منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى التوحيد والعقيدة


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي أ/أحمد مخالفة
أ/أحمد غير متواجد حالياً
 
أ/أحمد
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 121
تاريخ التسجيل : Apr 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 1,285 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي كلام شيخ الإسلام في الاحتفال بأعياد الكفار

كُتب : [ 01-01-2013 - 12:41 PM ]

قال شيخ الإسلام رحمه الله

فصل في الأعياد


إذا تقرر هذا الأصل في مشابهتهم فنقول:

موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:


الطريق الأول: هو ما تقدم من أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا، ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم، وفي تركه مصلحة مخالفتهم، حتى لو كان موافقتهم في ذلك أمراً اتفاقياً، ليس مأخوذاً عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم، لما في مخالفتهم من المصلحة - كما تقدمت الإشارةإليه - فمن وافقهم فوت على نفسه هذه المصلحة، وإن لم يكن قد أتى بمفسده، فكيف إذا جمعهما؟.


ومن جهة أنه من البدع المحدثة، وهذه الطريق لا ريب أنها تدل على كراهة التشبه بهم في ذلك، فإن أقل أحوال التشبه بهم: أن يكون مكروهاً، وكذلك أقل أحوال البدع: أن تكون مكروهة، ويدل كثير منها على تحريم التشبه بهم في العيد، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " فإن موجب هذا: تحريم التشبه بهم مطلقاً.


وكذلك قوله: " خالفوا المشركين " ونحو ذلك، ومثل ما ذكرنا من دلالة الكتاب والسنة على تحريم سبيل المغضوب عليهم والضالين، وأعيادهم من





ص -479- سبيلهم، إلى غير ذلك من الدلائل.


فمن انعطف على ما تقدم من الدلائل العامة: نصاً وإجماعاً وقياساً، تبين له دخول هذه المسألة، في كثير مما تقدم من الدلائل، وتبين له أن هذا من جنس أعمالهم، التي هي دينهم، أو شعار دينهم الباطل، وأن هذا محرم كله بخلاف ما لم يكن من خصائص دينهم، ولا شعاراً له، مثل نزع النعلين في الصلاة فإنه جائز، كما أن لبسهما جائز، وتبين له أيضاً: الفرق بين ما بقينا فيه على عادتنا،لم تحدث شيئاً نكون به موافقين لهم فيه، وبين أن نحدث أعمالاً أصلها مأخوذ عنهم، قصدنا موافقتهم، أو لم نقصد.


الطريق الثاني: النهي عن ذلك في الكتاب والسنة والإجماع والإعتبار، من القرآن قوله تعالى: والذين لا يشهدون الزور ووجه الاستدلال بها وما ورد عن السلف في ذلك


وأما الطريق الثاني - الخاص - في نفس أعياد الكفار: فالكتاب والسنة والإجماع والإعتبار. أما الكتاب: فمما تأوله غير واحد من التابعين وغيرهم، في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}، فروى أبو بكر الخلال في الجامع بإسناده، عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: هو الشعانين.



ص -480- وكذلك ذكر عن مجاهد قال: هو أعياد المشركين وكذلك عن الربيع بن أنس قال: أعياد المشركين.
وفي معنى هذا: ما روي عن عكرمة قال: لعب كان لهم في الجاهلية وقال القاضي أبو يعلى: مسألة: في النهي عن حضور أعياد المشركين.
روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة، عن الضحاك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}





ص -481- قال: عيد المشركين.
وبإسناده عن أبي سنان، عن الضحاك، والذين لا يشهدون الزور، كلام الشرك وبإسناده عن جويبر عن الضحاك: والذين لا يشهدون الزور: قال: أعياد المشركين، وروى بإسناده، عن عمرو بن مرة: لا يشهدون الزور، لا يمالؤن أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم.


وبإسناده عن عطاء بن يسار قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.


وقول هؤلاء التابعين: إنه أعياد الكفار ليس مخالفاً لقول بعضهم: إنه الشرك أو صنم كان في الجاهلية، ولقول بعضهم: إنه مجالس الحنا، وقول بعضهم: إنه الغناء، لأن عادة السلف في تفسيرها هكذا، يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه، أو لينبه به على الجنس، كما لو قال العجمي: ما الخبر؟ فيعطى رغيفاً ويقال له: هذا، بالإشارة إلى الجنس، لا إلى عين الرغيف.



ص -482- ولكن قد قال قوم: إن المراد: شهادة الزور التي هي الكذب، وهذا فيه نظر، فإنه تعالى قال: {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} ولم يقل: لا يشهدون بالزور.


والعرب تقول: شهدت كذا: إذا حضرته، كقول ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقول عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة وهذا كثير في كلامهم، وأما شهدت بكذا - فمعناه: أخبرت به.


ووجه تفسير التابعين المذكورين: أن الزور هو المحسن المموه، حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور "، لما كان يظهر مما يعظم به مما ليس عنده، فالشاهد بالزور يظهر كلاماً يخالف الباطن، ولهذا فسره السلف تارة بما يظهر حسنه لشبهة، أو لشهوة، وهو قبيح في الباطن، فالشرك ونحوه: يظهر حسنه للشبهة، والغناء ونحوه: يظهر حسنة للشهوة.



ص -483- وأما أعياد المشركين: فجمعت الشبهة والشهوة: وهي باطل: إذ لا منفعة فيها في الدين، وما فيها من اللذة العاجلة: فعاقبتها إلى ألم، فصارت زوراً، وحضورها شهودها، وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها، الذي هو مجرد الحضور، برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك، من العمل الذي هو عمل الزور، لا مجرد شهوده؟.


ثم مجرد هذه الآية، فيها الحمد لهؤلاء والثناء عليهم، وذلك وحده يفيد الترغيب في ترك شهود أعيادهم، وغيرها من الزور، ويقتضي الندب إلى ترك حضورها، وقد يفيد كراهة حضورها لتسمية الله لها زوراً.


فأما تحريم شهودها من هذه الآية ففيه نظر، ودلالتها على تحريم فعلها أوجه، لأن الله تعالى سماها زوراً، وقد ذم من يقول الزور، وإن لم يضر غيره لقوله في المتظاهرين: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} وقال تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، ففاعل الزور كذلك.


وقد يقال: قول الزور أبلغ من فعله، ولأنهم إذا مدحهم على مجرد تركهم شهوده، دل على أن فعله مذموم عنده معيب، إذ لو كان فعله جائزاً والأفضل تركه: لم يكن في مجرد شهوده أو ترك شهوده كبير مدح، إذ شهود المباحات التي لا منفعة فيها، وعدم شهودها قليل التأثير.



ص -484- وقد يقال: هذا مبالغة في محدخهم، إذ كانوا لا يحضرون مجالس البطالة، وإن كانوا لا يفعلون الباطل، ولأن الله تعالى قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً}. فجعل هؤلاء المنعوتين هم عباد الرحمن، وعبودية الرحمن واجبة، فتكون هذه الصفات واجبة، وفيه نظر - إذ قد يقال: في هذه الصفات ما لا يجب، ولأن المنعوتين هم المستحقون لهذا الوصف، على وجه الحيقيقة والكمال كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.


وقال صلى الله عليه وسلم: " ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان...". وقال: " ما تعدون المفلس فيكم "، " ما تعدون





ص -485- الرقوب " ونظائره كثيرة، فسواء كانت الآية دالة على تحريم ذلك، أو على كراهته أو استحباب تركه: حصل أصل المقصود، إذ من المقصود: بيان استحباب ترك موافقتهم أيضاً، فإن بعض الناس قد يظن استحباب فعل ما فيه موافقة لهم، لما فيه من التوسيع على العيال، أو من إقرار الناس على اكتسابهم، ومصالح دنياهم، فإذا علم استحباب ترك ذلك: كان أول المقصود.
وأما السنة: فحديث أنس: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، ووجه الاستدلال منه: الوجه الأول من الاستدلال بالسنة


وأما السنة: فـ" روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه أبو داود بهذا اللفظ.



ص -486- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن حميد، عن أنس ورواه أحمد و النسائي، وهذا إسناد على شرط مسلم.



فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: " إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين "، والإبدال من الشيء، يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك إجتماعهما، كقوله سبحانه: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} وقوله: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ}. وقوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}.





ص -487- وقوله: {لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}.


ومنه الحديث في المقبور: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به خيراً منه مقعداً في الجنة، ويقال للآخر: انظر إلى مقعدك من الجنة، أبدلك الله به مقعداً من النار.



وقول عمر رضي الله عنه للبيد: ما فعل شعرك؟ قال: أبدلني الله به البقرة وآل عمران. وهذا كثير في الكلام.


فقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما " يقتضي ترك الجمع بينهما لا سيما وقوله: " خيراً منهما " يقتضي الأعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية.



ص -488- وأيضاً - فقوله لهم: " إن الله قد أبدلكم "، لما سألهم عن اليومين فأجابوه: بأنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية، دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضاً بيومي الإسلام، إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسباً، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه، ولم يكونوا ليتزكوه لأجل يومي الجاهلية.


وفي قول أنس: ولهم يومان يلعبون فيهما وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيراً منهما " دليل على أن أنساً رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " أبدلكم بهما " تعويضاً باليومين المبدلين.


وأيضاً - فإن ذينك اليومين الجاهلين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد خلفائه ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما، ونحوه مما كانوا يفعلونه لكانوا قد بقوا على العادة، إذ العادات لا تغير إلا بمغير يزيلها، ولا سيما وطباع النساء والصبيان، وكثير من الناس متشوفة إلى اليوم الذي يتخذونه عيداً للبطالة واللعب، ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم، لقوة مقتضيها من نفوسهم، وتوفر همم الجماهير على اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، ولو على وجه ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتاً، وكل ما منع النبي منعاً قوياً كان محرماً إذ لا يعني بالمحرم إلا هذا.



ص -489- وهذا أمر بين لا شبهة فيه، فإن مثل ذينك العيدين، لو عاد الناس إليهما بنوع مما كان يفعل فيهما - إن رخص فيه - كان مراغمة بينه وبين ما نهى عنه، فهو المطلوب.


والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة قد حذروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً، ولو لم يكن أشد منه، فإنه مثله على ما لا يخفى، إذ الشر الذي له فاعل موجود، يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له قوي.


حديث ثابت بن الضحاك: فهل كان فيها عيد من أعيادهم، أي المشركين
الحديث الثاني: ما رواه أبو داود، حدثنا داود بن رشيد حدثنا شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني





ص -490- أبو قلابة، حدثني ثابت بن الضحاك قال: " نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم "، أصل هذا الحديث في الصحيحين، وهذا الإسناد على شرط الصحيحين، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة.



ص -491- وبوانة، بضم الباء الموحدة من أسفل، فيه يقول وضاح اليمن:
أيا نختلي وادي بوانة، حبذا إذ نام حراس النخيل - جناكما
وسيأتي وجه الدلالة منه.


حديث ميمونة بنت كردم: هل بها وثن أو عيد من أعياد الجاهلية، ووجه الاستدلال منهما: الوجه الثاني من الاستدلال بالسنة


وقال أبو داود في سننه، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي - من أهل الطائف - " حدثتني سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت





ص -492- كردم، قالت: خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت الناس يقولون: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أبده بصري، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له معه درة كدرة الكتاب، فسمعت الأعراب، والناس يقولون: الطبطبية الطبطبية فدنا إليه أبي، فأخذنا بقدمه، قالت: فأقر له، ووقف، فاستمع منه، فقال: "يا رسول الله، إني نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنخر على رأس بوانة، في عقبة من الثنايا، عدة من الغنم، قال: لا أعلم إلا أنها قالت: خمسين"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل بها من هذه الأوثان شيء؟، قال: لا، قال: فأوف





ص -493- بما نذرت به الله"، قال: فجمعها فجعل يذبحها، فانفلتت منه شاة، فطلبها وهو يقول: اللهم أوف بنذري، فظفر بها فذبحها ".



قال أبو داود، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمرو بن شعيب، عن ميمونة بنت كردم بن سفيان، عن أبيها.. نحوه مختصراً شيء منه، قال: " هل بها





ص -494- وثن أو عيد من أعياد الجاهلية؟ قال: لا. قال: قلت: إن أمي هذه عليها نذر مشي، أفأقضيه عنها؟ وربما قال ابن بشار: أتقضيه عنها؟ قال: نعم ".



وقال: حدثنا مسدد، حدثنا الحارث بن عبيد - أبو قدامة عن عبيد الله الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك





ص -495- بالدف، قال: أوفي بنذرك قالت: إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا - مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية، قال: لصنم؟ قالت: لا. قال: لوثن؟، قال: لا، قال: أوفي بنذرك ".


فوجه الدلالة: ان هذا الناذر كان قد نذر أن يذبح نعما: إما إبلا، وإما غنما، وإما كانت قضيتين، بمكان سماه، " فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان بها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا، قال: فهل كان بها عيد من أعيادهم؟ قال: لا، فقال: أوف بنذرك، ثم قال: لا وفاء لنذر في معصية الله ".


وهذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ومحل أوثانهم - معصية لله، من وجوه:-
أحدهما: أن قوله: " فأوف بنذرك "، تعقيب للوصف بالحكم بحرف الفاء، وذلك يدل على أن الوصف هو سبب الحكم، فيكون سبب الأمر بالوفاء: وجود النذر خالياً من هذين الوصفين، فيكون الوصفان مانعين من الوفاء، ولو لم يكن معصية لجاز الوفاء به.



الثاني: أنه عقب ذلك بقوله: " لا وفاء لنذر في معصية الله " ولولا اندراج الصورة المسؤل عنها في هذا اللفظ العام، وإلا لم يكن في الكلام ارتباط، والمنذور في نفسه - وإن لم يكن معصية - لكن لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن الصورتين قال له: " فأوف بنذرك "، يعني: حيث ليس هناك ما يوجب تحريم الذبح هناك، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم فيه أمراً بالوفاء عند الخلو من هذا، ونهى عنه عند وجود هذا، وأصل الوفاء بالنذر معلوم فبين ما لا وفاء فيه.



ص -496- واللفظ العام إذا ورد على سبب: فلابد أن يكون السبب مندرجاً فيه.


الثالث: أنه لو كان الذبح في موضع العيد جائزاً لسوغ صلى الله عليه وسلم للناذر الوفاء به، كما سوغ لمن نذرت الضرب بالدف أن تضرب به، بل لأوجب الوفاء به، إذ كان الذبح بالمكان المنذور واجباً، وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهياً عنه، فكيف بالموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم؟.



يوضح ذلك: أن العيد اسم لما يعود من الأجتماع العام على وجه معتاد، عائد: إما بعود السنة، أما بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك.


مسمى العيد يجمع أموراً منها: يوم عائد، ومنها الإجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك
فالعيد: يجمع أموراً:


- منها: يوم عائد، كيوم الفطر، ويوم الجمعة.


- ومنها: إجتماع فيه.


- ومنها: أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً.



فالزمان كـقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة: "إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً ".
والإجتماع والأعمال: كقول ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.



ص -497- والمكان: كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتخذوا قبري عيداً ".



وقد يكون لفظ: العيد إسماً لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا "، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: " هل بها عيد من أعيادهم؟ "، يريد إجتماعاً معتاداً من إجتماعاتهم التي كانت عيداً، فلما قال: قال له: " أوف بنذرك "، وهذا يقتضي أن كون البقعة مكاناً لعيدهم مانع من الذبح بها - وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظم الكلام، ولا حسن الاستفصال.


ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها، أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك، إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل، أو زمانه.
فإن كان من أجل تخصيص البقعة - وهو الظاهر - فإنما نهى عن تخصيص البقعة لأجل كونها موضع عيدهم، ولهذا لما خلت من ذلك أأأذن في الذبح فيها، وقصد التخصيص باق، فعلم: أن المحذور تخصيص بقعة عيدهم، وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذوراً، فكيف نفس عيدهم؟، هذا كما أنه لما كرهها لكونها موضع شركهم بعبادة الأوثان - كان ذلك أدل على النهي عن الشرك وعبادة الأوثان.



ص -498- وإن كان النهي لأن في الذبح هناك موافقة لهم في عمل عيدهم: فهو عين مسألتنا: إذ مجرد الذبح هناك لم يكره على هذا التقدير إلا لموافقتهم في العيد، إذ ليس فيه محذور آخر، وإنما كان الإحتمال الأول أظهر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله إلا عن كونها مكان عيدهم، ولم يسأله: هل يذبح وقت عيدهم؟ ولأنه قال: " هل كان بها عيد من أعيادهم " فعلم أنه وقت السؤال لم يكن العيد موجوداً، وهذا ظاهر، فإن في الحديث الآخر: أن القصة كانت في حجة الوداع، وحينئذ لم يكن قد بقي عيد للمشركين.


فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيداً، بل يذبح فيه فقط: فقد ظهر أن ذلك سد للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لإحياء أمر تلك البقعة، وذريعة إلى إتخاذها عيداً، مع أن ذلك العيد إنما كان يكون - والله أعلم - سوقاً يتبايعون فيها، ويلعبون، كما قالت له الأنصار: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية. لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم ولهذا فرق صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثن، وكونها مكان عيد.
وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان.


