أعجوبة عصره !
الشيخ حافظ الحكمي
سمّاهُ أبوه " حافظ " ولم يدْر أنه سيكون حافظًا بحق، كان خادما مطيعا
لوالديه، قريبا منهما، يرعى غنم أبيه، ولم يكن والده يأذن له باﻻبتعاد
عنه ،
ذهب أخوه "محمد " للتعلم في الكتاتيب، وبقي " حافظ " في رَعْي الغنم،
لكنه صار يتعلم من أخيه ما يأخذه في الكتاتيب، حتى أتقن القراءة
والكتابة ..
وما إن أتقن القراءة حتى بدأ يستعير الكتب ويقرأها، ولنُدرة الكتب ذلك
الوقت؛ فما كان يسمع برجل لديه كتاب إﻻ ويذهب له أو يرسل أخاه
ﻻستعارته ..
رأى كتابا لغويّا اسمه "ﻻميّة اﻷفعال " فحفظه ليتحدى به رُعاة الغنم في
السجع، ولم يكن يفهم معانيه ! ولم يخطر بباله أنه سيكون له شأن في
الشعر ،
في هذه اﻷثناء أرسل مفتي المملكة الشيخ "محمدُ بن إبراهيم " الشيخَ
" عبداَلله القرعاوي " لمنطقة الجنوب؛ للدعوة إلى الله وتعليم الناس ..
ذهب " محمد " للشيخ القرعاوي ﻻستعارة الكتب ﻷخيه " حافظ " الذي
أرسل معه خطابًا جميﻼ خطًا ومضمونًا، ضمّنه بيتين مِن نَظْمه، وكان في
الـ 16 من عمره !
والبيتان هما :
إنّ الذي رقمَ الكتابَ بكفّه ☆ يُقْري السﻼمَ على الذي يقراهُ
وعلى الذي يقراهُ ألفُ تحيّة ☆ مقرونة بالمِسْكِ حينَ يراهُ
ولما قرأ الشيخُ القرعاوي الكتابَ تعجّب وأخذ يُقلّبه ويُردّد : بالله؛ هذه
كتابةُ راعي غنم؟ !
ثم قال لمحمد : سنزوكم ! فرحل لزيارة هذا الفتى ،
ولما رأى القرعاوي ذلك الفتى؛ أعجب به وقرّر المكوث في القرية ﻷجله !
فبقي أياما حتى ألحّ كبار طﻼّبه عليه بالرجوع، فرجع وبقي حافظ مع
والديه ..
أراد الله تعالى أن يموت والدا الشيخ حافظ في سنة واحدة، وكان وحينها
في الـ 18 من عمره؛ فرحل مباشرة للشيخ القرعاوي وﻻزمه مﻼزمة
شديدة ..
ﻻحظ شيخه عليه النبوغ والذكاء ؛ فأراد اختباره، حيث طلب منه أن يجمع
خﻼصة ما تعلمه من الكتب ! وما علم القرعاوي أنه يستثير بَحْرًا هادِرًا ..
فكان من ذلك الفتى ذي الـ 20 عامًا؛ أنْ ألّف منظومة فريدة في
التوحيد؛ أذهلتْ مَن بعده !
سمّاها " سُلّم الوصول إلى علم اﻷصول " بلغت 290 بيتًا ، ثم عاد وشرح
منظومتَه وهو في الـ 24 من عمره ..
ومن اﻷدلة على ذكاءه؛ أنه حفظ القرآن الكريم في شهر رمضان ! فكان
يحفظ الجزءَ في النهار، ويَؤمّ الناس به في الليل !
ألّف كثيراً، وفي شتى الفنون، ومن أشهر كتبه "سلّم الوصول " في
التوحيد، و " السبل السويّة " في الفقه، والمؤسف أن كتبه لم تنل الشهرة
التي تستحقها ..
آخر معلومة أختم بها سيرته العطرة؛ وأنا متأكد أنها ستُذهل الجميع ! أنه
توفي وله من العمر 35 عامًا ! كل هذا المجد والمكانة حصّلها في عمر
قصير ..
العﻼمة حافظ بن أحمد الحكمي؛ أحد أعﻼم جازان، ولد 1342 هـ، وتوفي
1377 هـ، عن 35 عامًا، ترك إرثا عظيمًا، وعلمًا غزيرًا، ومؤلّفاته
شاهدة له ..
رحمه الله وغفر له.
منقول من صفحة الشيخ فواز المدخلي