منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى الأدآب الشرعية


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي باغي الخير مخالفة
باغي الخير غير متواجد حالياً
 
باغي الخير
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 196
تاريخ التسجيل : Aug 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 341 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها اهل الإسلام - لفضيلة الشيخ العلامة زيد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى

كُتب : [ 08-15-2011 - 11:15 PM ]

سئل فضيلة الشيخ زيد بن محمد هادي المدخلي – حفظه الله – السؤال الآتي :

ما هي الصفات التي ينبغي أن يتحلى بِها المعلم ؟

فأجاب حفظه الله : الحمد لله الذي رفع قدر العلم والعلماء في آيات كريمات من كتابه العزيز حيث قال -عز من قائل-: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [ الرعد:19]، وقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر: من الآية9]، وقوله سبحانه: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: من الآية11]، وغيرها في هذا المعنى كثير، كما ثبت رفع قدر العلم والعلماء في السنة المطهرة وأقوال العلماء الفضلاء والحكماء العقلاء -رحمهم الله ورضي عنهم-, فمن السنة المطهرة ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: “مثل ما بعثني الله به –عز وجل- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنَّما هي قيعان لا تُمسك ماءً ولا تنبت كلاً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لَمْ يرفع بذلك رأسًا ولَم يقبل هدى الله الذي أرسلت به”.
ومن أقوال السلف قول ابن مسعودرضي الله عنه أنه قال: (وعليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده).
ومن أقوال الحكماء العقلاء قول الشاعر:
العلم زين وكنـز لا نفاد لـه *** نعم القرين إذا ما عاقلاً صحبا
قد يجمع المرء مـالاً ثُمَّ يسلبه *** عما قليل فيلقى الذل والحربا
وجامع العلم مغبوط به أبدا *** فـلا يحاذر فوتًا لا ولا هربا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه *** فلا تعـدلن به دُرًّا ولا ذهبا
ألا وإنه ليكفي في رفع قدر العلماء أنَّهم ورثة الأنبياء: “وإن الأنبياء لَمْ يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنَّما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر”، فهنيئًا ثُمَّ هنيئًا لك أيها المعلم -ومثلك المتعلم- إن سرت على الجادة منهج النبوة الذي عرفه سلفك الصالح وأخذوا به عاضين عليه بالنواجذ ولَم يبدلوا تبديلاً ؛ وبعد ففيما يلي رءوس أقلام سأرقمها لتكون جوابًا على السؤال المذكور, فأقول:
إن مما ينبغي أن يتحلى به المعلم الصفات التالية:

الصفة الأولى: النية الصالحة الخالصة: في التعلم والتعليم وغيرهما من كل قربة يتقرب بِها المكلف إلى الله من الأقوال والأفعال والأعمال الظاهرة والباطنة ولابد من مجاهدة النفس حتى تتحقق فيها هذه الصفة الجليلة.

الصفة الثانية: خشية الله في السر والعلن: فنعم العمل الخشية, إذ أن من حققها فقد فاز بالمطلوب ونجا من المكروه وسلم من عواقب الذنوب.

الصفة الثالثة: طلب الأجر على تعليم الخلق من الله: والصدق في ذلك بحيث لا يكون الباعث على التعليم هو التوصل إلى غرض دنيوي, بل أسوة المعلم رسل الله الكرام وأنبياؤه العظام الذين أخبر الله عنهم بقوله: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:109و127و145و164و180].

الصفة الرابعة: ملازمة تقوى الله: بفهم معنى كلمة التقوى التي تتجلى في امتثال أوامر الله واجتناب محارمه ومتابعة رسوله في الاعتقاد والشعائر التعبدية والمعاملات والسلوك والخلق والآداب، وفي منهج الجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنهج الولاء والبراء وغير ذلك من التكاليف الشرعية الظاهرة والباطنة، ولعظم شأنِها فكم من آية كريمة قد جاء فيها النداء من الله يعقبه الوصية بالتقوى أو الترغيب فيما يترتب عليها من خيري الدنيا والآخرة قال -تبارك وتعالى-: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [ آل عمران:102]، وقال سبحانه: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الأنفال:29]. وقال سبحانه: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب:من الآية70-71]، وقال -عز من قائل-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب} [ الطلاق: من الآية2-3].

الصفة الخامسة: دوام الاستقامة على الطاعة لله والمتابعة لرسول الله: فكم فيهما من الخير الكثير والفضل الكبير كما قال الله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } [ فصلت: 30-32].