أعياد الكفار كلها في الإسلام من جنس واحد


وأعياد الكفار: من الكتابيين والأميين، في دين الإسلام، من جنس واحد، كما أن كفر الطائفتين سواء في التحريم، وإن كان بعضه أشد تحريماً من بعض، ولا يختلف حكمهما في حق المسلم، لكن أهل الكتابين أقروا على دينهم،





ص -499- مع ما فيه من أعيادهم، بشرط: أن لا يظهروها، ولا شيئاً من دينهم، وأولئك لم يقروا، بل أعياد الكتابيين التي تتخذ دينا وعبادة - أعظم تحريماً من عيد يتخذ لهواً ولعباً، لأن التعبد بما يسخطه الله ويكرهه أعظم من اقتضاء الشهوات بما حرمه، ولهذا كان الشرك أعظم إثماً من الزنا، ولهذا كان جهاد أهل الكتاب أفضل من جهاد الوثنيين، وكان من قتلوه من المسلمين له أجر شهيدين.


وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان خشية أن يتدنس المسلم بشيء من أمر الكفار، الذين قد يئس الشيطان أن يقيم أمرهم في جزيرة العرب - فالخشية من تدنسه بأوضار الكتابيين الباقين أشد، والنهي عنه أوكد، كيف وقد تقدم الخبر الصادق بسلوك طائفة من هذه الأمة سبيلهم؟.


الوجه الثالث: وهو عودة إلى الإستدلال بالحديث السابق على تحريم أعياد الجاهلية
الوجه الثالث من السنة: أن هذا الحديث وغيره، قد دل على أنه كان للناس في الجاهلية أعياد يجتمعون فيها، ومعلوم أنه بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، محى الله ذلك عنه، فلم يبق شيء من ذلك.


ومعلوم أنه لولا نهيه ومنعه لما ترك الناس تلك الأعياد، لأن المقتضى لها قائم من جهة الطبيعة التي تحب ما يصنع في الأعياد، خصوصاً أعياد الباطل، من اللعب واللذات، ومن جهة العادة التي ألفت ما يعود من العيد، فإن العادة طبيعة ثانية، وإذا كان المقتضى قائماً قوياً، فلولا المانع القوي، لما درست تلك الأعياد.



ص -500- وهذا يوجب العلم اليقيني، بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعاً قوياً عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها، وطمسها بكل سبيل، وليس في إقرار أهل الكتاب على دينهم، إبقاء لشيء من أعيادهم في حق أمته، كما أنه ليس في ذلك إبقاء في حق أمته، لما هم عليه في سائر أعمالهم، من سائر كفرهم ومعاصيهم، بل قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات، وصفات الطاعات، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم.
فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم غاية - بأبي هو وأمي - وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



الوجه الرابع: الاستدلال بحديث عائشة: لكل عيد وهذا عيدنا، من ثلاثة وجوه


الوجه الرابع من السنة: ما خرجاه في الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي وأبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار، يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر رضي الله عنه أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك يوم عيد فقال



ص -501- رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا ".
وفي رواية: " يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وإن عيدنا هذا اليوم ". وفي الصحيحين أيضاً - أنه قال: " دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد "، وتلك الأيام أيام منى.


دلالته من ثلاثة وجوه


فالدلالة من وجوه:


أحدها قوله: " إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا "، فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أن الله سبحانه لما قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}، وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}. أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الأختصاص، فإذا كان لليهود عيد، وللنصارى عيد، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم.
وكذلك - أيضاً، على هذا: لا ندعهم يشركوننا في عيدنا.



ص -502- الثاني: قوله: " وهذا عيدنا "، فإنه يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيد سواه، وكذلك قوله: " وإن عيدنا هذا اليوم "، فإن التعريف باللام والإضافة يقتضي الإستغراق، فيقتضي أن يكون جنس عيدنا منحصراً في جنس ذلك اليوم، كما في قوله: " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ".


وليس غرضه صلى الله عليه وسلم الحصر في عين ذلك العيد، أو عين ذلك اليوم، بل الإشارة إلى جنس المشروع، كما تقول الفقهاء: باب صلاة العيد، وصلاة العيد كذا وكذا، ويندرج فيها صلاة العيدين، وكما يقال: لا يجوز صوم يوم العيد.



وكذا قوله: " وإن هذا اليوم ". أي: جنس هذا اليوم، كما يقول القائل لما يعاينه من الصلاة: هذه صلاة المسلمين، ويقول لمخرج الناس إلى الصحراء وما يفعلونه من التكبير والصلاة ونحو ذلك هذا عيد المسلمين ونحو ذلك.



ص -503- ومن هذا الباب: حديث عقبة عامر رضي الله عنه، عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه قال: " يوم عرفة ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب " رواه أبو داود و النسائي، و الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.



فإنه دليل مفارقتنا لغيرنا في العيد، والتخصيص بهذه الأيام الخمسة، لأنه يجتمع فيها العيدان: المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير، فلما كملت فيه صفات التعييد: حصر الحكم فيه لكماله، أو لأنه هو عد أياماً، وليس لنا عيد هو أيام إلا هذه الخمسة.


الوجه الثالث: أنه رخص في لعب الجواري بالدف، وتغنيهن، معللاً بأن لكل قوم عيداً، وأن هذا عيدنا، وذلك يقتضي: أن الرخصة معللة بكونه عيد المسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار، وأنه لا يرخص في اللعب في أعياد الكفار، كما يرخص فيه في أعياد المسلمين، إذ لو كان ما فعل في عيدنا من ذلك اللعب يسوغ مثله في أعياد الكفار أيضاً لما قال: " فإن لكل





ص -504- قوم عيداً وإن هذا عيدنا " لأن تعقيب الحكم بالوصف بحرف الفاء دليل على أنه علة، فيكون علة الرخصة: أن كل أمة مختصة بعيد، وهذا عيدنا، وهذه العلة مختصة بالمسلمين، فلو كانت الرخصة معلقة باسم "عيد" لكان الأعم مستقلاً بالحكم فيكون الأخص عديم التأثير، فلما علل بالأخص علم أن الحكم لا يثبت بالوصف الأعم وهو مسمى: عيد، فلا يجوز لنا أن نفعل في كل عيد للناس من اللعب ما نفعل في عيد المسلمين، وهذا هو المطلوب، وهذا فيه دلالة على النهي عن التشبه بهم في اللعب ونحوه.


الوجه الخامس: أن أهل الكتاب موجودون في صدر الإسلام في أرض العرب ولهم أعياد ولم يشركهم المسلمون في ذلك


الوجه الخامس من السنة: أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصارى، حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته، وكان اليهود بالمدينة كثيراً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكن قد هادنهم حتى نقضوا العهد، طائفة بعد طائفة، وما زال بالمدينة يهود، وإن لم يكونوا كثيراً، فإنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عد يهودي، وكان في اليمن يهود كثير، والنصارى بنجران وغيرها، والفرس بالبحرين، ومن المعلوم: أن هؤلاء كانت لهم أعياد يتخذونها، ومن المعلوم - أيضاً - أن المقتضى لما يفعل في العيد: من الأكل والشرب، واللباس والزينة، واللعب والراحة، ونحو ذلك - قائم في النفوس كلها إذا





ص -505- لم يوجد مانع، خصوصاً في نفوس الصبيان والنساء، وأكثر الفارغين من الناس.
ثم من كانت له خبرة بالسيرة، علم يقيناً أن المسلمين على عهده صلى الله عليه وسلم ما كانوا يشركونهم في شيء من أمرهم، ولا يغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، بل ذلك اليوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر المسلمين يوم من الأيام لا يخصونه بشيء أصلاً إلا ما قد اختلف فيه من مخالفتهم فيه، كصومه، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.



فلولا أن المسلمين كان دينهم الذي تلقوه عن نبيهم منع من ذلك وكف عنه، لوجب أن يوجد من بعضهم فعل بعض ذلك، لأن المقتضى إلى ذلك قائم، كما تدل عليه الطبيعة والعادة، فلولا المانع الشرعي لوجد مقتضاه، ثم على هذا جرى عمل المسلمين، على عهد الخلفاء الراشدين.
غاية ما كان يوجد من بعض الناس: ذهاب إليهم يوم العيد للتنزه بالنظر إلى عيدهم، ونحو ذلك، فنهى عمر رضي الله عنه، وغيره من الصحابة، عن ذلك كما سندكره، فكيف لو كان بعض الناس يفعل ما يفعلونه، أو ما هو بسبب عيدهم؟ بل، لما ظهر من بعض المسلمين اختصاص يوم عيدهم بصوم، مخالفة لهم نهاه الفقهاء، أو كثير منهم، عن ذلك، لأجل ما فيه من تعظيم ما لعيدهم، أفلا يستدل بهذا على أن المسلمين تلقوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم المنع عن مشاركتهم في أعيادهم؟ وهذا التأمل بين جداً.



ص -506- الوجه السادس: أن الله خص المسلمين بيوم الجمعة عيداً للأسبوع
الوجه السادس من السنة:


" ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غداً والنصارى بعد غد ". متفق عيه.


وفي لفظ صحيح: " بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له ". وعن أبي هريرة، وحذيفة رضي الله عنهما قالا: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم - وفي رواية - بينهم قبل الخلائق ". رواه مسلم.



وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة: عيداً في غير موضع ونهى عن إفراده بالصوم لما فيه من معنى العيد.



ص -507- ثم إنه في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا، كما أن السبت لليهود، والأحد للنصارى، واللام تقتضي الاختصاص، ثم هذا الكلام: يقتضي الإقتسام إذا قيل: هذه ثلاثة أثواب، أو ثلاثة غلمان: هذا لي، وهذا لزيد، وهذا لعمرو، أوجب ذلك أن يكون كل واحد مختصاً بما جعل له، ولا يشركه فيه غيره، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت، أو عيد يوم الأحد، خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي، فكذلك في العيد الحولي، إذ لا فرق، بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي، أو الفارسي أو العبري، ونحو ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم: " بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله "، أي: من أجل. كما يرى أنه قال: " أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد بن بكر ".
والمعنى والله أعلم: أي نحن الآخرون في الخلق، السابقون في





ص -508- الحساب والدخول إلى الجنة، كما قد جاء في الصحيح: أن هذه الأمة أول من يدخل الجنة من الأمم، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم أول من يفتح له باب الجنة، وذلك لأنا أوتينا الكتاب من بعدهم، فهدينا لما اختلفوا فيه من العيد السابق للعيدين الآخرين، وصار عملنا الصالح قبل عملهم، فلما سبقناهم إلى الهدى والعمل الصالح، جعلنا سابقين لهم في ثواب العمل الصالح.


ومن قال: بيد، هنا بمعنى: غير، فقد أبعد.


الوجه السابع: تقرير مخالفة أهل الكتاب في يومي السبت والأحد


الوجه السابع من السنة: ما " روى كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها، أسألها: أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت: كان يصوم يوم السبت، ويوم الأحد، أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم ".





ص -509- رواه أحمد و النسائي و ابن أبي عاصم. وهو محفوظ من حديث عبد الله بن المبارك، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه عن كريب. وصححه بعض الحفاظ. وهذا نص في شرع مخالفتهم في عيدهم، وإن كان على طريق الاستحباب، وسنذكر حديث نهيه عن صوم يوم السبت، وتعليل ذلك أيضاً بمخالفتهم، ونذكر حكم صومه مفرداً عند العلماء، وأنهم متفقون على شرع مخالفتهم في عيدهم، وإنما اختلفوا: هل مخالفتهم يوم عيدهم بالصوم لمخالفة فعلهم فيه، أو بالإهمال حتى لا يقصد بصوم ولا بفطر، أو يفرق بين العيد العربي، والعيد العجمي؟ على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.


تقرير الإجماع على النهي عن مشابهة الكافرين وما وراء ذلك من آثار ومن وذلك وجود أحدهما: وجود الكفار في أمصار المسلمين بفعلون أعيادهم ولم يشركهم أحد من المسلمين رغم قيام المقتضى الطبعي


وأما الإجماع والآثار فمن وجوه:-



أحدها: ما قدمت التنبيه عليه، من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية، يفعلون أعيادهم التي لهم والمقتضي لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس، ثم لم يكن على عهد السابقين من المسلمين، من يشركهم في شيء من ذلك، فلولا قيام المانع في نفوس



ص -510- الأمة، كراهة ونهياً عن ذلك، وإلا لوقع ذلك كثيراً، إذ الفعل مع وجود مقتضيه، وعدم منافيه، واقع لا محالة، والمقتضى واقع، فعلم وجود المانع، والمانع هنا هو: الدين، فعلم أن الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة، وهو المطلوب.


إتفاق الصحابة على أن لا يظهر أهل الذمة أعيادهم


الثاني: أنه قد تقدم في شروط عمر رضي الله عنه، التي اتفقت عليها الصحابة، وسائر الفقهاء بعدهم - أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وسموا الشعانين والباعوث، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها، مظهراً لها؟.


وذلك: أنا إنما منعناهم من إظهارها لما فيه من الفساد: إما لأنها معصية أو شعار المعصية، وعلى التقديرين: فالمسلم ممنوع من المعصية، ومن شعار المعصية، ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها لقوة قلبه بالمسلم إذا فعلها؟ فكيف وفيها من الشر ما سننبه على بعضه؟.


الثالث: نهي الصحابة والسلف عن مشاركة الكفار في أعيادهم أو الدخول عليهم فيها أو شهودها ونحو ذلك


الثالث: ما تقدم من رواية أبي الشيخ الأصبهاني، عن عطاء بن يسار





ص -511- - هكذا رأيته، ولعله ابن دينار - قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.


وروى البيهقي بإسناد صحيح، في باب كراهة الدخول على أهل الذمة في كنائسهم، والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم: عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار قال: قال عمر: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم.


وبالإسناد عن الثوري، عن عوف





ص -512- عن الوليد - أو أبي الوليد - عن عبد الله بن عمر قال: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك - حشر معهم يوم القيامة.


وروى بإسناده عن البخاري صاحب الصحيح قال: قال لي ابن أبي مريم: أنبأنا نافع بن يزيد، سمع سلمان بن أبي زينب، و عمرو بن الحارث،





ص -513- سمع سعيد بن سلمة سمع أبان، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم.


وروى بإسناد صحيح عن أبي أسامة، حدثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمر قال: من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة. وقال: هكذا رواه يحيى بن سعيد و ابن أبي عدي،





ص -514- وغندر، و عبد الوهاب عن عوف عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمرو من قوله.
وبالإسناد إلى أبي أسامة، عن حماد بن زيد، عن هشام عن محمد بن سيرين قال: أتى علي رضي الله عنه بهدية النيروز، فقال: ما هذه؟ قالوا يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز، قال فاصنعوا كل يوم نيروزاً، قال أبو أسامة: كره رضي الله عنه أن يقول نيروزاً.



قال البيهقي: وفي هذا: الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً به.



ص -515- وهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة - عليهم يوم عيدهم فكيف بفعل بعض أفعالهم؟ أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم؟ أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟ أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟


وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه - أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟



ثم قوله: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم، أليس نهياً عن لقائهم والإجتماع بهم فيه؟ فكيف بمن عمل عيدهم؟.



وأما عبد الله بن عمر: فصرح أنه: من بنى ببلادهم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم، وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهراً لفظه، فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية، لأنه لو لم يكن مؤثراً في استحقاق العقوبة لم يجز جعله جزءاً من المقتضى، إذ المباح لا يعاقب عليه وليس الذم على بعض ذلك مشروطاً ببعض، لأن أبعاض ما





ص -516- ذكره يقتضي الذم منفرداً، وإنما ذكر - والله أعلم - من بنى ببلادهم لأنهم على عهد عبد الله بن عمرو وغيره من الصحابة كانوا ممنوعين من إظهار أعيادهم بدار الإسلام، وما كان أحد من المسلمين يتشبه بهم في عيدهم، وإنما يتمكن من ذلك بكونه في أرضهم.



وأما علي رضي الله عنه، فكره موافقتهم في اسم يوم العيد الذي ينفردون به، فكيف بموافقتهم في العمل؟.


وقد نص أحمد على معنى ما جاء عن عمر وعلي رضي الله عنهما في ذلك، وذكر أصحابه مسألة العيد.
وقد تقدم قول القاضي أبي يعلى: مسألة في المنع من حضور أعيادهم، وقال الإمام أبو الحسن الآمدي - المعروف بـ ابن البغدادي - في كتابه عمدة الحاضر وكفاية المسافر: فصل: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود، نص عليه أحمد في رواية مهنا، واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا





ص -517- يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: الشعانين وأعيادهم، فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره، نص عليه أحمد في رواية مهنا، وقال: إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم.
وقال الخلال في جامعه: باب في كراهية خروج المسلمين في أعياد المشركين وذكر عن مهنا قال: سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام: مثل - طور يانور، ودير أيوب، وأشباهه، يشهده المسلمون، يشهدون الأسواق، ويجلبون الغنم فيه، والبقر والدقيق، والبر والشعير، وغير ذلك، إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم. قال: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم، وإنما يشهدون السوق فلا بأس،


فإنما رخص أحمد رحمه الله في شهود السوق بشرط: أن لا يدخلوا عليهم بيعهم، فعلم منعه من دخول بيعهم.


وكذلك أخذ الخلال من ذلك، المنع من خروج المسلمين في أعيادهم، فقد نص أحمد على مثل ما جاء عن عمر رضي الله عنه من المنع من دخول





ص -518- كنائسهم في أعيادهم، وهو كما ذكرنا من باب التنبيه على المنع عن أن يفعل كفعلهم.

( اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية رحمه الله )

 

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:19 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML