فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان :
قرأت للكاتب : حماد السالمي مقالاً في " جريدة الجزيرة " في العدد الصادر يوم الأحد 11 / 6 / 1429 هـ بعنوان : " من مكة عبد الله أسمعها ! " ساق فيه الكاتب مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين : الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - ، ومما قاله في آخر ما كتب :
• أولاً : نحن إذن أمام رؤية حضارية جديدة تبلورت صورتها في مكة ، ونأت بالدين الإسلامي أن يكون وسيلة للتخاصم والعدوان والاستعداء : ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ . [ الكافرون : 6 ] ، والملاحظ على هذه الجملة :
(1) قوله : ( نحن إذن أمام رؤية حضارية جديدة تبلورت صورتها من مكة ) .
نقول للكاتب : هذه الرؤية ليست جديدة ، وإنما هي رؤية الإسلام ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً . فالملك - حفظه الله - إنما نادى باسم الإسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ أربعة عشر قرنًا وزيادة .
(2) قوله : ( ونأت بالدين الإسلامي أن يكون وسيلة للتخاصم والعدوان والاستعداء ) .
ونقول للكاتب : التخاصم طبيعة البشر كما قال تعالى : ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ . [ هود : 118 ، 119 ] ، فلا يسلم من التخاصم إلا من رحمه الله بإتباع الأنبياء والتمسك بالدين الصحيح . ولا بد من مخاصمة المخالفين للرسل بدعوتهم إلى الحق ورد شبهاتهم ، قال تعالى : ﴿ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ . [ النحل : 125 ] ، وقال تعالى : ﴿ فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ . [ الفرقان : 52 ] أي : جادلهم بالحجج القرآنية والبراهين الربانية أعظم الجهاد وأكبره : ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ . [ الأنفال : 42 ] ، وليس ذلك من العدوان ؛ وإنما هو من الدعوة إلى الله لصالح المخالف ليرجع إلى الحق .
(3) قوله تعالى : ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ . [ الكافرون : 6 ] إنما تقال للكفار إذا رفضوا قبول الحق ودعونا إلى إتباعهم ؛ فحينئذ نتمسك بديننا ونتبرأ من دينهم . وليس معنى : ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ : أننا نتركهم على كفرهم دون أن ندعوهم إلى الحق لإخراجهم من الظلمات إلى النور ، ونجاهدهم إذا تطلب الأمر جهادهم لكف عدوانهم على الإسلام والمسلمين كما قال تعالى : ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ﴾ . [ البقرة : 217 ] ، فهذا الدين قام على الدعوة والجهاد كما قال تعالى : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ . [ آل عمران : 104 ] ، فلا يجوز للمسلمين ترك البشرية تعيش في ضلالها وعند المسلمين الهدى والنور ، قال تعالى : ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾ . [ آل عمران : 110 ] ، فهذه الأمة مكلفة بدعوة غيرها من الأمم لإخراجها من الظلمات إلى النور قال تعالى : ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ . [ إبراهيم : 1 ] .
• ثانيًا : ثم قال الكاتب : ( وإذا أردنا أن نثبت مصداقيتنا في ترجمة شفافة لهذه الصورة الجميلة التي رسمناها بأنفسنا في مواجهة بقية أصحاب الديانات الأخرى ، فينبغي أن نعمد فورًا إلى تربية أسرية وشعبية خالية من كل شوائب الماضي الذي ينضح بالكراهية ، ويحرض على العداء ، ويعمم التخلف ، ويسوق الطالبانية الظلامية من طرق عدة في بلدنا هذا وفي كثير من بلدان المسلمين ) .
والملاحظ على هذا المقطع من كلام الكاتب :
(1) أن الصورة الجميلة لم نرسمها نحن ، وإنما رسمها لنا ديننا منذ أنزله الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فما علينا إلا إتباع ما جاء به ديننا لأنه دين كامل كما وصفه الله تعالى بقوله : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ . [ المائدة : 3 ] ، وبين لنا ربنا في هذا الدين الكامل كيف نواجه أصحاب الديانات الأخرى ، وذلك بالدعوة ونشر الخير وكف العدوان .
(2) قوله : ( نعمد فورًا إلى تربية خالية من كل شوائب الماضي الذي ينضح بالكراهية ويحرض على العداء ) ... إلخ ما قال .
نقول له :
(1) ماضي المسلمين وحاضرهم - والحمد لله - ليس فيه شوائب ما دام مستمدًا من كتاب الله وسنة رسوله ، وما عليه سلف الأمة وأئمتها بل هو طريق مستقيم أمرنا الله بإتباعه والسير عليه فقال سبحانه : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ . [ الأنعام : 152 ] ، فهو دين خالص من الشوائب .
(2) ديننا لا ينضح بالكراهية إلا لمن يكرهه الله ورسوله من الكفار والمنافقين ، فنحن نكره من يكرههم الله ورسوله ، ونحب من يحبهم الله ورسوله ، قال تعالى : ﴿ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ . [ المجادلة : 22 ] ، والولاء والبراء في الله أصل من أصول عقيدتنا لن نتخلى عنه .
(3) قوله عن ماضينا : ( أنه يعمم التخلف ويسوق الظلامية من طرق عدة في بلدنا هذا ) !
نقول له : ماضينا ، والحمد لله السائر على الكتاب والسنة يعمم التقدم والرقي ، وبلدنا هذا - ولله الحمد - بلاد العقيدة السليمة والأمن والاستقرار والحكم بالشريعة التي أنزلها الله .
• ثالثًا : قال : ( ينبغي أن نستبدل ثقافة التسامح بثقافة التصادم ) .
نقول له : التسامح يكون في حدود ما شرعه الله من الأحكام الشرعية ، ولا يكون بالتنازل عن شيء من ديننا لإرضاء الآخرين ؛ فذلك هو المداهنة المحرمة بالكتاب والسنة ، وليس من التسامح .
• رابعًا : قال : ( وأن نعيد ترتيب البيت الإسلامي في المجتمع الإسلامي من خلال تعليم محايد ) .
نقول له : ترتيب البيت الإسلامي يكون بالرجوع إلى الكتاب والسنة والاعتقاد السليم ، وهذا ما يقوم عليه التعليم عندنا - ولله الحمد - من خلال ما نَدْرسه ونُدَرِسه من كتب العقيدة المقررة في مدارسنا ومساجدنا ، وهي عقيدة تحارب الشركيات والمبتدعات ، وتحث على اجتماع الكلمة على الحق ومنهج الكتاب والسنة ، ونحن لا ندعو الناس إلى أن يتبعونا أو يتبعوا فلانًا وعلانًا ، وإنما ندعوهم إلى إتباع الكتاب والسنة ، وما كان عليه سلف الأمة ، وهذا هو التعليم المحايد الذي لا انحياز فيه ، وهو كلمة سواء بيننا وبين المخالف : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ . [ آل عمران : 15 ] .
وأخيرًا : أسأل الله لي وللكاتب : حماد السالمي التوفيق لما فيه الخير والصلاح ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه