سورة الفاتحة : سر قول الله تبارك و تعالى : المغضوب عليهم ، و لم يقل : غضبت عليهم كأنعمت عليهم .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : '' وأضاف النعمة إليه ، وحذف فاعل الغضب لوجوه :
منها([1]) : أن النعمة هي الخير والفضل ، والغضب من باب الانتقام والعدل ، والرحمة تغلب الغضب ، فأضاف إلى نفسه أكمل الأمرين ، وأسبقهما وأقواهما ، وهذه طريقة القرآن في إسناد الخيرات والنعم إليه ، وحذف الفاعل في مقابلتهما ، كقول مؤمني الجن (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا)[الجن:10] ومنه قول الخضر في شأن الجدار واليتيمين( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا)[الكهف:82] وقال في خرق السفينة( فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا)[الكهف:79] ثم قال بعد ذلك (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)[الكهف:82] وتأمل قوله تعالى( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)[البقرة:187] وقوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ)[المائدة:03] وقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)[النساء:23] ثم قال (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ)[النساء:24]''.([2])
[1]: و هو الوجه الأول و قد ذكر ثلاث مسائل فيها.
[2]: التفسير القيم (ص: 15) و انظر مدارج السالكين.