منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى الفقه وأصوله


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي محمد الفاريابي مخالفة
محمد الفاريابي غير متواجد حالياً
 
محمد الفاريابي
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 59
تاريخ التسجيل : Nov 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 163 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي بيان أن الزكاة واجبة وأنها قرينة الصلاة في محكم القرآن - الحث على اغتنام الأوقات في الخير

كُتب : [ 09-21-2011 - 11:28 PM ]

الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله الذي أنعم علينا بالأموال، وأباح لنا التكسبَ بها عن طريقِ الحلال، وشرَعَ لنا صرفها فيما يرضي الكبير المتعال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذو الإنعام والإفضال، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أزهدُ الناس في الدنيا وأكرمهم في بذلها على الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واشكروه على ما خوَّلكم من النعم من أموال وبنين، وأدّوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم التي رزقكم الله إياها من فضله .
لقد أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا ولا تملكونَ لأنفسكم ضرًّا ولا نفعًا، ثم يسّرَ لكم الرزق وأعطاكم ما ليس في حسبانكم، فقوموا - أيها المسلمون - بشكرِ هذه النعمة، وأدّوا ما أوجب الله عليكم في هذه الأموال لتبرئوا ذممكم، وتزكّوا نفوسكم، وتطهّروا أموالكم، وتُحِلوا فيها البركة بِما بذلتم لله، واحذروا الشح والبخل بِما أوجب الله عليكم؛ فإن في ذلك هلاككم ونزعَ البركة من أموالكم .
أيها المسلمون، إن هذا المال الذي أعطاكم الله إياه إنما هو عاريّة لكم وأنتم عاريّة له؛ إنه سوف يذهب عنكم في حياتكم أو تذهبون أنتم عنه بمماتكم، وإنكم إذا لم تؤدّوا ما أوجب الله عليكم في هذه الأموال فستكون عليكم حسرةً وندامة، وستكون غنيمة لِمَن بَعدكم من الورّاث، قد يرثها قومٌ لا يذكرونكم بخير، قد يرثها قوم يفرحون أن آلت أموالكم إلى أيديهم وأنتم أبغض الناس إليهم .
أيها الناس، إن من أعظم ما أوجب الله عليكم في أموالكم وأوكده هي: الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام، وقرينة الصلاة في محكمِ القرآن، فمَن جحد وجوبها كان كافرًا مرتدًا عن الإسلام، ومَن أَقَرَّ بوجودها فمنعها بُخلاً وتهاونًا عرّضَ نفسه للعقوبة والآثام، أَلا وإن الزكاةَ واجبةُ في الذهب والفضة على أي حالٍ كانت سواءٌ كانت جنيهاتٍ وريالات، أم قطعًا من الذهب والفضة، أم حُليًّا من الذهب والفضة سواء كان هذا الحلي يُلبس أو يُعار أو معدًّا للبيع أو التأجير، فالذهبُ والفضة جاءت نصوصُ الكتاب والسنّة بوجوب الزكاة فيهما عمومًا بدون تفصيل، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة صُفّحت صفائح من نار وأُحمى عليها في نارِ جهنم فيكْوى بها جنْبهُ وجبينهُ وظهره، كلّما بردت أُعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنه ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار».
أيها المسلمون، هذا الحديث دلَّ عليه كتاب الله في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34-35] .
إن كنزَ الذهب والفضة هو أن يبخلَ الإنسان بِما أوجب الله عليه فيهما من زكاة وغيرها، فمَن أدّى ما أوجب الله عليه في الذهب والفضة فليست بكنزٍ ولو كانت في قعرِ الآبار، ومَن منع ما أوجب الله فيها من زكاة وغيرها فهي كنزٌ ولو كانت على رؤوس الجبال .
فاتَّقوا الله - أيها المسلمون - وأدّوا ما أوجب الله عليكم من زكاة الذهب والفضة .
ولقد جاءت نصوصٌ من السنّة المطهّرة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - «أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكَتان غليظتان من ذهب- يعني: سِوارين غليظين -فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَتُعْطِين زكاة هذا ؟ قالت: لا، قال: أَيَسُرّك أن يسوِّرك الله بهما سِوارين من نار ؟فخلعتهما وألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت: هما لله ورسوله»، وهذا الحديث حديثٌ له شواهد متعدّدة، قال في «بلوغ المرام»: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي، ويعضده عموم الحديثُ السابق؛ وعلى هذا فإذا جاءت السنّة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا قولَ لأحدٍ بعدها؛ لأن الله يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: 59]، ولكن لا تجبُ الزكاة في الذهب والفضة حتى يبلغا نصابًا، فنصاب الذهب عشرون مثقالاً وزْن أحد عشر جنيهًا سعوديًّا وثلاثة أسباع جنيه فما دون ذلك لا زكاة فيه إلا أن يكون للتجارة فتجب الزكاة فيهِ وإن كانَ دون ذلك إذا بلغت قيمته نصابَ الفضة ونصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً وزْن ستة وخمسين ريالاً عربيًّا سعوديًّا، ومقدارُ الواجبِ في زكاة الذهب والفضة رُبع العشر؛ يعني: واحدًا من أربعين .
وتجب الزكاة في أوراق النقد إذا بلغت ما يساوى ستةَ وخمسين ريالاً عربيًّا سعوديًّا وفيها رُبع العشر، وتجب الزكاة في الديون وهي: الأطلاب التي في ذممِ الناس، لأن هذه الديون ملكٌ للدائن تورث عنه ويملكُ إسقاطها والمطالبة بها فهي بمنزلة الأعيان التي في يده لكن لا تجب إلا إذا كانت من الذهبِ أو الفضةِ أو الأوراق النقديّة وبلغت نصابًا بنفسها أو بضمّها إلى ما عنده من جنسها .
تجب الزكاة في هذه الأطلاب سواء كانت حالّة أو مؤجّلة، فإن كانت على غنيٍّ وجبت زكاتها كلَ سنة لكن إن شاء أخرجَ زكاتها مع ماله وإن شاء انتظرَ حتى يقبضها ثم يزكّيها لكل ما مضى من السنين .
أما إن كانت الديون على فقيرٍ لا يستطيع الوفاء فلا زكاةَ فيها حتى تُقبض؛ لأنها في حكمِ المعدوم؛ حيث إن الدَّيْن الذي على الفقير لا يجوزُ للمرء أن يُطالبَ به فيكون في حكم غير المقدور عليه، ولكن إذا قبضَ هذه الديون التي في ذمم الفقراء فإنه يُزكيها سنةً واحدة ولو مضى عليها أكثر من ذلك .
وتجب الزكاةُ في عروض التجارة وهي: كلُّ مالٍ أعدهُ مالكه للبيع تكسّبًا به وانتظارًا للربح من العقارات، والسيارات، والمكائن، والأطعمة، والأقمشة وغيرها، فتجبُ الزكاة فيها كلَ سنة وهي ربعُ عُشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تَمَّ الحولُ وجب أن يثمّن ما عنده ويُخرج ربعَ عشرِ قيمته سواء كانت عند الحول مثل الثمن الذي اشتراه به أم أقل أم أكثر، فإذا اشترى سعلة للتجارة بألف مثلاً وكانت تساوي عن تمام الحول ألفين وجب عليه زكاةُ ألفين، وإن كانت عند تمام الحول لا تساوي إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاةُ خمسمائة .
وعلى صاحبِ الدكان الذي أعدَ ما في دكانه للتجارة عليه أن يُحصي جميعَ ما في دكانه من أموالِ التجارة دقِيقَهِ وجليلَه، مثْمَنهُ ورخيصه، ويحاسِب نفسهُ على ذلك قبل أن يُحاسَب عليه في الآخرة، فإن كان يبيعُ بالجملة ثَمَّنه بالجملة، وإن كان يبيع بالتفريد ثَمَّنه بالتفريد، وإن كان يبيعُ بالجملة أحيانًا وبالتفريد أحيانًا فالاحتياط أن يثمِّنه بِما هو أنفعُ للفقراء وأهل الزكاة، ولا زكاة على صاحب الدكان في الأشياء التي يضعُ فيها البضاعة كالدواليب والرفوف ونحوها؛ لأنه لا يعدّها للتجارة، ولا زكاة على الإنسان في بيتهِ الذي يسكنه أو سيارته التي يركبها أو ماكينة فلاحتهِ أو أثاث بيته ولو كثر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليسَ على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» .
وإذا كان للإنسان عقارٌ يؤجره أو سيارة يؤجرها أو يكدّها بالأجرة أو معدّات يؤجّرها فلا زكاةَ عليه في ذلكَ كُله وإنما الزكاة فيما يحصل من أجرته .
وإذا كان له أرضٌ يريد أن يبني عليها بيتًا للسكنى أو للإجارة فلا زكاةَ فيها، وإن كان ينتظر بها الربح ففيها الزكاة؛ لأنها عروضُ تجارة فيثمِّنها عند تمام الحول ويُخرج ربع عشر قيمتها، وإن أبقاها - أي: الأرض - أبقاها للحاجة يقول: إن احتجت بعتها وإلا أبقيتها فلا زكاة عليه فيها، ولا تجب الزكاة في السنة إلا مرّةً واحدةً، فلا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، فلو تلفَ المال قبل تمام الحول أو نقص النصاب فلا زكاة فيه، وإذا مات المالكُ قبلَ تمام الحول فلا زكاة عليه، ويبتدئ الوارث حول المال الذي ورثه من جديد فإذا تَمَّ الحولُ عليه زكّى ما تجب فيه الزكاة منه .
ويُستثنى من ذلك ربحُ التجارة؛ فإن ربحَ التجارةِ لا يشترط له الحول وإنما ينبني حولهُ على رأس المال، فإذا اشترى شيئًا بألف وقبل تمام الحولِ بشهر ربح فيه ألفًا وجبت عليه زكاةُ ألفين .
وإذا كان الشخص يملك المال شيئًا فشيئًا كالرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحولَ عليه الحول، وإذا كان يشقُ عليه ملاحظةُ ذلك فلْيجعل لزكاته شهرًا معيَّنًا من السنة يُحصي فيه جميع ما عندهُ من أموال الزكاة ويُخرج زكاته في هذا الشهر، فما تَمَّ حوله فقد زكّاه في وقته وما لم يتم حوله فقد عجَّلَ زكاته وتعجيل الزكاةُ جائز وهذا أريح للإنسان وأسلم من الاضطراب أو شغل الذمة .
أيها المسلمون، إن الزكاة لا تنفع ولا تبرأ بها الذمة حتى توضع في الموضع الذي جعلها الله فيه وهم الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله - عزَّ وجل - في سورة التوبة ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60] .
فالفقراء والمساكين هم: الذين لا يجدونَ كفايتهم وكفايةَ عائلتهم، ويجوز أن تصرف زكاتك لشخص محتاج للزّواج إذا لم يكن عندهُ ما يتزوّجُ به، والعاملون عليها هم: الذين ينصبهم ولاة الأمور لقبضها من أهلها وصرفها في مستحقها، وأما الوكيل الخاص لشخصٍ معيّن يعطيه زكاتهُ يوزّعها فليسَ من العاملين عليها، لكن إن قبِلَ الوكالة تبرّعًا فله أجرٌ عند الله وإلا أعطاه المالكُ من مالهِ لا من الزكاة .
أما الغارمون فهم: الذين عليهم أطلابٌ لا يستطيعون وفاءها فيعطَون من الزكاة لوفاء ديونهم أو يُعطى مَن يطلبهم وهذا أحسن؛ أي: أنك إذا علمت أن فلانًا مطلوب وهو لا يستطيع الوفاء فإن الأحسن أن تذهبَ إلى مَن يطلبه وتوفي عنه؛ لأنك لو أعطيتها هذا الفقير فربما يفسِدها ولا يقضي بها دَيْنه، وأما إذا أسقطت الدَّيْن عن الفقير ونويته من الزكاة فإنه لا يجزئ، وكذلك لا يُقضى من الزكاة دينٌ على ميت، فإذا ماتَ إنسان فقير وعليه ديون فإنه لا يجوزَ أن تُقضى هذه الديون من الزكاة؛ وذلك لأن الزكاة للأحياء فقط وليست للأموات .
ولقد كان الميت يؤتى به عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه دَيْن فكان لا يقضي دَيْنه من الزكاة التي عنده، ولكن لَمَّا فتحَ الله عليه صار يقضي الزكاةَ مِمّا فتح الله عليه، ولو كانت الزكاة تجزئ في قضاءِ دَيْن الميت لكان أسبق الناس إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا نعلمه من حرصه على وفاء الديون وإبراء ذمم أمته صلوات الله وسلامه عليه .
إذنْ: فلا يجوز أن يُقضى عن الميت دَيْن من الزكاة، والميت إذا مات وقد أخذ الدَّيْن وهو بنيّة الوفاء فإن الله تعالى يقضيه عنه بفضله وإحسانه، وإذا دفعتَ الزكاة لِمَن تظن أنه مستحق ثم بعدَ ذلك تبيَّن لك أنه لا يستحق فقد بلغت الزكاةُ محلّها وأجزأت، والإثم على مَن أخذها وهي لا تحلُ له .
وفَّقني الله وإياكم لأداء ما يجب علينا من مال أو عمل، وجعلنا من المسارعين إلى الخيرات على الوجه الذي يرضيه عنّا، ووهب لنا منه رحمة وزادنا من فضله؛ إنه جوادٌ كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كلِ ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانه، وأشكرهُ على توفيقهِ وامتنانه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيّته وربوبيّته وسلطانهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسوله المؤيدُ ببرهانه، الداعي إلى جنتهِ ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
أيها الناس، فإننا على أبواب ختام المدارس أبوابها بل إننا على أبواب تغلقُ فيه المدارس أبوابها وتأتي العطل التي قد تكون لبعضِ الدارسينَ محنة وقد تكون لقوم آخرين منحة، فمَن استغل هذه الفرصة بِما ينفعه في دينه أو دنياه كانت له منحة وذلك بأن يلتحقَ بالنشاطات المفيدة كالمراكز الصيفيّة التي يقوم عليها أناس مؤتمنون عند الناس، وكذلك يلتحق بمجالسِ العلم وبدور الكتب حتى ينتفعَ من وقته، وإذا كان لا يتمكّن من ذلك فإن بإمكانه أن ينضم إلى أبيه في تجارته أو فلاحته فيكتسب من ذلكَ خيرًا كثيرًا .
أوجهُ هذا القول للشباب الذين يدركون ما نقول، أما الشباب الصغار فإن مسؤوليتهم على آباءهم، كانت المدرسة تتحمّل مسؤولية كبيرة في أيام الدراسة ولكن إذا أغلقت المدارس أبوابها صارَ عبء المسؤولية كاملاً على الآباء، فعليهم أن يراقبوا هؤلاء الشباب الصغار مراقبةً تامَّة وأن يحرصوا على أن يلازموهم حتى يوجهوهم فيما فيه الخير والصلاح؛ لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله يوم القيامة؛ ولأن صلاحهم يعود بالفائدةِ على آبائهم، قال الله تعالى: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علْم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له» .
فإذا وفَّقك الله لمراعاة أولادك والعنايةِ بهم وتأدّبوا أدبًا صالِحًا كانوا قرّةَ عينٍ لك في الدنيا وفي الآخرة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أو ولد صالح يدعو له» .
وأما إن فرّطت فيما وجب عليك من رعايتهم فإنهُ يوشك أن يفرّطوا فيما يجبُ عليهم من بِرِّك، فيكونونَ عقوقًا عليكَ ومحنةً عليك في الدنيا والآخرة .
فاتَّقوا الله - أيها المسلمون - ولا تضيعوا مثل هذه الفرص الثمينة بشيء لا تستفيدون به لا في دنياكم ولا في أخراكم بل ربما تتضررون به .
واعملوا «أن خير الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكلُ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، فعليكم بالجماعة؛ فإن يدَ الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه وبحمده: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56]، فامتثلوا أمر الله بالصلاة والسلام على نبيِّه وأكْثروا من ذلك؛ فإن «مَن صلّى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّةً واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» .
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ونبيّك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتّباعهُ ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن بقيةِ الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصْلحت أحوالهم يا رب العالمين .
اللهم انصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم أحبط كيدَ الكافرين الذين يمكرون بالمسلمين ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30] .
اللهم مَن أراد بالأمة الإسلامية شرًّا فاجعل كيدهُ في نحره، وأفسِد عليه أمره، وشتِّت شمله، واهزم جنده، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .
أيها الإخوة، إنه لا يفوتني أن أشكر رجالَ المرور على عنايتهم في تنقية مداخل المسجد، ولكنني أيضًا أُنَبِّه إخواننا المواطنين أنه يجب عليهم أن يراعوا إخوانهم المصلّين وألا يدعوا السيارات مكدَّسةً عند أبواب المساجد، فها نحن نجد الباب الجنوبي الذي تحت المنارة خاليًا بسببِ جهود رجال المرور، ولكننا نجد البابَ الشرقي مكدَّسًا بالسيارات ونرجو من رجال المرور أن ينتبهوا لذلك ونرجو قبل هذا من المواطنين أن يكون لديهم شعورٌ بإخوانهم المسلمين، وألا يكون الإنسان أنانِيًّا يسعى لمصلحةِ نفسهِ فقط، ولْيعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يؤمنُ أحدكم حتى يحبَ لأخيه ما يحبُ لنفسه»، ولْيعلم أيضًا أن السيارات التي تكون في ممرات الناس تكون من الأذى الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة».
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِه يزِدْكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .
 

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:53 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML