح من وجهين
أحدهما : كلامه لهم وإرساله إليهم بعد أن كان لا يكلمهم بنفسه ولا برسوله .

الثاني : من خصوصية أمرهم باعتزال النساء وفيه تنبيه وإرشاد لهم إلى الجد والاجتهاد في العبادة وشد المئزر واعتزال محل اللهو واللذة والتعوض عنه بالإقبال على العبادة وفي هذا إيذان بقرب الفرج وأنه قد بقي من العتب أمر يسير .
وفقه هذه القصة أن زمن العبادات ينبغي فيه تجنب النساء كزمن الإحرام وزمن الاعتكاف وزمن الصيام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر هذه المدة في حق هؤلاء بمنزلة أيام الإحرام والصيام في توفرها على العبادة ولم يأمرهم بذلك من أول المدة رحمة بهم وشفقة عليهم إذ لعلهم يضعف صبرهم عن نسائهم في جميعها فكان من اللطف بهم والرحمة أن أمروا بذلك في آخر المدة كما يؤمر به الحاج من حين يحرم لا من حين يعزم على الحج .
[ لفظ الطلاق والعتاق لا يقع إذا لم يرده ]
وقول كعب لامرأته الحقي بأهلك دليل على أنه لم يقع بهذه اللفظة وأمثالها طلاق ما لم ينوه . والصحيح إن لفظ الطلاق والعتاق والحرية كذلك إذا أراد به غير تسييب الزوجة وإخراج الرقيق عن ملكه لا يقع به طلاق ولا عتاق هذا هو الصواب الذي ندين الله به ولا نرتاب فيه البتة . فإذا قيل له إن غلامك فاجر أو جاريتك تزني فقال ليس كذلك بل هو غلام عفيف حر وجارية عفيفة حرة ولم يرد بذلك حرية العتق وإنما أراد حرية العفة فإن جاريته وعبده لا يعتقان بهذا أبدا

 



توقيع : بدور
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:18 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML