تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام
السؤال : سؤال يتعلق بتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وهل هناك دليل على ذلك ؟
الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-
هذا مأخوذ من الاستقراء؛ لأن العلماء لما استقرءوا ما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ظهر لهم هذا، وزاد بعضهم نوعا رابعا هو توحيد المتابعة، وهذا كله بالاستقراء.
فلا شك أن من تدبر القرآن الكريم وجد فيه آيات تأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو توحيد الألوهية، ووجد آيات تدل على أن الله هو الخلاق وأنه الرزاق وأنه مدبر الأمور، وهذا هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام، كما يجد آيات أخرى تدل على أن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه لا شبيه له ولا كفو له، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات الذي أنكره المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والمشبهة، ومن سلك سبيلهم.
ويجد آيات تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ورفض ما خالف شرعه، وهذا هو توحيد المتابعة .
فهذا التقسيم قد عُلم بالاستقراء وتتبع الآيات ودراسة السنة، ومن ذلك :
قول الله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[1]، وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[2]، وقوله عز وجل: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[3]، وقوله سبحانه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[4]، وقوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[5]، وقوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[6]، وقوله سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ[7]، وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[8]، وقال عز وجل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[9]، وقال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[10]، وقال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[11]، والآيات فيما ذكر من التقسيم كثيرة.
ومن الأحاديث:
قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه المتفق على صحته: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار))رواه البخاري في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم لجبريل لما سأله عن الإسلام قال: ((أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة))الحديث، متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله))متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنةإلا من أبى)) قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))رواه البخاري في صحيحه.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(الإله هو المعبود المطاع فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع).
وقال: (فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده، ولهذا كانت لا إله إلا الله أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله)[12].
ونسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا من حكام ومحكومين للفقه في دينه والثبات عليه والنصح لله ولعباده، والحذر مما يخالف ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
[1] سورة الفاتحة الآية 5.
[2]سورة البقرة الآية 21.
[3]سورة البقرة الآية 163.
[4]سورة آل عمران الآية 18.
[5]سورة الذاريات الآيات 56 – 58.
[6]سورة الأعراف الآية 54.
[7]سورة يونس الآية 31.
[8]سورة الشورى الآية 11.
[9]سورة الإخلاص كاملة.
[10]سورة آل عمران الآية 31.
[11]سورة النور الآية 54.
[12]فتح المجيد شرح كتاب التوحيد باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، ص 33، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ط – 1403هـ.