الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله وأمينه على وحْيه وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
فيا عباد الله، إن الله تعالى قال في كتابه: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ [هود: 3-4] .
عباد الله، ولقد حكى الله عن نوح - عليه الصلاة والسلام - أنه قال لقومه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12]، وقال هود لقومه: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: 52] .
عباد الله، لقد علمتم ما أصاب البلاد هذا العام من القحط والجدب وتأخر نزول المطر والبرد الذي أضرّ ببعض الأشجار ولقد كان هذا بأسباب الذنوب؛ لأن الله - عزَّ وجل - يقول في كتابه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30] .
أيها الإخوة، إن قحوط المطر وجدب الأرض ليس ضارًّا بالأشجار والمواشي ولكنّه أيضًا يكون سببًا لقلّة المياه التي نسقي بها زروعنا وأشجارنا ونشرب منها؛ فإن الماء الذي نشربه هو الماء النازل من السماء كما قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة: 68-69]، وجواب هذا السؤال: أن الذي أنزله هو الله وحده جلّ وعلا، وقال تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: 22]، بل الذي يخزنه في الأرض هو الذي أنزله من السماء، وقال تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: 22]، وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: 18]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ [الزمر: 21]، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [ق: 9-11] .
أيها الإخوة، إن قلّة الأمطار تؤذِن بخطر عظيم يُخشى منه على المواشي وعلى الأنفس والثمرات، ومن المؤسف جدًّا أن بعض الناس لا يهتم بهذا الخطر ولا يُقيم له وزنًا فتراه يُشاهد الأرض هامدة يابسة ولكنّه ما زال في لَهْوه وغفلته وظلم نفسه كأن شيئًا لم يكن، كأننا لم نسمع بِما جرى من جراء القحط في بلاد أخرى أصابها من المجاعة الشيء العظيم الذي لا يكاد يصدّق به .
عباد الله، اتّقوا الله عزَّ وجل، اتَّقوا الله تعالى واعلموا أنكم لستم في عصمة مِمّا جرى على غيركم لو أنكم بقيتم هكذا لا تبالون ولا تحيا قلوبكم، ولقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11] .
وإنني إذا قلت هذا: إن بعض الناس لا يهتم بهذا الخطر وإنهم في لَهْوٍ وغفلة فإنما أقول قولاً يصدّقه الواقع، فهل من أحد من هؤلاء فكَّر في أسباب ذلك لعلّه يستعتب ويتوب إلى الله ؟
إن من أسباب ذلك بلا شك كثرة الذنوب وقلّة مراقبة علام الغيوب .
استمع لِما أتلو عليك من كتاب الله، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: 96]، وأكثر المتهاونين بالواجبات والمنتهكين للمحرّمات قلوبهم قاسية فهي كالحجارة أو أشد قسوة .
نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق والصلاح .
أيها الإخوة، هل من أحد راقَبَ نفسه في حق الله وحاسبها ونظر فيما هو مقصّر فيه ومخلّ به ؟ هل من أحد راقَبَ نفسه وحاسبها في حقوق عباد الله فأدّى إلى أهله حقوقهم ؟ هل من أحد راقَبَ أهله فأدّبهم بِما يرضي الله عزَّ وجل ؟ هل أمرهم بالمعروف أو نهاهم عن المنكر ؟ هل علّمهم الآداب التي تكمُلُ بها أخلاقهم ؟
إن هذه الأسئلة لا بُدّ أن يكون الجواب عليها إما بالنفي وإما بالإثبات؛ وإن كثيرًا من الناس قد أهمل أهله لا يبالي أَحُرِموا الخير أم فعلوا الخير ولا شك أن هذا تقصير فيما أوجب الله عليه .
أيها الإخوة، هل من أحد تخلّى عن ظلم الآخرين فعاملهم بالصدق والبيان وأدّى إليهم حقوقهم بلا نقصان ؟
إنك لَتَسمع أمورًا منكرة في معاملة الناس أستغربُ أن تقع من شخص يفخر بدينه، إننا نسمع كذبًا فيما يتعلّق بمعاملة الدولة كالبنك الزراعي وصندوق التنمية العقارية، أسمعُ كذبًا فيما يتعلّق بالمعاملات الفرديّة؛ يُخبر البائع عن السلعة بأنها جيّدة وهو كاذب، يُخبر بأن قيمتها كذا وكذا وهو كاذب، يُخبر بأنه اشتراها بكذا وهو كاذب .
إننا نسمع غشًّا في المعاملات: يُظهر السلعة بمظهر جيّد مرغوب فيه وليس كذلك، يعرض السلعة المعيبة للبيع ويكتم العيب الذي فيها وهو يعلم العيب ولا يخفى عليه، أَفَلا يعلم هؤلاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذّابًا»(1) .
أَفَلا يعلم هؤلاء أن الكذب من صفات المنافقين ! أفلا يعلم هؤلاء أنهم إذا كذبوا وغشّوا الناس وزادت السعلة فإن هذه الزيادة التي يأكلونها يأكلونها سُحْتًا وهي حرام عليهم وما أولى جسدًا نبت من السحت إلا النار والعياذ بالله .
أَفَلا يعلم هؤلاء أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حذّر من الغش وقال: «مَن غشّ فليس منِّي»(2) !
أفَيرضى هؤلاء أن يتبرأ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
إني لا أظن عاقلاً فضلاً عن المؤمن يرضى أن يتبرأ منه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
إننا نسمع مَن يتعامل بالربا صراحة أو تحيّلاً عليه غير مبالٍ بمحاربة الله أو مخادعة الله عزَّ وجل؛ يتحيّل على الربا بحِيل باردة لا تخفى على ذي لبٍّ ودين، ولقد قال الله عزَّ وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ - أي: إن كان المطلوب مُعسِرًا -﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ - أي: فعليكم أن تنظروه إلى أن يوسر الله عليه - ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ - أي: تبرئوه من الدَّين -﴿خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278-280] .
ولكنّنا نسمع من هؤلاء المرابين بوجه صريح أو بالتحيّل على الربا إذا حلَّ الدَّين على المعسر الذي يعلمون إعساره لم يلتفتوا إلى قول ربهم الذي أغناهم وأفقره: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: 280]، وإنَّما يلجؤونه إلى الاستدانة مرَّة أخرى أو يهدّدونه بالحبس والمسير إلى المحكمة .
وإنني لأعلم من إخواني القضاة أنه إذا ثبت عندهم إعسار المدين فسيحكمون بإنظاره إلى ميسرة كما أمرَ الله بذلك، وأسمعُ أيضًا عكس هذا؛ أي: أن الظلم يكون من المطلوب لا من الطالب: فترى بعض الناس يكون عليه الحق وهو قادر على وفائه ولكنّه يُماطل صاحبه، يقول: ائتني غدًا فإذا أتاه من الغد قال: بعد الغد وهكذا، أَفَلا يعلم هذا المماطل القادر على الوفاء أن مطله ظلم وأن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن كل ساعة تَمُرّ به وهو مُماطل بِما يجب عليه لا تزيده إلا إثْمًا وربما يُعاقَب فيُحسّن له هذا العمل وهو المماطلة فلا يكاد يُقلع عنه ؟ !
وإني لأعجب - أيها الإخوة - من مُماطلة هذا الغني ماذا حصل له بالمماطلة ؟ أَيَظُن أنه إذا ماطل سقط عنه الحق ؟ أَيَظُن أنه إذا ماطَل فلا يُحاسَب عليه يوم القيامة ؟ أفَلا يعلم أنه سيوفي الحق إما في الدنيا وإما في الآخرة ؟
أيها الإخوة، إن بعض الناس لا يقوم بواجبه الوظيفي فتجده يتأخر عند الحضور ويتقدّم عند الخروج وإذا جلسَ على كرسي العمل فإنه لا يبالي بالعمل؛ تجده إما عاكفًا على قراءة بعض الصحف وإما لاهيًا مع مَن يحدثه وهذا بلا شك ظلم لنفسه وظلم لدولته وظلم لعباد الله وأكل للمال بالباطل .
فلْيتّقِ الله هؤلاء الموظفون الذين لا يبالون بوظيفتهم ولا يقومون بها ولْيعلموا أنهم أُمناء على الوظيفة وأنه يجب عليهم أن يقوموا بها على الوجه الأكمل كما أنهم يُطالبون بمكافأتهم على هذه الوظيفة بالوجه الأكمل، ومواضع التقصير فينا كثيرة ولكنّنا نسأل الله أن يتوب علينا وأن يعفو عنَّا .
أيها الإخوة المسلمون، إن طلب السقيا من الله - عزَّ وجل - لا يختص بالصلاة في مصلى العيد ولكنّه في كل وقت وفي كل حين، فسألوا الله - عزَّ وجل - أن يُغيثكم في كل وقت؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60] .
أسأل الله تعالى أن يُغيث قلوبنا بالعلم والإيمان، وأسأله تبارك وتعالى أن يُغيث بلادنا .
اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أسْقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغِثْنا يا رب العالمين، اللهم عجِّل لنا بذلك فأنت أكرم الأكرمين .
اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا .
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لَه الحمد في الآخرة والأولى، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن بهداهم اهتدى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فإنه لا شك أنه كثر فينا العمالة؛ أي: العمّال الذي ليسوا على دين الإسلام من نصارى أو بوذيّين أو غيرهم، وإن الواجب علينا أن ندعوهم إلى الإسلام ونُبيّن لهم محاسِنه؛ لأنهم جاؤوا إلينا وهم في حاجة إلينا وقد نكون في حاجة لأعمالهم ولكنْ من حقّهم علينا ومن حق ديننا أن ندعوهم إلى الإسلام وأن نُبيِّن لهم فضائله ومحاسِنه، إن كنا نستطيع ذلك بأنفسنا باشرناه بأنفسنا وإلا فبِمُترجم أمين يعرف اللغتين: العربية ولغة مَن يدعوه إلى الإسلام، هذا هو الواجب علينا .
ولقد بلغني أن بعض السفهاء في عقولهم، الضعفاء في إيمانهم، الذين لا يُقيمون للآخرة وزنًا والذين يظنونهم أن ما خلقوا في الدنيا ليعمروها وليتمتعوا فيها، بلغني أن بعضهم إذا رأى من عمّاله اتجاهًا إلى الدين الإسلامي فإنه لا يرضى بذلك .
انظروا أيها الإخوة، النصارى يدعون إلى دينهم بكل وسيلة ويقطعون الفيافي ويصبرون على الأذى وعلى الألَم للدعوة إلى دين نسَخَه الله وأبطله بدين الإسلام .
ولهذا نقول: إن الدين عند الله الإسلام وليس ثَمّة دين مقبول عند الله إلا الإسلام، والقول بأن الأديان ثلاثة قول لا قيمة له؛ لأن الأديان ثلاثة لكن الدِّين اليهودي والدِّين النصراني منسوخ لا يقوم له وزن إطلاقًا؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: 85]، وما دين اليهود والنصارى إلا كسائر الأديان الأخرى التي نسخها الله عزَّ وجل، وإن كان الذي يتديّن بالدين اليهودي أو النصراني له ميزات أخرى كحِلّ نسائهم وحِلّ ذبائحهم ولكنّهم من ناحية الآخرة هم سواء: كلّهم أصحاب النار كما قال الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6] .
أيها الإخوة، إني لأعجب من هؤلاء الذين يقولون إنهم مسلمون، أعجب منهم أن يكرهوا أن أحدًا يدخل في دين الإسلام .
سبحان الله ! أَتَكْره مَن يلتف إلى دين الإسلام فينقذه الله تعالى من النار ! أَتَكْره مَن يلتف إلى دين الإسلام فيُكثر الله به أهل الإسلام ! أَتَكره مَن يلتف إلى دين الإسلام فلعلّه يكون من المجاهدين بِماله أو بنفسه في سبيل الله !
إنني أقول لهؤلاء الذين يكرهون إسلام العمّال عندهم، أقول لهم: اتَّقوا الله، توبوا إلى الله توبة نصوحًا قبل أن يفجأكم الموت، ادعوا هؤلاء العمال إلى الله - عزَّ وجل - حتى يحصل لكم الثواب العظيم واسمعوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعث عليّ بن أبي طالب إلى أهل خيبر قال له: «انفذ على رسلك فادعهم إلى الإسلام، فواللهِ لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النَّعم»(3) «حمر النعم» هي الإبل الحمراء وكانت أفخر الأموال عند العرب .
فلْيتقِ الله هذا الرجل السفيه في عقله، الضعيف في دينه، ولْيتب إلى الله عزَّ وجل، ولْيكن من دعاة الخير والإصلاح من الذين يدعون إلى دين الإسلام لعلّ الله يهدي على يده مَن كان غير مسلم فيفوز بهذه المزيَّة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
اللهم اجعلنا من دعاة الحق وأنصاره، اللهم اجعلنا من دعاة الحق وأنصاره، اللهم اجعلنا من دعاة الحق وأنصاره، اللهم لا تؤاخذنا بِما فعل السفهاء منَّا، اللهم لا تؤاخذنا بِما فعل السفهاء منّا، اللهم لا تؤاخذنا ﴿بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ [الأعراف: 155] .
واعلموا - أيها الإخوة - أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة - أي: في دين الله - بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم أيها الإخوة، عليكم بالجماعة وهي: الاجتماع على دين الله إلفةً ومحبّة ومودّة وإيثارًا، اجتمعوا على دين الله؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار، وأكْثروا - أيها الإخوة - من الصلاة والسلام على النبي المصطفى سيّد الأنام؛ فإن الله أمركم بذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56] .
فسمعًا لك اللهم وطاعة، سمعًا وطاعة لله .
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدْخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصدّيقين، والشهداء، والصالحين في جوارك يا رب العالمين .
اللهم أصْلح ولاتنا، اللهم أصْلح ولاتنا صغيرهم وكبيرهم وأصْلح ولاة سائر المسلمين يا رب العالمين .
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرَّ شرارهم واجعل ولايتهم فيمَن خافك واتّقاك يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بِرّ والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدْكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَاتَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .
-------------
(1)أخرجه البخاري [6094]، ومسلم [2607] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
(2)أخرجه مسلم [102] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(3)أخرجه البخاري في كتاب [المغازي] [3888] من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، ومسلم في كتاب [فضائل الصحابة] [4423] .