إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما …
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واصبروا على ما أصابكم إن ذلك من عزم الأمور أيها الناس إن المعروف إذا لم يؤمر به ولم يحي بالعمل به والتواصي فيه إنه إذا لم يؤمر به ولم يحي بالعمل به والتواصي فيه ضاع واضمحل فإنهدم بذلك جانب من دينكم وصار العمل بهذا المعروف منكراً مستغرباً بين الناس وإن المنكر إذا لم ينهى عنه ويحذر الناس بعضهم بعضاً منه شاع المنكر وانتشر بين الناس وأصبح معروفاً لا ينكر لا ينكر ولا يستغرب وقيسوا ذلك بما انتشر بينكم من منكرات وقيسوا ذلك بما انتشر بينكم من منكرات كنتم تنكرونها من قبل وتستغربون وجودها بينكم ألا تنظرون إلى ما شاع بين الناس الآن من الأغاني المنكرة الهدامة للأخلاق والتي تباع علناً وعلى مسمع ومرءاً من جميع الناس صغيرهم وكبيرهم وكان مثل هذه الآلات التي تبث هذه الأغاني كان مثلها قبل زمن غير بعيد إذا عثر عليه فإنه يكسر أمام جوامع المسلمين إذلالاً لمن قام به وإتلافاً لهذا الأمر المنكر أما الآن فإنه صار أمراً لا يستغرب ولا ينكر وذلك لأن الناس استمرأوه وصار أمراً هيناً عليهم ولم يعبئوا به نسأل الله السلامة من عواقبه أيها الناس إن كثيراً كثيراً من المسلمين لا يشكون في فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يمترون في فائدته للأمة ولدينها في الحاضر والمستقبل ولكنهم يتقاعسون عن ذلك إما تهاوناً وتفريطا وإما اعتماداً على غيرهم من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإما يئساً من الإصلاح وقنوطاًً من رحمة الله وإما جبناً يلقيه الشيطان في قلوبهم وتخويفاً من أعداء الله والله يقول (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175) أيها المسلمون يا أيها المؤمنون إن تخويف الشيطان إياكم أوليائه أو تسليطهم عليكم لا ينبغي ولا يليق بكم وأنتم مؤمنون أن يمنعكم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ذلك أعني التخويف أو التسليط أمر لابد منه إلا أن يشاء الله إن ذلك أمر لابد منه امتحاناً من الله وإبتلاء إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قائم مقام الرسل كما قال الله في وصف خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ) فإذا كان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قائماً مقام الرسل فلابد أن يناله من الأذى ما يناله كما قد لاقى الرسل صلى الله عليهم وسلم ولقد لاقى الأنبياء والرسل لاقوا من أقوامهم أشد الأذى وأعظمه حتى بلغ ذلك إلى حد القتل قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (آل عمران:21) أيها المسلمون هذا أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام لبس في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فكان ملأهم وأطرافهم يسخرون منه ولكنه صامت في دعوته معتمد في ذلك على ربه يقول لهم (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُون * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (هود:38-39) حتى قالوا متحدين له يا نوح قد جادلتنا فأخطرت جدالنا فأتنا بما تعدنا به إن كنت من الصادقين وقالوا مهددين له ( لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ) أي من المقتولين رجماً بالحجارة وهذا إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله وسلامه عليه وإمام الحنفاء لبس في قومه ما شاء الله يدعوهم إلى الله عز وجل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ( اقتلوه أو حرقوه ) فما ثنى ذلك عزمه ولا أوهنه عن دعوته مضى في سبيل دعوته إلى ربه بعزم وثبات وأزال منكرهم بيده فغدا إلى أصنامهم فكسرها حتى جعلها جزازاً إلى كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون فلما رجعوا إلى أصنامهم وعلموا أن الذي كسرها إبراهيم طلبوا أن يؤتى به ليوبخوه على أعين الناس فيشهد الناس ما فيشهد الناس ما يقول فهل جبن عليه الصلاة والسلام هل جبن أن يقول كقول الحق في هذا المقام العظيم كلا والله بل قال له موبخاً ( أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الانبياء:66-67) فعزموا على تنفيذ ما هددوه به وقالوا (حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)(الانبياء: من الآية68) فأضرموا ناراً عظيمة وألقوا فيها إبراهيم وهي أشد ما تكون احتراقاً ولكن رب العزة خالق كل شئ من يقول للشئ كن فيكون قال لهذه النار العظيمة ( كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)(الانبياء: من الآية69) فكانت برداً لا حر فيها وسلاماً لا أذى فيها وهذا موسى صلى الله عليه وسلم ماذا حصل له من فرعون المتكبر الجبار دعاه موسى إلى الله العلي الأعلى وقال له ( إني رسول رب العالمين ) فقال فرعون ساخراً له ( وما رب العالمين ) ( وقال لملأ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ) ثم توعد موسى قائلاً ( لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)(الشعراء: من الآية29) فهل خاف موسى من ذلك هل وهنت عزيمته عن الدعوة إلى الله عز وجل بل مضى في ذلك حتى بين لفرعون وقومه ما يهتدي به اولوا الألباب ولكن فرعون استمر في غيه واستكباره وقال مهدداً موسى بالقتل ومتحدياً له متحدياً له أن يدعو ربه (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)(غافر: من الآية26) وقال لوزيره هامان ساخراً لله رب العالمين ( يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً )(غافر: من الآية36-37) لكن موسى صلى الله عليه وسلم صبر على كل ما لاقاه من فرعون وقومه حتى كانت العاقبة له وكانت نتيجة فرعون وقومه ما ذكر الله ( إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُون * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:24-29) وهذا عيسى صلوات الله وسلمه عليه أوذي من جانب اليهود فكذبوا ورموا أمه بالزنا وعزموا على قتله واجتمعوا عليه فألقى الله على سخطه رجل فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه وقالوا إناَ قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله قال الله قال الله تعالى مكذباً لما ادعوه من القتل والسلب () وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:157-158) أنجا الله عيسى من هؤلاء القتلة فرفعه الله إليه رفعه الله إليه إلى السماء وسينزل في آخر الزمان سينزل في الأرض وسيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا خاتم الرسل خاتم الرسل وأفضلهم وسيدهم أعظم الخلق جاهاً عند الله هل سلم من الأذى في دعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لا ما سلم من ذلك بل ما له على هذا من الأذى القولي والفعلي ما لا يصدر عليه إلا مثله صلوات الله وسلامه عليه لم يثنه ما ذاق من قومه لم يثنه عن دوعته إلى الله عز وجل دعاهم إلى عبادة الإله الواحد فقال الكافرون ( هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشئ عجاب ) وكانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم اتخذوه هزوا وقالوا ساخرين به ( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا )(الفرقان: من الآية41-42) وقالوا له قالوا له يخاطبونه وجهاً لوجه (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر:6) وقال الظالمون ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(الاسراء: من الآية47) (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (الطور:30) وآذوا النبي أفضل الخلق عند الله خاتم رسل الله صلوات الله وسلامه عليه آذوه بكل ألقاب السوء والسخرية ولم يقتصروا على ذلك فحسب بل آذوه بالأذى الفعلي فكان أبو لهب وهو عمه وجاره يرمي بالقذر على باب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج صلوات الله وسلامه عليه فيزيله ويقول ( يا بني عبد مناف أي جوار هذا ) وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال قائل منهم أيكم يذهب إلى جزور آل فلان أي ناقتهم فيجيئ بكلاها ودمها وفرثها فيضعه على ظهر محمد إذا سجد فذهب أتقى القوم فجاء به فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضع هذا على ظهره بين كتفيه قال ابن مسعود رضي الله عنه وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كان لي منعة فجاء أبو جهل ومن معه فجعل أبو جهل ومن معه يضحكون حتى يميل بعضهم إلى بعض من الضحك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد بين يدي ربه لا يرفع رأسه حتى جاءت ابنته فاطمة تسعى وهي سويريه حتى ألقته عنه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال ( اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش ) ثم سمى فلاناً وفلانا وفي صحيح البخاري أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيب فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديدا يريد أن يغتاله قاتله الله فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبي عدو الله ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ولما اشتد به الأذى من قومه في مكة خرج إلى الطائف رجاء أن يأوه ويمنعوه من قومه فلقي من أهل الطائف أشد ما يلقى من آذى وقالوا له أخرج من بلادنا وأغروا به سفهاءهم يقفون له في الطريق ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أتفق إلا وأنا بقرن التعالب ) أيها المسلمون إن هذا الصبر العظيم على هذا الآذى الشديد الذي لقيه النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه من أولوا العزم من الرسل إنه لأكبر عبرة يعتبر بها المؤمنون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ليصبروا على ما أصابهم ويحتكموا الأجر من الله ويعلموا أن للجنة ثمناً (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) ألا إن نصر الله قريب ألا إن نصر الله قريب يا عباد الله لا تيئسوا فإن الحق للحق دولة لابد أن يكون لابد أن يكون العاقبة للمتقين فيا عباد الله مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واصبروا على ما أصابكم وتعاونوا على الحق وتواصوا به وبالصبر والمرحمة واعلموا أنكم إذا صدقتم الله عز وجل في النية واستعملتم الحكمة في الدعوة إليه فإن العاقبة لكم مهما طال الزمن وإن من يقاتلكم لأحقر وأذل من أن من أن يدفع حقكم بباطله فاتقوا الله عباد الله وكونوا أعواناً على الحق وكونوا أنصاراً لدين الله فإن الله يقول ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40-41) ما أحلى آخر هذه الآية ولله عاقبة الأمور إذن فمن الذي يتولى تدبير الأمور ويجعل العاقبة لمن قاموا بأمر الله أليس هو الله وحده الذي يقول للشئ كن فيكون إن الله يقدر من أسباب النصر ومن أسباب العز ومن أسباب الكرامة لمن يقومون بأمره يقدر لهم من ذلك ما لا يحضر لهم من ذات ولا يدور في الخيال وإن الله عالم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا في انتظر فريضة من فرائضك أن تجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر المخلصين لك المتبعين لرسولك المصلحين لعبادك اللهم اهدي ولاة أمورنا اللهم أهدي بطانتهم اللهم يسرهم لليسرى وجنبهم العسرى واغفر لهم في الآخرة والأولى اللهم انا نسألك أن تصلح رعيتنا ورعاتنا وشبابنا وشيوخنا وذكورنا وإناثنا وصغيرنا وكبيرنا اللهم أجعلنا أمة مسلمة لك اللهم اجعلنا من الهداة المهتدين الصلحاء المصلحين يا رب العالمين اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين …
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم المحشر وسلم تسليما …
أما بعد
أيها الناس فإني رأيت ظاهرة ليست بجيدة بل هي تدل على التخلف وعدم الرغبة في الخير ألا وهي التأخر عن الحضور إلى صلاة الجمعة فأنا عندما جئت الآن وجدت أن أكثر المكان خالياً حتى إني لأشاهد الصف الأول من الجهة اليسرى والآن امتلأ المسجد ومعنى ذلك أن أكثركم لا يأتي إلا بعد مجئ الإمام وإني أقول لهؤلاء المتخلفين أنظروا يا أخواني في أنفسكم أنظروا في مستقبلكم الذي ينفعكم إذا انفردتم في قبوركم عن أهليكم وأموالكم وأولادكم لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من اغتسل يوم الجمعة اغتسل ثم ذهب إلى المسجد في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة أما إذا حضر الإمام فإن الملائكة تطوي الصحف وتحضر لاستماع الخطبة ولا يكتب لأحد أجر حضور وإن كانت الجمعة تجزئه إني أقول والله لو كان أحداً واقفاً عند باب هذا المسجد يقول من جاء بعد صلاة الفجر مباشرة فأنا أسلم له ألف ريال ألف ريال فقط لوجدت المسجد يمتلأ قبل أن تطلع الشمس مع أن الناس ستساوي خمسة آلاف ريال أو أكثر وهذه الناقة التي تدركونها إذا أتيتم في الساعة الأولى ليست كناقة الدنيا تموت أو تذهب أو يموت عنها صاحبها ولكنها ناقة يبقى لكم أجرها عند الله يوم القيامة تجدونه أحوج ما تكونون إليه أفلا يدع الإنسان الكسل والتهاون ويتقدم إلى المسجد بعد ان يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه إن هذا لأمر هين أيها الأخوة إن كثيراً منكم إنما يمضون الوقت في التسكع في الأسواق بدون فائدة أو في التناوب في بيوتهم بدون حاجة وإنهم لو تقدموا إلى المسجد لكان خيراً لهم يصلون ما شاء الله ويقرأون ما شاء الله من كتاب الله ويهتدون الحقيقة أن هذا أمر يؤسف له فأرجو ثم أحثكم أيها الأخوة على التقدم إلى الجمعة وجربوا ذلك جمعة بعد جمعة ستجدون هذا الأمر يسهل عليكم وستجدون لذة في التقدم إلى المسجد تتلون كتاب الله تصلون ما شاء الله حتى يحضر الإمام وستكون عاقبة ذلك حميدة لكم في الدنيا والآخرة أما هذا التأخر وربما يتأخر بعضكم ولا يتصل بالجمعة أيضاً وهذا بلاء على بلاء تأخر أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يوماً في صلاة الجمعة فلم يحضر إلا وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس فلامه عمر لام عثمان على ملأ على مسمع الناس الحاضرين كيف يتأخر إلى هذا فقال والله يا أمير المؤمنين ما عدا أن توضأت ثم حضرت وكأنه رضي الله عنه حصل له عائق يعوقه فلم يغتسل فقال له عمر منكراً عليه والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ) والجمعة ليست كل ساعة وليست كل يوم وإنما هي يوم واحد في الأسبوع يوم ادخره الله لكم لهذه الأمة وحرمه اليهود والنصارى ادخره لكم فاشكروا الله على هذه النعمة وخذوا من هذا اليوم بنصيب أسأل الله تعالى أن يجعل لي ولكم من كل خير نصيباً ننتفع به في الدنيا والآخرة واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار اللهم أعذنا من البدع يا رب العالمين اللهم أجعلنا من أهل السنن الذين يتمسكون بسنة نبيك ويبتعدون عن كل بدعة في دينك يا رب العالمين اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطنا اللهم اجعله هو إمامنا في الدنيا والآخرة اللهم أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين وعن زوجاتهم أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ارضى عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم أيها المسلمون إن كثرة الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل سبب لجلب المنافع ودفع المضار سبب لنزول الغيث سبب لانتشار الأمن سبب للخير والسعادة في الدنيا والآخرة قال الله عز وجل عن نوح عليه الصلاة والسلام (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل) (نوح:7-10) …
من موقع بن عثيمين