قال الإمام الحافظ المحدث المؤرِّخ أبو عبد لله محمد بن أحمد الذهبي (رحمه الله تعالى):
أُمُّ عُمَارَةَ نَسِيْبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّةُ
ابن عوف بن مبذول، الفاضلة، المجاهدة، الأنصارية، الخزرجية، النجارية، المازنية، المدنية.
كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريِّين، وكان أخوها عبد الرحمن من البكَّائين.
شهدت أم عمارة: ليلة العقبة، وشهدت: أحُداً، والحديبية، ويوم حنين، ويوم اليمامة، وجاهدت، وفعلت الأفاعيل.
رُويَ لها أحاديث، وقُطِعتْ يدُها في الجهاد.
وقال الواقدي: (شهدت أحُداً مع زوجها غَزِيَّةَ بن عمرو ومع ولديها(1)).
خرجت تسقي ومعها شَنٌّ(2) وقاتلت وأبلت بلاءً حسناً، وجُرحت اثني عشر جرحاً.
وكان ضمرة بن سعيد المازني يُحدِّث عن جدته -وكانت قد شهدت أحُداً- قالت:
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَمُقَامُ نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان".
وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتال، وإنها لَحاجزة ثوبها على وسطها حتى جُرحتْ ثلاثة عشر جرحاً، وكانت تقول:
(إني لأنظر إلى ابن قَمِئَةَ وهو يضربها على عاتقها، وكان أعظم جراحها فداوته سنةً، ثم نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد(3)، فشدَّتْ عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم).
رضي الله عنها ورحمها.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الجبار بن عُمارة عن عُمارة بن غَزِيَّةَ قال:
قالت أم عُمارة: (رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما بقي إلا في نفير ما يُتِمُّون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذُبُّ عنه، والناس يمرُّون به منهزمين، ورآني ولا تُرْسَ معي، فرأى رجلاً مُوَلِّياً ومعه تُرْسٌ فقال: "أَلْقِ تُرْسَكَ إلى مَن يُقاتل"؛ فألقاه؛ فأخذته، فجعلت أُتَرِّسُ به عن رسول الله، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، لو كانوا رِجَالةً مثلنا أصبناهم -إن شاء الله-.
فيُقبِلُ رجل على فرَس، فيضربني؛ وتَرَّسْتُ له فلم يصنع شيئاً، وولَّى، فأضرب عُرْقُوبَ فرَسه فوقع على ظهره؛ فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح: "يا ابن أم عُمارة، أُمَّكَ أُمَّكَ").
قالت: (فعاونني عليه حتى أوردتُه شَعُوبَ(4)).
قال: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني ابن أبي سبرة عن عمرو بن يحيى عن أمه عن عبد الله بن زيد قال:
(جُرِحْتُ يومئذ جرحاً، وجعل الدم لا يرقأ؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اِعصبْ جرحك"؛ فتُقْبِلُ أمي إليَّ ومعها عصائبُ في حَقْوِها(5)، فربَطَتْ جرحي، والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف فقال: "انهض بُنَيَّ، فضَارِبِ القوم"، وجعل يقول: "من يُطيق ما تُطيقين يا أم عُمارة؟!").
(فأقبَل الذي ضرب ابني؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا ضاربُ ابنِكِ").
قالت: (فأَعترِضُ له، فأَضرِبُ ساقه فبرَك؛ فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبتسم حتى رأيت نواجذه، وقال: "اسْتَقَدْتِ(6) يا أم عمارة"، ثم أقبلنا نَعُلُّهُ(7) بالسلاح حتى أتينا على نفسه؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الحمد لله الذي ظَفَّرَكِ").
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله:
سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم يقول:
[شهِدتُ أحُداً، فلما تفرَّقوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دنوت منه أنا وأمي نذب عنه، فقال: "ابن أم عُمارة؟!"، قلت: (نعم)، قال: "اِرْمِ"؛ فرميت بين يديه رجلاً بحجر وهو على فرس، فأصبت عين الفرس، فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه بالحجارة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يبتسم، ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال: "أُمَّكَ أُمَّكَ، اِعصبْ جرحها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة"؛ قلت: (ما أبالي ما أصابني من الدنيا)].
وعن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال:
(أُتيَ عمر بن الخطاب بِمُرُوطٍ فيها مِرْطٌ(8) جيِّد، فبعث به إلى أم عُمارة).
شعبة: عن حبيب بن زيد الأنصاري، عن امرأة، عن أم عُمارة، قالت:
أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرَّبنا إليه طعاماً، وكان بعض من عنده صائماً؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أُكِل عند الصائم الطعام صلَّتْ عليه الملائكة"(9).
وعن محمد بن يحيى بن حبان قال:
جُرِحتْ أم عُمارة بأحد اثني عشر جرحاً، وقُطِعتْ يدُها يوم اليمامة، وجُرحتْ يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحاً، فقدمت المدينة وبها الجراحة، فلقد رُئي أبو بكر -رضي الله عنه- وهو خليفةٌ يأتيها يسأل عنها.
وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطعه مسيلمة.
وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُتِل يوم الحرة(10)، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه.
انفرد أبو أحمد الحاكم وابن مندة بأنه شهد بدراً.
قال ابن عبد البر: (بل شهد أحُداً).
قلت: (نعم، الصحيح أنه لم يشهد بدراً -والله أعلم-).
(سير أعلام النبلاء)(2/278-282).
(1) أي: ولديها من زوجها الأول زيد بن عاصم بن عمرو، وهما: (عبد الله وحبيب).
أما ولداها من غَزِيَّةَ فهما: (تميم وخولة).
(2) الشَّنُّ والشَّنَّةُ: الخَلَقُ من كل آنية صُنِعَتْ من جلد، وجمعها شِنَانٌ.
(3) موضع على ثمانية أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة.
(4) شَعُوبَ: من أَسماءِ المَنِيَّةِ، غيرَ مَصْروفٍ، وسُمِّيَتْ شعُوبَ لأَنَّها تُفَرِّقُ.
(5) الحَقْوُ والحِقْوُ: الكَشْحُ، وقيل: مَعْقِدُ الإزار.
(6) (اسْتَقَدْتِ) مِنَ القَوْدِ: وهُوَ القِصَاصُ وقَتْلُ القاتِلِ بَدَلَ القَتِيلِ.
(7) عَلَّ الضَارِبُ المَضرُوبَ: إِذا تَابَعَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ.
(8) المِرْطُ: كِسَاءٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ، وَقِيلَ: هُوَ الثَّوْبُ الأَخْضَرُ، وَجَمْعُهُ: مُرُوطٌ.
(9) ضعَّفه العلاَّمة الألباني (رحمه الله تعالى) مرفوعاً، وصحَّحه موقوفاً على عبد الله بن عمرو، وقال:
[أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن المبارك من طريق قتادة عن أبي أيوب عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو موقوف في حكم المرفوع، ويشهد له دعاء الضيف: "أفطر عندكم الصائمون.. وصلَّتْ عليكم الملائكة" الحديث]. اهـ المراد/ (السلسلة الضعيفة)(3/503).
(10) الحَرَّةُ: أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ نَخِراتٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ، وَالجَمْعُ: حَرَّاتٌ وحِرَارٌ.
منقووووووووول