الصفة السادسة: الصدق مع الله: بالوفاء معه امتثالاً لأمره حيث قال سبحانه: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [ المائدة: من الآية1]، ولاشك أن المسلم متاجر مع ربه إذ قد باع نفسه من ربه وربه قد اشتراها منه, فمن وفَّى فله الجزاء الأوفى من الله الذي يعلم السر وأخفى, ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ولن يضر الله شيئًا قال الله -تبارك وتعالى-: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [ التوبة: من الآية111].

الصفة السابعة: الصبر: الذي هو حبس النفس على فعل الطاعة وكفها عن فعل المعصية, وشرطه أن يكون الصابر يبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة لا تجملاً من البشر أو رغبة في مدحهم أو اتقاءً للومهم, والصبر خير معين على قضاء حاجاته و تحقيق مطالبه من جلب خير أو دفع شر قال عز وجل: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ البقرة:153].

الصفة الثامنة: حسن الخلق: وانبساط الوجه وطلاقته في كل حال مع البشر من ورائه مصلحة تتحقق وشر يندفع, وقد وصف الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق وأعلاها حيث قال عز وجل: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4]. وهو أسوتنا الحسنة وقدوتنا الرشيدة قال -تبارك اسمه-: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [ الأحزاب:21].

الصفة التاسعة: أداء الأمانة: وهي كل ما اؤتمن عليه المكلف من حقوق الله عز وجل وحقوق النفس وحقوق الخلق، ولعظم شأنِها فقد عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان كما قال عز وجل : { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً } [ الأحزاب:72].

الصفة العاشرة: الإحسان: في كل ما يأتي المكلف ويذر فقد أمر الله به وكتبه على كل شيء كما قال عز وجل : { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[البقرة: من الآية195]، وقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء” الحديث. فما أسمى درجته وما أعلى مرتبته سواءً أكان إحسانًا إلى النفس بفعل ما يزينها وترك ما يشينها أو كان إحسانًا إلى الغير على اختلاف طبقاتِهم وتعدد منازلهم منك قربًا وبعدًا, وذلك بالسعي الحثيث في إيصال الخير إليهم وصرف الشر عنهم رجاء رحمة الله وخشية عذابه.

الصفة الحادية عشرة: صلة الأرحام وعدم قطيعتهم: فكم من أجر وفير رتبه الله على الصلة، وكم من إثم كبير رتبه الله على القطيعة كما قال الله تعالى في شأن الواصلين: { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21].
وقال في شأن القاطعين: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار} [ الرعد: من الآية25]. وغيرهما من النصوص كثير، فكن يا أخي واصلاً لا قاطعًا في حدود ما تستطيع ولن يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

الصفة الثانية عشرة: الحلم والأناة: إذ هما من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة النبيلة, ثبت ذلك عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حيث قال لأشج عبد القيس: “إن فيك لخلقين يحبهما الله ورسوله. فقال: تخلقت بِهما أم جبلني الله عليهما؟ قال: بل جبلك الله عليهما. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خُلقين يحبهما الله ورسوله”، أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.

الصفة الثالثة عشرة: محبة التفقه في الدين: لأن التفقه في الدين علامة سعادة الدارين لقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”، وحيث إن مراتب الدين ثلاث: مرتبة الإسلام ومرتبة الإيْمان ومرتبة الإحسان وكل مرتبة لها أركان, فالواجب فهم هذه المراتب وفهم أركان كل مرتبة والعمل بمقتضى ذلك بدون تَهاون ولا تكاسل ولا تسويف ولا إيثار لشئون العاجلة على ذلك الواجب العظيم, الذي بفهمه والعمل به تنعم البشرية وتسعد وبفقده وإهماله تضل البشرية وتشقى.

الصفة الرابعة عشرة: التواضع ولين الجانب: فذلك خلق كريم أرشد إليه البر الرحيم حيث قال سبحانه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [ الشعراء:215].
وفي الحديث: “من تواضع لله رفعه”، ورحم الله القائل:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** إلى طبقات الجو وهو وضيع

الصفة الخامسة عشرة: الحرص على تطبيق الولاء والبراء وما والاهما: كالحب في الله والبغض فيه والموالاة فيه والمعاداة فيه سبحانه لقول الله
تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: من الآية22]. ولقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيْمان”.

