أخي المسلم .. أختي المسلمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
أبعث إليكم هذه الرسالة محملة بالأشواق والتحيات العطرة ، أزفها إليكم من قلب أحبكم في الله، نسأل الله أن يجمعنا بكم في دار كرامته ومستقر رحمته . وبمناسبة قدوم شهر رمضان أقدم لكم هذه النصيحة هدية متواضعة ، أرجو أن تقبلوها بصدر رحب وتبادلوني النصح ، حفظكم الله ورعاكم .
كيف نستقبل شهر رمضان المبارك ؟
قال تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ( البقرة : 185) .
أخي الكريم :
•خص الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها :
•خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .
•تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا .
•يزين الله كل يوم جنته ويقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ثم يصيروا إليك .
•تصفد فيه الشياطين .
•تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار .
•فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله .
•يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان .
•لله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة من رمضان .
فيا أخي الكريم :
شهر هذه خصائصه وفضائله بأي شيء نستقله ؟ بالانشغال باللهو وطول السهر ، نتضجر من قدومه ويثقل علينا ، نعوذ بالله من ذلك كله .
ولكن العبد الصالح يستقبله بالتوبة النصوح ، والعزيمة الصادقة على اغتنامه ، وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة ، سائلين الله الإعانة على حسن عبادته .
وإليك أخي الكريم الأعمال الصالحة التي تتأكد في رمضان :
ـ قال :" كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، يقول عز وجل : إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " (أخرجه البخاري ومسلم )
وقال :" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ( أخرجه البخاري ومسلم) ، ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط ، وإنما كما قال النبي :" من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ( أخرجه البخاري ) ، وقال :" الصوم جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم " ( أخرجة البخاري ومسلم )
قال :"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(أخرجه البخاري ومسلم ) وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما (الفرقان : 63 ، 64) ، وقد كان قيام الليل دأب النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه ، قالت عائشة رضي الله عنها : " لا تدع قيام الليل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان لا يدعه ، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً ".
وكان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان نصف الليل أيقظه أهله للصلاة ، ثم يقول لهم الصلاة الصلاة .. ويتلو وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ( طه:132)، وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ( الزمر :9) قال : ذاك عثمان بن عفان ، قال ابن أبي حاتم : وإنما قال ابن عمر ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته حتى أنه ربما قرأ القرآن في ركعة .
وعن علقمة بن قيس قال : بت مع عبد الله بن مسعود ليلة فقام أول الليل ثم قام يصلي ، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حية يرتل ولا يراجع يسمع من حوله ولا يجع صوته ، حتى لم بيق من الغسل إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف ، ثم الوتر .
وفي حديث السائب بن زيد قال : كان القارئ يقرأ بالمئين ـ يعني بمآت الأيات ـ تحتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام قال : وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر .
لك أخي المسلم أن تكمل التراويح مع الإمام حتى تكتب في القائمين، فقد قال :" من قام مع أمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " ( رواه أهل السنن )
الصدقة :
كان رسول الله أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، كان أجود بالخير من الريح المرسلة .. وقد قال :" أفضل الصدقة صدقة في رمضان .." ( أخرجه الترمذي عن أنس )
روى زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : أمرنا رسول الله صلى أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً ، قال فجئت بنصف مالي ، فقال لي رسول الله " ما أبقيت لأهلك " فقلت مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال رسول الله ماذا أبقيت لهم ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله " قلت : لا أسابقك إلى شيء أبداً .
وعن طلحة بن يحيى بن طلحة ، قال : حدثني جدتي سعدى بنت عوف المرية ـ وكانت محل إزار طلحة ابن عبيد الله ـ قالت : دخل على طلحة ذات يوم وهو خائر النفس ، فقلت : مالي أراك كالح الوجه ؟ وقلت : ما شأنك أرابك مني شيء فأعينك ؟ قال : لا ؛ لونعم حليلة المرء المسلم أنت . قلت : ما عليك ، اقسمه ، قالت : فقسمه حتى ما بقى منه درهم واحد ، قال طلحة بن يحيى : فسألت خازن طلحة كم كان المال ؟ قال : أربعمائة ألف .
فيا أخي للصدقة في رمضان مزية وخصوصية فبادر إليها ، واحرص على آدائها بحسب حالك ، ولها صور كثيرة منها :
أ -إطعام الطعام :
قال الله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واثيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) (الانسان :8-12) ، فقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ، ويعدمونه على كثير من العبادات ، سواد كان ذلك بإشباع الجائع ، او إطعام أخ صالح ، فلا يشترط في المطعم الفقر . قال رسول الله " ياأيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " .( رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني) ، وقد قال بعض السلف : لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلى من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل .
وكان كثيرمن السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ، منهم عبد الله بن عمر عنهما وداود الطائي ومالك ابن دينار وأحمد بن حنبل ، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين ، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه ، فلم يفطر في تلك الليلة .
وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروحهم ،منهم الحسن وابن المبارك .
قال أبو السوار العودي : كان رجا لمن بني عدي يصلون في هذا المسجدد ، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ، إن وجد من يأكل معه أكل ، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه .
وعبادة إطعام الطعام ينشأ عنها عبادات كثيرة منها : التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم ، فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة :" لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا " كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر على معاونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك .
ب - تفطير الصائمين :
قال :" من أفطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني ، وفي حديث سلمان: من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أحره من غير أن ينقص من أجره شيء ، فقالوا يا رسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم ، فقال يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة هنيئة لا يظمأ بعدها ، حتى يدخل الجنة .
ج - الاجتهاد في قراءة القرآن :
سأذكرك يا أخي هنا بأمرين عن حال السلف الصالح :
كثرة قراءة القرآن .
البكاء عند قراءته أو سماعه خشوعاً وإخباتاً لله تبارك وتعالى .
كثرة قراءة القرآن :
شهر رمضان هو شهر القرآن ، فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته ، وقد كان من حال السلف العناية بكتاب الله ، فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلّم يختم القرآن كل يوم مرة ، وكان بعض السلف يختم كل سبع ، وبعضهم كل عشر ، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها ، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة ، يقرءوها في عير الصلاة ، وكان قتادة يختم كل سبع دائماً ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ،وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف ، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان والأماكن المفضلة فيها تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة ، وعليه عمل غيرهم كما سبق .
البكاء عند تلاوة القرآن :
لم يكن من هدي السلف هذا القرآن هذ الشعر دون تدبر وفهم ، وإنما كانوا يتأثرون بكلام الله عز وجل ويحركون به القلوب ، ففي البخاري عن عيد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" اقرأ علي " فقلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟! فقال :" إني أحب أن أسمعه من غيري " ، قال فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) ( النساء : 41) ، قال " حسبك " فالتفت فإذا عيناه تذرقان . وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون (النجم :59،60) فبكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حسهم بكى معهم ، فبكينا ببكائه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" لا يلج النار من بكى من خشية الله " ، وقد قرأ ابن عمر سورة المطففين حتى إذا بلغ يوم يقوم الناس لرب العالمين) ( المطففين :6) فيكى حتى خر ، وامتنع من قراءة ما بعدها ، وعنمزاحم بن زفر قال : صلى بنا سفيان الثوري المغرب فقرأ حتى بلغ ( إياك نعبد وإياك نستعين بكى حتى انقطعت قراءته ، ثم عاد فقرأ الحمد .
وعن إبراهيم بن الأشعث قال : سمعت فضيلاً يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد ،وهو يبكي ويردد هذه الآية : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ( محمد :31) وجعل يقول : ونبلو أخباركم ، ويردد وتبلوا أخباركم ، أن بلوت أخبارنا فضحتنا وهتكت أستارنا ، إنك إن بلوت أخبارنا أهلكنتا وعذبتنا ، ويبكي .
د - الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس :
كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا صلى الغداة ـ أي الفجرـ جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ( أخرجه مسلم ) وأخرج الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :" من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين ، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " ( صححه الألباني ) هذا في كل الأيام ، فكيف بأيام رمضان ؟
فيا أخي المسلم ـ رعاك الله ـ استعن على تحصيل هذا الثواب الجزيل بنوم الليل ، والاقتداء بالصالحين ، ومجاهدة النفس في ذات الله ، وعلو الهمة لبلوغ الذروة من منازل الجنة .
هـ - الاعتكاف :
كان النبي صلى الله عليه وسلّم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ؛ فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً ( أخرجه البخاري ) ، لالاعتكاف من العبادات التي تجمع كثيراً من الطاعات من نالتلاوة والصلاة والذكر والدعاء وغيرها .
وقد يتصور من لم يجربه صعوبته ومشقته ، وهو يسير على من يسره الله عليه ، فمن تسلح بالنية الصالحة والعزيمة الصادقة أعانه الله ، وأكد الاعتكاف في العشر الأواخر تحرياً لليلة القدر ،وهو الخلوة الشرعية ، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره ، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه ، وعكف قلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه ، فما بقى له هم سوى الله وما يرضيه عنه .
هـ - العمرة:
في رمضان : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :" عمرة في رمضان تعدل حجة " (أخرجه البخاري ومسلم ) ، وفي رواية : "حجة معي " فهنيئاً لك ــ يا أخي ـ تحجةمع النبي صلى الله عليه وسلّم .
و- تحري ليلة القدر :
قال صلى الله عليه وسلّم :" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" ( أخرجه البخاري ومسلم ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يتحرى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحريها ، وكان يوقظ أهله ليلي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر . وفي المسند عن عبادة مرفوعاً :" من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " ، وللنسائي نحوه ، قال الحافظ : إسناده على شرط الصحيح .
وورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين الاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحرياً ليلة القدر التي شرفها الله ورفع قدرها ، فيا من أضاع عمره في شيء ، استدرك ما فاتك في ليلة القدر ، فإنها تحسب من العمر ، العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها ، من حرم خيرها فقد حرم .
وهي في العشرة الأواخر من رمضان ، وهي في الوتر من لياليه الآخرة ، وأرجى الليالي سبع وعشرين ليلة ، لما روى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه :" والله إني بقيامها ، وهي ليلة سبع وعشرين " وكان أبي يحلف على ذلك ويقول :" بالآية والعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها "
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال :" قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ( رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني)
ز- الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار :
أخي الكريم ، أيام وليالي رمضان أزمنة فاضلة فاغتنمها بالإكثار منالذكر والدعاء وبخاصة في أوقات الإجابة ،ومنها :
•عند الافطار فللصائم عند فطره دعوة لا ترد .
•ثلث الليل الآخر حين ينزل ربنا تبارك وتعالى ويقول : " هل من سائل فأعطيه ، هل من مستغفر فأغفر له "
•الاستغفار بالأسحار : قال تعالى : ( وبالأسحار هم يستغفرون ) (الذاريات :18)
وأخيراً .. أخي الكريم ..
وبعد هذه الجولة في رياض الجنة نتفيأ ظلال الأعمال الصالحة ، أنبهك إلى أمر مهم … أتدري ما هو ؟ إنه الإخلاص ..فكم من صائم ليس له من صيامة إلا الجوع والعطش ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب ، أعاذنا الله وإياك من ذلك ، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلّم يؤكد على هذه القضية .." إيماناً واحتساباً " ، وقد حرص السلف على إخفاء أعمالهم خوفاً على أنفسهم ، فهذا التابعي الجليل أيوب السختياني يحدث عنه حماد بن زيد فيقول : كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرق فيلتفت فيتمخط ويقول : ما أشد الزكام ! يظهر أنه مزكوم لإخفاء البكاء ، وعن محمد بن واسع قال : لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة وقد بلّ ما تحت خده من دموعه ، لا تشعر به امرأته ، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ، ولا يشعر به الذي جنبه
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة ، وعن أبن أبي عدى قال : صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ، وكان خرازاً يحمل معه غذاءه من عندهم فيتصدق به في الطريق ، ويرجع عشياً فيفطر معهم .
قال سفيان الثوري : بلغني أن العبد يعمل العمل سراً ، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية ، ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب أن يحمد عليه ، فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء.
اللهو في رمضان :
أخي ..
أظن أني قد أطلت عليك وأنا أحثك على اغتنام الوقت .. قطعت عليك الوقت ، ولكن أتأذن لي أن نعرج سوياً على ظاهرة خطيرة وبخاصة في رمضان ، إنها ظاهرة إضاعه الوقت وتقطيعه في غير طاعة الله .. إنها الغفلة والأعراض عن الرحمات والنفحات الإلهية ، قال تعالى ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) ( طه :124-127) ، وكم تتألم نفسك ،ويتقطع قلبك حسرات على ما تراه من شباب المسلمين ، الذين امتلأت بهم الأرصفة والملاعب في ليالي رمضان الفاضلة .. كم من حرمات الله ومعاصيه التي يجاهر بها في ليالي رمضان المباركة .. نعم أن المسلم ليغار على أوقات المسلمين ، وعلى زهرة شبابهم أن تبذل في غير طاعة الله .