كلام نفيس لابن سعدي رحمه الله
ذكر الشيخ عبيد الجابري حفظه الله في كتابه تيسير الاله في شرح شروط لا اله الا الله كلاما نفيسا لابن سعدي رحمه الله وذلك في تعليقه على الشرط الاول الا وهو العلم بمعناها (لا اله الا الله) نفيا واثبانا.
قال ابن سعدي رحمه الله : " العلم لابد فيه من إقرار القلب ، بمعنى ما طلب منه علمه ، وتمامه ، أن يعمل بمقتضاه . وهذا العلم ، الذي أمر الله به – وهو العلم بتوحيد الله – فرض عين على كل مسلم ، لا يسقط عن أحد ، كائنا من كان ، بل كل مضطر إلى ذلك. والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا الله ، أمور :
أحــدهــما : بل أعظمهما :- تدبير أسمائه وصفاته ، وأفعاله الدالة على كماله ، وعظمته ، وجلاله ، فإنها توجب بذل الجهد في التأله له ، والتعبد للرب الكامل ، الذي له كل حمد ومجد ، وجلال وجمال .
الـثـانـي : العلم بأنه تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية .
الـثـالث : العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية . فإن ذلك ، يوجب تعلق القلب به ، ومحبته ، والتأله له وحده لا شريك له.
الـرابــع : ما نراه ونسمعه ، من الثواب لأولوية القائمين بتوحيده ، من النصر ، والنعم العاجلة ، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به ، فإن هذا ، داع إلى العلم ، بأنه تعالى وحده ، المستحق للعبادة كلها .
الخامس :معرفة أوصاف الأوثان والأنداد ، التي عبدت مع الله ، واتخذت آلهة ، وأنها ناقصة من جميع الوجوه ، فقيرة بالذات ، لا تملك لنفسها ولا لعابدها ، نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ، ولا حياةً ، ولا نشوراً ، ولا ينصرون من عبدهم ، ولا ينفعونهم بمثـقال ذرة ، من جلب خير ، أو دفع شر ، فإن العلم بذلك ، يوجب العلم ، بأنه لا إله إلا الله ،وبطلان إلهية ما سواه.
الـسـادس : اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه .
الـسـابــع : أن خواص الخلق ، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقاً وعقولاً ، ورأيا ، وصواباً ، وعلما – وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون – قــد شهدوا لله بذلك.
الـثـامـن : ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية ، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة ، تنادي عليه بلسان حالها ، بما أودعها من لطف صنعته ، وبديع حكمته ، وغرائب خلقه ، فهذه الطرق ، التي أكثر الله من دعوة الخلق بها ، إلى أنه لا إله إلا الله ، وأبداها في كتاب ، وأعادها ، عند تأمل العبد في بعضها ، لابد أن يكون عنده يقين ، وعلم بذلك ، فكيف ، إذا اجتمعت وتواطأت ، واتفقت ، وفامت أدلة للتوحيد من كل جانب .
فهناك يرسخ الإيمان والعلم بذلك ، في قلب العبد ، بحيث يكون كالجبال الرواسي لا تزلزله الشبه والخيالات ، ولا يزداد – على تكرار الباطل والشبه – إلا نموا وكمالاً.
هــذا ، وان نظرت إلى الدليل العظيم ، والأمر الكبير – وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في آياته فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصـــــــــل في غيره " . أهـ(2