الصفة السادسة عشرة: القيام بحقوق ذوي الحقوق: وعلى رأسها طاعة الله ورسوله وطاعة ولي الأمر المسلم في المعروف على طريقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة, الذين يعطون كل ذي حق حقه بدون إفراط ولا تفريط, ولا غلو ولا جفاء بل وسط بين ذلك، وهذه هي الوسطية الشرعية بخلاف الوسطية الخلفية التي فيها غمط ذوي الحقوق حقوقهم بمجرد تأويلات مذمومة أو مفاهيم رديئة محمومة.

الصفة السابعة عشر: النصيحة الشرعية: المنضبطة بضوابط إصلاحية تكون تارة جهرية وأخرى سرية وتارة جماعية وأخرى فردية, ويكون القصد من ورائها نشر الخير والسنة والفضيلة وقمع الشر والبدعة والرذيلة.

الصفة الثامنة عشرة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وذلك بعد معرفة معنى المعروف وفضله ومعنى المنكر وقبح فعله, وما في إقامتهما من فوائد جليلة ودفع نقم وبيلة،كما جاء في النصوص الكريمة والوصايا النبيلة, واقرأ أيها القاري ما جاء في سورة المائدة وسورة التوبة وسورة لقمان ونظائرها تدرك أهمية إقامة هذا الفرض من جانب, وخطر إهماله وإغفاله من جانب آخر.

الصفة التاسعة عشرة: تذكير النفس بالجهاد الشرعي في سبيل الله: متى توفرت شروطه وانتفت موانعه، وبالأخص جهاد النفس كي تفقه دين الله وتعمل به وتعلمه وتصبر على الأذى الذي قد يواجه معلمي الناس الخير وقس على ذلك جهاد الغير.

الصفة العشرون: الدعوة إلى الله: ويا لله كم فيها من الأجر والفضل إذا كانت على منهج كتاب الله وهدي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه-، لا على نَهج أحزاب تعددت وجماعات تنوعت، وفرق انشقت وتفرقت, تجمع مع الصافي كدرًا, وتخلط مع الصالح طالِحًا وخطرًا, وبعضها تزعم أنَّها تأمر بالمعروف ولَم تغير منكرًا قد خالفت نصوص الشرع باطنًا وظاهرًا, فأي خير يرجى من دعوة تخالف أصول دعوة الحق مظهرًا أو مخبرًا !!.

الصفة الحادية والعشرون: الجمع بين القول والعمل: وعدم مخالفة أحدهما للآخر في حدود الاستطاعة الشرعية, إذ بذلك يحصل التأسي والاقتداء بالرسول المصطفى، ويرتفع الخطر وينكسف البلاء.

الصفة الثانية والعشرون: التحلي بأدب الزهد والورع: اللذين يتضحان فِي إيثار الآجلة على العاجلة والقناعة النفسية التي تتجلى في الثقة بما في يدي الله من جلب المصالح ودفع المضار, والاقتصار على الحلال ونبذ الحرام, ومجانبة ما اشتبه بينهما استحياء من الملك العلام, الذي أحل الحلال وحرم الحرام, وفرض الفرائض وأوجب الواجبات وشرع سائر الأحكام, تبصرة وذكرى للمكلفين من الأنام.

الصفة الثالثة والعشرون: مراقبة الله في السر والعلن: وفي كل حال من الأحوال وفي كل لحظة من لحظات العمر، فإن المراقبة الشرعية تبعث على إعداد العدة بصالح العمل، وتلجم النفس عن اقتراف السيئات وكثرة الزلل.

الصفة الرابعة والعشرون: علو الهمة: بالسعي الحثيث الذي تتحقق بِها الحياة المباركة الطيبة بفضل الله في دار العمل, وتتحقق برحمة الله وجوده وإحسانه السعادة الكاملة الأبدية في دار الجزاء على العمل.

الصفة الخامسة والعشرون: العناية الفائقة بالكتاب العزيز والسنة المطهرة: إذ هما مصدر كل بر وصلاح من تمسك بِهما على بصيرة نجا، ومن أعرض عنهما شقي وهلك.

الصفة السادسة والعشرون: محبة الله عز وجل ظاهرًا وباطنًا: وإضافة كل نعمة دينية أو دنيوية إليه إذ هو الذي أسبغ علينا جميع النعم ودفع عنا ما شاء من الشرور والنقم, فله الحمد كله وله الشكر كله؛ لأن بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله, لا إله غيره ولا رب سواه لا نستعين إلا به ولا نعبد إلا إياه ، ألا وإن محبة المؤمنين لربِّهم لهي من أجلى خصائصهم التي أثنى بِها عليهم فقال -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [ البقرة: من الآية165]، ألا وإن من لوازمها ومقتضياتِها أن يطاع سبحانه فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى.

الصفة السابعة والعشرون: محبة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- محبة شرعية: تتجلى فيها طاعته فيما أمر, وتصديقه فيما أخبر, واجتناب ما عنه نَهى وزجر, وأن لا يعبد الله إلا بشرعه المطهر, امتثالاً لأمر الله لنا بذلك في قوله الحق: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [ آل عمران:31]، وامتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.

الصفة الثامنة والعشرون: الرجوع عند مسائل الخلاف إلى كتاب الله عز وجلوإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح: فإن ذلك هو الطريق الوحيد لحل المشكلات وفض النِّزاعات؛ لقول الله تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [ النساء: من الآية59].

الصفة التاسعة والعشرون: التعاون على البر والتقوى: استجابة لأمر الله لنا بذلك في قوله -عز شأنه-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [ المائدة: من الآية2].

الصفة الثلاثون: الرضا بالقدر والقضاء: وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر, إذ القضاء يطلق ويراد به الحكم, ويطلق ويراد به الخلق, وقد يراد به غير ذلك والقدر المراد به التقدير خيرًا كان أو شرًّا.
وقضاء الله نوعان:
أحدهما: كوني.
والثاني: ديني.
فالديني: يجب الرضا به وهو من لوازم الإسلام.
والكوني نوعان:
نوع يَجب الرضا به: كالنعم التي يجب شكرها ومن تمام شكرها الرضا بِها.
ونوع لا يجوز الرضا به: كالمعاصي والذنوب التي يسخطها الله، وإن كانت بقضاء وقدر.

هذه ثلاثون صفة من صفات أهل الإسلام والإيْمان والإحسان وعلى رأسهم العلماء المعلمون الذين هم ورثة الأنبياء, استودعهم الله العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح وكلفهم بتربية الصغار والكبار من الناس فليحسنوا كما أحسن الله إليهم، ألا وإن معظم هذه الصفات عامة وشاملة تندرج تحتها أحكام لا تحصى وأمور لا تستقصى.
ويلي هذه الصفات -التي يجب على المعلم التحلي بِها- صفات ذميمة يجب على المعلم التخلي عنها بالحذر والتحذير منها, فأصغ لها السمع وأمعن فيها النظر وهي من باب الذكرى والذكرى تنفع المؤمنين وهي:-
أ- الحذر من الوقوع في المعاصي كبائرها وصغائرها باطنها وظاهرها: فما هلكت أمة من الأمم الغابرة إلا بسبب اقتراف المعاصي, كالإشراك بالله بجميع أنواعه وشتى صوره, والبدع المحدثة أقوالها وأفعالها باطنها وظاهرها وكبائر الذنوب وصغائرها، كل ذلك من أسباب الشقاء وموجبات السخط من الله على ذويها قال عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى(74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه:74-76].

ب- الحذر من الغفلة عن ذكر الله وما والاه: فكم من الشر المستطير يكسبه الغافل ولشدة خطرها فقد حذر الله منها بقوله الحق: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [ الأعراف:205]، وإذا غفلت ولابد فاستيقظ كي تندرج في عداد من قال الله عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [ الأعراف:201].

ت- الحذر من الوقوع في أعراض المسلمين ودمائهم وأموالهم بغير حق أذن به الشرع: فإن حقوق الخلق أعراضًا ودماءً وأموالاً مبناها على المشاحة والمقاصاة، كيف لا وهي الديوان الذي لا يترك الله منه شيئًا, وذلك لكمال عدلـه سبحانه فهو حَكَمٌ عدلٌ، وقد أعلن النَّبِي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تحريم ذلك في حجة الوداع حيث قال: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت” الحديث. وإذا كان الأمر كذلك فالواجب المبادرة إلى التحلل من تلكم الحقوق حسب القدرة والإمكان؛ لما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون له دينار, ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لَمْ يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه “.

ث- الحذر من الإسراف والتبذير: فقد حرمهما الله في محكم القرآن حيث قال سبحانه: {… وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال -عز شأنه-: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: من الآية 26-27]، ويعظم الإثم وتشتد العقوبة في ما إذا كان إنفاق المال في الحرام كشرب الخمور وأكل القات والدخان والشيشة ونحوها من المخدرات التي ثبت تحريمها بنصوص محكمات، وحقًّا إنَّها لمدمرات لمتعاطيها من جوانب ظاهرات, كالدين والخلق والاقتصاد والصحة والأوقات، وهذه الجوانب عاليات يجب أن تنمَّى بأزكى الطاعات, وتعمر بأفضل العبادات, ولكن أكثر الناس لا يرحمون أنفسهم من قبيح الأعمال وسيء العادات المنكرات.

ج- الحذر من إدخال وسائل الفساد في البيوت: كالدشات الجالبات لجمع من الشرور والآفات, والمفسدات لأخلاق المجتمعات, والأسر المسلمات, ومثلها الأفلام والأغاني الخليعات, وغيرها من وسائل الزيغ والانحرافات, طهر الله من رجسها المجتمعات.

ح- الحذر من لغو القول: وهو كل باطل من كذب وغيبة ونميمة ونكات كاذبة مضحكة وقصص لا تعلم صحته.
واعلم أن لسانك سلاح ذو حدين, إن استعملته في كل قول صالح طيب كنت كمن يعتصر الشمع شهدًا بل وأحلى، وإن استعملته في بذاءة القول وسيئه كنت كمن يعصر الحنظل ليكون له شرابًا وأخزى، فاحذر فلتات لسانك يا معلم الناس الخير واسجنه, فما من شيء أحق بالسجن منه إلا من كلمات الخير والهدى, واسمع إلى وصية نبي الرحمة والهدى وهو يوصي الصحابي الجليل معاذ بن جبل في حديث طويل إذ أخذ النَّبِي -صلى الله عليه وآله وسلم- بلسان نفسه وقال: “كف عليك هذا. فقال معاذ: و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم” أي “فَلَتَاتِهَا”.
ورحم الله القائل:
إن اللسان صغير جِـرْمُه وله *** جُرْمٌ كبيرٌ كما قد قيل في المثل

خ – الحذر من التشبه بأهل الكفر على اختلاف مللهم: سواءً كان في لباسهم الذي ينفردون به, أو مشيتهم ذات الأشر والبطر, أو حلق اللحى وإعفاء الشوارب وتخليب الأظافر, وقصة الميلا والخنافس والقزع, وهو المعروف في موضة العصر بالتواليت وغيرها من عادات الكافرين التي تحارب الدين وتمزق المسلمين ذكورًا وإناثًا إلا من شاء الله رب العالمين.

د- الحذر مما يفعله بعض الحركيين السياسيين: الذين يسعون جادين في محاولة الإطاحة بحكام المسلمين الذين لَمْ يعلنوا كفرًا بواحًا, ويجتهدون في إخفاء مرادهم وكتم منهجهم والتظاهر بالولاء والطاعة لولاة الأمر ألا ساء ما يعملون، ولو أنَّهم مشوا على الجادة الشرعية في الدعوة والتعليم لأثمرت جهودهم هداية ورحمة لمن شاء الله من عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [ الرعد: من الآية7].
ولكن الحركيين المبتدعين أساءوا في البذر, فحصدوا الخيبة والندم ولا حول ولا قوة إلا بالله، فاحذر أن تكون إخوانيًّا حركيًّا سياسيًّا أو قطبيًّا سروريًّا أو رجلاً تبليغيًّا بل ولا تكن مذبذبًا سلبيًّا ولكن كن ربانيًّا سلفيًّا.

ذ- الحذر من اتباع الهوى: الذي فيه انحراف عن سنن الحق وطريق الهدى, وفيه غمط للحق وأهله ونصر للباطل, ونصرة ذويه فقد حذَّر الله منه لشدة خطره وسوء عاقبته حيث قال سبحانه: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب} [ ص: من الآية26]، فاحذره أيها الناصح لنفسه واحذر أهله من كل مصاب بمرض الشبهات, كأهل الأهواء والبدع أو مصاب بمرض شهوة كأهل الفسق والمعاصي وبالأخص المجاهرين بِها, حمانا الله من سوء أفعالهم وقبيح أحوالهم.
ر- الحذر من الخيانة: سواءً فيما بينك وبين الله أو بينك وبين الخلق امتثالاً لقول الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [ الأنفال:27]، ولقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك”.

ز- الحذر من مجالسة أهل البدع أو مُجَالِسهِم ومدافع عنهم: فإنَّهم يخدعونك بالتظاهر بعمق المحبة والإخاء والضم إلى صدورهم عند اللقاء، والله أعلم بما وراء ذلك, ولكن الظاهر لتكون فردًا من أفراد حزبِهم وجنديًّا تصول وتجول في ميدان حركتهم السياسية المعاصرة المتعلقة بقيام دولتهم الوهمية المرتقبة، وهكذا يتعين الحذر من كل صاحب فسق مجاهر ومبتدع داع إلى بدعته.
ورحم الله الفضيل بن عياض حيث قال: “لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنْزل عليك اللعنة” ، وقال أيضًا: “من جلس مع صاحب بدعة فاحذره، آكل عند اليهودي والنصراني أحب إلي من أن آكل عند صاحب بدعة”.
قلت: وما ذلك إلا لشدة خطر البدع والمبتدعين في كل زمان ومكان أعاذنا الله من زيغهم وانحرافهم وهدى الله الجميع إلى سواء السبيل.
هذا ولا تنس خطر المجاهرين بالفسق والمعاصي فإن لهم أثرًا سيئًا على مجالسيهم من الذكور والإناث والشباب والكبار, لأنَّهم جلساء سوء وقد ضرب النَّبِي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لهم ولمن يجالسهم مثلاً منفرًا من مجالستهم حيث قال: “… ومثل جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة”.

س- الحذر من القول في الأحكام الشرعية أو غيرها من مسائل العلم بغير علم: لما في ذلك من نسبة القول إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم وذلك أمر خطير وإثم كبير قال الله -تبارك وتعالى-: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [ الإسراء:36]، وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [ الأعراف:33].
وقال النَّبِي الكريم صلى الله عليه وسلم: “إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار”.

ش- الحذر من العجب والمراء: فإنَّهما من الأعمال المهلكات وليس لهما مكان في كفة الحسنات.

ص- سوء الظن بأهل الخير الذين لَمْ يعرفوا بالبدع المحدثات ولا بالذنوب الموبقات قال الله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}[ الحجرات: من الآية12]، وقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث”، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تظننَّ بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً).

ض- الحذر من احتقار المسلمين: بدون مسوغ من عقل أو نقل لنهي الله عن ذلك بقوله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنّ} [ الحجرات: من الآية11]، لذا فلا يجوز أن يحتقر الفقير لفقره ولا المريض لمرضه ولا الجاهل لجهله ولا دميم الخلقة أو وضيع النسب لدمامته أو ضعف نسبه، بل ولا يحتقر من المعروف شيئًا أيًّا كان نوعه وحجمه فإن عواقب الأمور بيد التواب الغفور.

ط – الحذر من التهاجر والتدابر والتحاسد والتقاطع والتباغض: فإن في ذلك ونحوه فساد القلوب, وإذا فسدت القلوب فسدت المجتمعات وساء الحال والمآل, ولنصغ إلى وصية الناصح الأمين نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- حيث قال: “لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام”. ففي هذا الحديث الصحيح تحذير بليغ من الوقوع في هذه الأمراض التي إذا فشت في مجتمعات المسلمين والمسلمات أفسدتَها وبدلت ألفتها عداوة واجتماعها فرقة وتواصلها قطيعة، فليحذر المسلمون كل شر مستطير وكل فتنة مضلة وهوى متبع، وليكونوا جماعة متحابين متوادين متراحمين، فإن يد الله مع جماعة المؤمنين ومن شذَّ شذَّ في العذاب المهين قال صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. وإذ كان الأمر كذلك فحري بكل مؤمن ومؤمنة أن يكونوا كذلك كما كان أسلافهم الأوائل الذين ملأ الله قلوبَهم إيْمانا فصلح حالهم فتحابوا في الله على غير دنيا ينشدونَها, ولكن في الله ومن أجل الله رغبة ورهبة وخوفًا وطمعًا يرجون رحمة الله ويخافون عذابه.

ظ- الحذر من كتمان العلم عن محتاجيه: فكم فيه من وعيد شديد جاء ذكره في نصوص الكتاب والسنة، قال الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: من الآية187]، وقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “من كتم علمًا ألجم بلجام من نار يوم القيامة”، وإذ كان الأمر كذلك فإنه يتعين على المعلم المتمكن من العلوم الشرعية ووسائلها أن ينشر ما عنده من علم في محتاجيه، ولاشك أن الناس اليوم في المدينة أو القرية أو البادية يحتاجون إلى المعلم والواعظ والناصح والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر, والخطيب في المناسبات الدينية الشرعية رجاء ثواب الله وخوفًا من مأثم الكتمان، وإن الله لسائل كل صاحب علم ماذا عمل فيه كما ثبت بذلك النص, فاللهم سلم سلم.

ع- الحذر من إيواء المحدثين: وهم من يحدثون حدثًا يخل بالدين والمروءة كترك الصلاة تَهاونًا وكسلاً، والمنبعثين في المعاصي صغائرها وكبائرها، والمروجين لإدخال المسكرات والمخدرات، وأصحاب البدع المحاربين للسنة وأهلها والمدافعين عنهم، ومن يتستر على أهل الفساد في الأرض عمومًا، ونحو ذلك مما يلحق به, ومن فعل شيئًا من ذلك واحدة فأكثر فقد عرض نفسه للعنة الله وغضبه كما قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم :”لعن الله من آوى محدثًا”.

غ- الحذر من كتب وأشرطة من ينتقصون بعض أصحاب الرسول ج أو يخوضون فيما شجر ووقع بينهم: فإن التنقص أو الشتم لبعضهم يدل على بغض فاعل ذلك لهم ومن أبغضهم أو تنقص منهم فقد خاب وخسر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الله الله في أصحابي لاتتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فقد يوشك أن يأخذه” ولقوله صلى الله عليه وسلم :”شرار أمتي أجرؤهم على أصحابي”. وكذلك لايجوز لأحد يأتي من بعدهم ويخوض فيما دار بينهم من الحروب أو النِّزاع الذي من كان فيه منهم مصيبًا فله أجران، ومن كان مجتهدًا غير مصيب فله الأجر على اجتهاده والعفو في خطئه، وإن وجد خطأ غير هذا وذاك فهو مغمور في بحر حسناتِهم, ومنها فضل الصحبة الذي لَمْ يشاركهم فيها أحد -رضي الله عنهم وأرضاهم-، ولقد مدح الله المؤمنين الصادقين في إيْمانِهم الذين جاءوا من بعدهم حيث قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيْمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [ الحشر:10].
وأثر عن بعضهم أنه قال عنهم: “أولئك قوم صان الله أيدينا من دمائهم فلنصن ألسنتنا من أعراضهم”.
ولقد هلك في شأنِهم طائفتان الأولى الروافض ومن شايعهم، والثانية النواصب ومن لف لفهم ممن لَمْ يعرف لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقهم على نَهج الكتاب والسنة, بل قلدوا أئمتهم وحكَّموا عقولهم فضلت كل واحدة من الطائفتين عن سواء السبيل، ونجت الطائفة الناجية المنصورة أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة السلف الصالح وأتباعهم إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”.

ف- الحذر من الغضب وعواقبه وشهر السلاح على أحد ممن لايجوز ترويعهم ولو هازلاً: فأما الغضب وثورته فقد وصَّى النَّبِي صلى الله عليه وسلم من طلب منه الوصية بقوله: “لا تغضب”، وأما شهر السلاح على من لايجوز أن يشهر عليهم من مؤمن كريم على الله أو ذي حق أعطاه الإسلام كذمي ومستأمن ومعاهد فقد جاء النهي عن ذلك كله في السنة المطهرة, حيث قال صلى الله عليه وسلم: “لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينْزع في يده فيقع في حفرة من النار”. رواه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم في حق المعاهد ومن في حكمه: “من قتل معاهدًا لَمْ يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا”. أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وفي رواية: “من قتل نفسًا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها”. رواه الإمام أحمد من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
وثبت أيضًا في حق أهل الذمة ما رواه الإمام أحمد بسنده أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل رجلاً من أهل الذمة لَمْ يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عامًا”.
وحقًّا إن هذه النصوص لتذكرنا بما أقدم عليه فرقة من أهل الجهل والتعجل من تفجير في الرياض والخبر بحجة أنَّهم يقصدون النصارى, فأصابوا من المسلمين والنصارى قتلاً وجروحًا بلا مسوغ لهم في قتل المسلمين وبلا مسوغ لهم في قتل النصارى الآمنين في دولة الإسلام, ولكن غرهم بالله الغرور فكان ما كان.

ق- الحذر من الخروج على ولاة أمر المسلمين: سواء منهم أصحاب الولاية العامة أو الولاية الخاصة، وسواء كان الخروج بالسلاح أو بالكلمة الظالمة, كسبهم والدعاء عليهم وتصيد معايبهم ونشر مثالبهم وما إلى ذلك مما يخرب ولا يبني ويفسد ولا يصلح، ولا نقول لا ينصحون ولا ينبهون على خطأ متى حصل, بل يتعين ذلك وهو حق لهم على من يملك القدرة على نصحهم وإعانتهم على الأمور فعلاً وتركًا، وذلك هم العلماء الربانيون العقلاء الناصحون الذين يحسنون النصح بمعاملة كل صنف من الناس بما يليق به عملاً بقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” الحديث, وبقوله صلى الله عليه وسلم: “من أراد أن ينصح لذي سلطان بأمر فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه” الحديث.

ك- الحذر من الخيانة في العمل الوظيفي: وكم لها من نواحي أذكر منها ما يلي:
الناحية الأولى: التقصير الفاحش في الدوام بدءًا واستمرارًا، وما ذلك إلا لأن الدوام له بداية ونِهاية ولا تؤدى الأمانة فيه إلا بالوفاء فيه باستيفاء ساعاته خوفًا من سؤال الله عن تضييع الأمانات, وخشية من سؤاله العبد عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ؟ لأن المال الذي يأخذه المعلم من الدولة مقابل ساعات العمل من ليل أو نَهار والإتيان به على الوجه المرضي، فإذا أهمل في ساعات العمل بأي نوع من أنواع الإهمال أصبح الكسب الذي يأخذه مقابل ساعات العمل حرامًا لما فيه من الخيانة والظلم.
الناحية الثانية: الكذب في الأعذار التي يقدمها بعض المعلمين ويلحق بِهم جميع الموظفين بحيث يعمدون إلى مبررات أركانُها الكذب وركائزها الحيل فقد تنفعهم في الدنيا استنادًا إلى ما قدموا من عذر, ولكن الخطر ينتظرهم إن عاجلاً أو آجلاً، فليحذر معلموا الناس الخير أن يكونوا كالسرج التي تضئ للناس وتحرق أنفسها.
الناحية الثالثة: الإهمال في الأداء أو التقصير فيه، وهذا يتجلى في المحافظة على الحضور في أوقات الدوام كاملة, ولكن يهمل في العمل إخلادًا إلى الراحة وعدم مبالاة بحق الطلبة الذين يحتاجون من المعلم في كل درس معلومات جديدة بعزم قوي وأسلوب نافع مفيد, واستيفاء لدقائق المدة الزمنية كالعقد النضيد، وليس ذلك على المعلم الناجح بصعب ولا عسير ولا بعيد، بإذن الله العزيز الحميد.
الناحية الرابعة: ممارسات أعمال التجارة ونحوها من كل عمل يضعف إثراء المادة العلمية والقوة البدنية عند المعلم, أو يستولي ذلكم العمل على تفكيره لينحصر فيه، فهذا بلا شك يسبب نقصًا في العمل الوظيفي ولو مع المداومة على الدوام والانتظام في الحضور.
الناحية الخامسة: السهر في الليل لأي غرضٍ كان، فإن له أكبر الأثر في ضعف أداء العمل والمحافظة على أوقات الدوام, فإن الإنسان ضعيف والنفس تطالب صاحبها بحقها والعين كذلك تطالبه بحقها ومن حقهما بذل النصيب الكافي لهما من الراحة والنوم ووقتهما الليل لمن عمله بالنهار, فإن حرمتا حقهما في الليل فإنَّهما ستطالبان بالقضاء في النهار, فيعود الضرر حينئذٍ على العمل الوظيفي، وإذ كان الأمر كذلك فليكن المسلمون عمومًا والمعلمون خصوصًا حكماء في التخطيط لأوقات الأعمال وأوقات الراحة والنوم، ولا يوجد تخطيط مثل ما رسمه الإسلام لبني آدم من راحة ونوم في الليل وانتشارًا في النهار لطلب المعيشة وقضاء الحاجات كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان:47]. وقوله عز وجل ممتنًا على عباده: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا(9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ:9-11].
وعلى العموم فليحذر كل موظف أو أجير أو شريك في عمل أو نحوهم من الإهمال فيما أنيط بِهم من أعمال أو التقصير بدون مسوغ شرعي, إذ إن المسئولية واحدة ووجوب أداء الأمانة فيها كذلك, فليرحم الموظف من ذكر وأنثى نفسه ومثلهم من كان في حكمهم ممن سبق ذكرهم, وحقًّا ما قاله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:”كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها”.
والله المستعان.

المصدر : كتاب العقد المنضد الجديد في الإجابة على مسائل في الفقه و المناهج و التوحيد ، أجاب عليها العلامة زيد المدخلي حفظه الله ، الجزء الأول ، صفحة 193 – 218
 

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:52 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML