المبحث الأول معنى الاسم والصفة والفرق بينهما
الاسم : ((هو ما دل على معنى في نفسه))() ، و ((أسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها))() ، ((وقيل : الاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل))().
الصفة : ((هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات000وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يُعرف بها))() ، ((وهي ما وقع الوصف مشتقاً منها ، وهو دالٌ عليها ، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه))().
وقـال ابن فارس : ((الصفة : الأمارة اللازمة للشيء))() ، وقال : ((النعت : وصفك الشيء بما فيه من حسن))().
الفرق بين الاسم والصفة :
سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية عن الفرق بين الاسم والصفة ؟ فأجابت بما يلي :
((أسمـاء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به ؛ مثل : القادر ، العليم ، الحكيم ، السميع ، البصير ؛ فإن هذه الأسماء دلَّت على ذات الله ، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر ، أما الصفات ؛ فهي نعوت الكمـال القائمة بالذات ؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر ؛ فالاسم دل على أمرين ، والصفة دلت على أمر واحد ، ويقال : الاسم متضمن للصفة ، والصفة مستلزمة للاسم…))().
ولمعرفة ما يُميِّز الاسم عن الصفة ، والصفة عن الاسم أمور ، منها :
أولاً : ((أن الأسماء يشتق منها صفات ، أما الصفات ؛ فلا يشتق منها أسماء ، فنشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم ، صفات الرحمة والقدرة والعظمة ، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والماكر))().
فأسماؤه سبحانه وتعالى أوصاف ؛ كما قال ابن القيم في ((النونية)) :
مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعانِ
*****
أسماؤُهُ أوْصافُ مَدْحٍ كُلُّها
ثانياً : ((أن الاسم لا يُشتق من أفعال الله ؛ فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب ، أما صفاته ؛ فتشتق من أفعاله فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال ، لذلك قيل : باب الصفات أوسع من باب الأسماء))().
ثالثاً : أن أسماء الله عَزَّ وجَلَّ وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها(1) ، لكن تختلـف في التعــبد والدعاء ، فيتعبد الله بأسمائـه ، فنقول : عبدالكريم ، وعبد الرحـمن ، وعبد العزيز ، لكن لا يُتعبد بصفاته؛ فلا نقول : عبد الكرم ، وعبد الرحمـة ، وعبد العزة ؛ كما أنه يُدعى اللهُ بأسمائه، فنقول : يا رحيم ! ارحمنا ، ويا كريم! أكرمنا ، ويا لطيف! الطف بنا ، لكن لا ندعو صفاته فنقول : يا رحمة الله! ارحمينا ، أو : يا كرم الله ! أو :يا لطف الله ! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف ؛ فالرحمة ليست هي الله ، بل هي صفةٌ لله ، وكذلك العزة ، وغيرها ؛ فهذه صفات لله ، وليســـت هي الله ، ولا يجوز التعبد إلا لله ، ولا يجوز دعاء إلا الله ؛ لقولـه تعالى : ( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شــَيْئًا ( [النور : 55] ، وقوله تعالى ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ( [غافر :60] وغيرها من الآيات().
((((
المبحث الثاني قواعد عامَّة في الصفات
القاعدة الأولى :
((إثباتُ ما أثبته الله لنفسه في كتابه ، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل))().
لأن الله أعلم بنفسه من غيره ، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بربه.
القاعدة الثانية :
((نفـيُ ما نفاه الله عن نفسه في كتابه ، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، مع اعتقاد ثبوت كمال ضده لله تعالى))().
لأن الله أعلم بنفسه من خلقه ، ورسوله أعلم الناس بربه ؛ فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته ، ونفي الظلم يتضمن كمال عدله ، ونفي النوم يتضمن كمال قيُّوميَّته.
القاعدة الثالثة :
((صفات الله عَزَّ وجَلَّ توقيفية ؛ فلا يُثبت منها إلا ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته
له رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يُنفى عن الله عَزَّ وجَلَّ إلا ما نفاه عن نفسه ، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم))().
لأنــه لا أحد أعلم بالله من نفسه تعالى ، ولا مخلوقٌ أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الرابعة :
((التوقف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها ، أما معناها ؛ فَيُسْتفصل عنه ، فإن أريد به باطل يُنَزَّه الله عنه ؛ رُدَّ ، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله ؛ قُبِلَ ، مع بيان ما يدلُّ على المعنى الصواب من الألفاظ الشرعية، والدعوة إلى استعماله مكان هذا اللفظ المجمل الحادث))().
مثاله : لفظة (الجهة) : نتوقف في إثباتها ونفيها ، ونسأل قائلها : ماذا تعني بالجهة؟ فإن قال : أعني أنه في مكان يحويه. قلنا : هذا معنى باطل يُنَزَّه الله عنه ، ورددناه . وإن قال : أعني جهة العلو المطلق ؛ قُلْنا : هذا حق لا يمتنع على الله.وقبلنا منه المعنى ، وقلنا له : لكن الأولى أن تقول : هو في السماء ، أو في العلو ؛ كما وردت به الأدلة الصحيحة ، وأما لفظة (جهة) ؛ فهي مجملة حادثة ، الأولى تركها.
القاعدة الخامسة :
((كل صفة ثبتت بالنقل الصحيح ؛ وافقت العقل الصريح ، ولابد))().
القاعدة السادسة :
((قطع الطمع عن إدراك حقيقة الكيفية))()؛ لقوله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ
بِهِ عِلْمًا(.
القاعدة السابعة :
((صفات الله عَزَّ وجَلَّ تُثبت على وجه التفصيل ، وتنفى على وجه الإجمال))().
فالإثبات المفصل ؛ كإثبات السمع والبصر وسائر الصفات ، والنفي المجمل كنفي المثلية في قوله تعالى : (ليسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ( .
القاعدة الثامنة :
((كل اسم ثبت لله عَزَّ وجَلَّ ؛ فهو متضمن لصفة ، ولا عكس))().
مثاله : اسم الرحمن متضمن صفة الرحمة ، والكريم يتضمن صفة الكرم، واللطيف يتضمن صفة اللطف … وهكذا ، لكن صفاته : الإرادة ، والإتيان ، والاستواء، لا نشتق منها أسماء، فنقول : المريد، والآتي، والمستوي 00 وهكذا
القاعدة التاسعة :
((صفات الله تعالى كلها صفات كمال ، لا نقص فيها بوجهٍ من الوجوه))().
القاعدة العاشرة :
((صفات الله عَزَّ وجَلَّ ذاتِيَّة وفعليَّة ، والصفات الفعليَّة متعلقة بأفعاله ، وأفعاله لا منتهى لها))() ، ( وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ( .
القاعدة الحادية عشرة :
((دلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة : إما التصريح بها ، أو تضمن الاسم لها ، أو التصريح بفعلٍ أو وصفٍ دالٍّ عليها))().
مثـال الأول : الرحـمة ، والعزة ، والقوة ، والوجه ، واليدين ، والأصابع … ونحو ذلك.
مثال الثاني : البصـير متضمن صفة البصر ، والسميع متضمن صفة السمع .. ونحو ذلك.
مثال الثالث : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى( : دالٌّ علـى الاستواء ، ( إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ( : دالٌّ على الانتقام … ونحو ذلك.
القاعدة الثانية عشرة :
((صفات الله عَزَّ وجَلَّ يستعاذ بها ويُحلف بها))().
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ((أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتـك..)). رواه مسلم (486) ، ولذلك بوب البخاري في كتاب الأيمان والنذور : ((باب : الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته)).
القاعدة الثالثة عشرة :
((الكلام في الصفات كالكلام في الذات))().
فكما أن ذاته حقيقية لا تشبه الذوات ؛ فهي متصفة بصفات حقيقية لا تشبه الصفات ، وكما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية ، كذلك إثبات الصفات.
القاعدة الرابعة عشرة :
((القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر))().
فمن أقر بصفات الله ؛ كالسمع ، والبصر ، والإرادة ، يلزمه أن يقر بمحبة الله ، ورضاه ، وغضبه ، وكراهيته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ((ومن فرق بين صفة وصفة ، مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز ؛ كان متناقضاً في قولـه ، متهافتاً في مذهـبه ، مشابهاً لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض))(3).
القاعدة الخامسة عشرة :
((ما أضيف إلى الله مما هو غير بائنٍ عنه ؛ فهو صفة له غير مخلوقة ، وكلُّ شيء أضيف إلى الله بائن عنه ؛ فهو مخـلوق ؛ فليس كل ما أضيف إلى
الله يستلزم أن يكون صفةً له))().
مثال الأول : سمعُ الله ، وبصرُ الله ، ورضاه ، وسخطُه000
ومثال الثاني : بيت الله ، وناقة الله000
القاعدة السادسة عشرة :
((صفات الله عَزَّ وجَلَّ وسائر مسائل الاعتقاد تثبت بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان حديثاً واحداً ، وإن كان آحاداً))().
القاعدة السابعة عشرة :
((معاني صفات الله عَزَّ وجَلَّ الثابتة بالكتاب أو السنة معلومة ، وتُفسر على الحقيقة ، لا مجاز ولا استعارة فيها البتة ، أمَّا الكيفية ؛ فمجهولة))().
القاعدة الثامنة عشرة :
(( ما جاء في الكتاب أو السنة ، وجب على كل مؤمن القول بموجبه والإيـمان به ، وإن لم يفهم معناه))().
القاعدة التاسعة عشرة :
((باب الأخبار أوسع من باب الصفات ، وما يطلق عليه من الأخبار ؛ لا يجب أن يكون توقيفياً ؛ كالقديم ، والشيء ، والموجود000))().
القاعدة العشرون :
((صفات الله عَزَّ وجَلَّ لا يقاس عليها))().
فلا يقـاس السخاءُ على الجود ، ولا الجـَلَدُ على القوة ، ولا الاستطاعـةُ
على القدرة ، ولا الرقة على الرحمة والرأفة ، ولا المعرفة على العلم000 وهكذا ؛ لأن صفات الله عَزَّ وجَلَّ لا يتجاوز فيها التوقيف ؛ كما مر في القاعدة الثالثة.
القاعدة الحادية والعشرون :
صفات الله عَزَّ وجَلَّ لا حصر لها ؛ لأن كل اسم يتضمن صفة - كما مرَّ في القاعدة الثامنة - ، وأسماء الله لا حصر لها ، فمنها ما استأثر الله به في علم الغيب عنده.
المبحث الثالث أنواع الصفات(1)
يمكن تقسيم صفات الله عَزَّ وجَلَّ إلى ثلاثة أقسام() :
أولاً : من حيث إثباتها ونفيها.
ثانياً : من حيث تعلقها بذات الله وأفعاله.
ثالثاً : من حيث ثبوتها وأدلتها.
وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة ينقسم إلى نوعين :
أولاً : من حيث إثباتها ونفيها :
أ - صفات ثبوتيه :
وهي ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه ، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ كالاستواء ، والنُّزُول ، والوجه ، واليد 000ونحو ذلك ، وكلها صفات مدح وكمال ، وهي أغلب الصفات المنصوص عليها في الكتاب والسنة ، ويجب إثباتها.
ب- صفات سلبية :
وهي ما نفاه الله عن نفسه ، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلـها صفات نقص ؛ كالموت ، والسِّنة ، والنوم ، والظلم000وغالباً تأتي في الكتاب أو السنة مسبوقة بأداة نفي ؛ مثل (لا) و (ما) و (ليس) ، وهذه تُنفى عن الله عَزَّ وجَلَّ ، ويُثبت ضدها من الكمال.
ثانياً : من حيث تعلقها بذات الله وأفعاله :
أ - صفات ذاتِيَّة :
وهـي التي لم يزل ولا يزال الله متصفاً بها ؛ كالعلم ، والقدرة ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، والوجه ، واليدين000ونحو ذلك.
ب- صفات فعليَّة :
وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله وقدرته ، إن شاء فعلها ، وإن شاء لم يفعلها ؛ كالمجيء ، والنُّزُول ، والغضب ، والفرح ، والضحك 000 ونحو ذلك ، وتسمى (الصفات الاختيارية).
وأفعاله سبحانه وتعالى نوعان :
1- لازمة : كالاستواء ، والنُّزُول ، والإتيان 000 ونحو ذلك.
2- متعدية : كالخلق ، والإعطاء 000 ونحو ذلك.
وأفعاله سبحانه وتعالى لا منتهى لها ، (وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء( ، وبالتالي صفات الله الفعليَّة لا حصر لها.
والصفات الفعليَّة من حيث قيامها بالذات تسمى صفات ذات ، ومن حيث تعلقها بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال تسمى صفات أفعال ، ومن أمثلة ذلك صفة الكلام ؛ فكلام الله عَزَّ وجَلَّ باعتبار أصله ونوعه صفة ذات ، وباعتبار آحاد الكلام وأفراده صفة فعل.
ثالثاً : من حيث ثبوتها وأدلتها :
أ - صفات خبرية :
وهي الصفات التي لا سبيل إلى إثباتها إلا السمع والخبر عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتسمى (صفات سمعية أو نقلية) ، وقد تكون ذاتِيَّة ؛ كالوجه ، واليدين ، وقد تكون فعليَّة ؛ كالفرح ، والضحك.
ب - صفات سمعية عقلية :
وهي الصفات التي يشترك في إثباتها الدليل السمعي (النقلي) والدليل العقلي ، وقد تكون ذاتِيَّة ؛ كالحياة والعلم ، والقدرة ، وقد تكون فعليَّة ؛ كالخلق ، والإعطاء.
((((
المبحث الرابع ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ
اعلـم – وفقني اللهُ وإيَّاك – أن العلم بصفات الله عَزَّ وجَلَّ ، والإيمان بها ، علـى ما يليق به سبحانه ، وتدبرها : يورث ثمرات عظيمة وفوائد جليلة، تجعل صاحبها يذوق حلاوة الإيمان ، وقد حُرِمها قوم كثيرون من المعطِّلة والمؤوِّلة والمشبهة ، وإليك بعضاً منها :
1- فمن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ : أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به ؛ لأنه من المعلوم عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبه ؛ كما أن المحبوب يحب أن يتحلَّى مُحِبُّهُ بصفاته ؛ فهذا يدعو العبد المحب لأن يتصف بصفات محبوبه ومعبوده كلٌّ على ما يليق به ، فالله كريم يحب الكرماء ، رحيم يحب الرحماء ، رفيق يحب الرفـق، فإذا علم العبد ذلك ؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بذات العبد.
2- ومنها : أن العبد إذا آمن بصفة ( الحب والمحبة ) لله تعالى وأنه سبحانه ( رحيم ودود ) استأنس لهذا الرب ، وتقرَّب إليه بما يزيد حبه ووده له ، (( ولا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه )) وسعى إلى أن يكون ممن يقول الله فيهم : ((يا جبريل إني أُحبُّ فلاناً فأحبَّه ، فيُحبُّه جبريل ، ثم ينادي في السماء : إن الله يحبُّ فلاناً فأحبوه ، فيُحبُّه أهلُ السماء ثم يوضع له القبول في الأرض)) و من آثار الإيمان بهذه الصفة العظيمة أن من أراد أن يكون محبوباً عند الله اتبع نبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ( وحبُّ الله للعبد مرتبطٌ بحبِ العبدِ لله ، وإذا غُرِست شجرةُ المحبة في القلب ، وسُقيت بماء الإخلاص ، ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، أثمرت أنواعَ الثمار ، وآتت أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها .
3- ومنها : أنه إذا آمن العبد بصفات (العلم ، والإحاطة ، والمعية) ؛ أورثه ذلك الخوف من الله عَزَّ وجَلَّ المطَّلع عليه الرقيب الشهيد ، فإذا آمن بصفة (السـمع) ؛ علم أن الله يسمعه ؛ فلا يقول إلا خيراً ، فإذا آمن بصفات (البصر ، والرؤية ، والنظر ، والعين) ؛ علم أن الله يراه ؛ فلا يفعل إلا خيراً ؛ فما بالك بعبد يعلم أن الله يسمعه ، ويراه ، ويعلم ما هو قائله وعامله ، أليس حريٌّ بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه ، ولا يفتقده حيث أمره؟! فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله (يحبُّ ، ويرضى) ؛ عمل ما يحبُّه معبوده ومحبوبه وما يرضيه ، فإذا آمن أن من صفاته (الغضب ، والكره ، والسخط ، والمقت ، والأسف ، واللعن) ؛ عمل بما لا يُغْضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط علـيه ويمقته ثم يلعنه ويطرده من رحمته ، فإذا آمن بصفات (الفرح ، والبشبشة ، والضحك) ؛ أنس لهذا الرب الذي يفرح لعباده ويتبشبش لهم ويضحك لهم ؛ ما عدمنا خيراً من ربًّ يضحك.
4- ومنها : أنه إذا علم العبد وآمن بصفات الله من (الرحمة ، والرأفة ، والتَّوْب ، واللطف ، والعفو ، والمغفرة ، والستر ، وإجابة الدعاء) ؛ فإنه كلما وقع في ذنب ؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه ، وطمع فيما عند الله من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين ، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب ، ولا يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً ، كيف ييأس من يؤمن بصفات (الصبر ، والحلم)؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أن الله يتصف بصفة (الكرم ، والجود ، والعطاء)؟!.
5-ومنها : أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفات (القهر ، والغلبة ، والسلطان ، والقدرة ، والهيمنة ، والجبروت) ؛ يعلم أن الله لا يعجزه شيء ؛ فهو قادر على أن يخسف به الأرض ، وأن يعذبه في الدنيا قبل الآخرة ؛ فهو القاهر فوق عباده ، وهو الغالب من غالبه ، وهو المهيمن على عباده ، ذو الملكوت والجبروت والسلطان القديم ؛ فسبحان ربي العظيم.
6-ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ أن يظل العبد دائم السؤال لربه ، فإن أذنب ؛ سأله بصفات (الرحمة ، والتَّوب ، والعفو ، والمغفــرة) أن يرحمه ويتوب عليه ويعفو عنه ويغفر له ، وإن خشي على نفسه من عدو متجهم جبار ؛ سأل الله بصفات (القوة ، والغلبة ، والسلطان ، والقهر ، والجبروت) ؛ رافعاً يديه إلى السـماء ، قائلاً : يا رب! يا ذا القوة والسلطان والقهر والجبروت! اكفنيه. فإن آمــن أن الله (كفيل ، حفيظ ، حسيب ، وكيل) ؛ قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وتوكل على (الواحد ، الأحد ، الصمد) ، وعلم أن الله ذو (العزة ، والشدة ، والمحال ، والقوة ، والمنعة) مانعه من أعدائه ، ولن يصلوا إليه بإذنه تعالى ، فإذا أصيب بفقر ؛ دعا الله بصفات (الغنى ، والكرم ، والجود ، والعطاء) ، فإذا أصيب بمرض ؛ دعاه لأنه هو (الطبيب ، الشافي ، الكافي) ، فإن مُنع الذُرِّيَّة ؛ سأل الله أن يرزقه ويهبه الذرية الصالحة ؛ لأنه هو (الرَّزَّاق ، الوهَّاب) … وهكذا فإنَّ من ثمرات العلم بصفات الله والإيمان بها دعاءه بها.
7-ومنها : أن العبد إذا تدبر صفات الله من (العظمة ، والجلال ، والقوة ، والجبروت ، والهيمنة) ؛ استصغر نفسه ، وعلم حقارتها ، وإذا علم أن الله مختص بصفة (الكبرياء) ؛ لم يتكبَّر على أحد ، ولم ينازع الله فيما خصَّ نفسه من الصفات ، وإذا علم أن الله متصف بصفة (الغنى ، والملك ، والعطاء) ؛ استشعر افتقاره إلى مولاه الغني ، مالك الملك ، الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
8-ومنها : أنه إذا علم أن الله يتصف بصفة (القوة ، والعزة ، والغلبة)، وآمن بها ؛ علم أنه إنما يكتسب قوته من قوة الله ، وعزته من عزة الله ؛ فلا يذل ولا يخنع لكافر ، وعلم أنه إن كان مع الله ؛ كان الله معه ، ولا غالب لأمر الله.
9-ومن ثمرات الإيمان بصفات الله : أن لا ينازع العبدُ اللهَ في صفة (الحكم ، والألوهية ، والتشريع ، والتحليل ، والتحريم) ؛ فلا يحكم إلا بما أنزل الله ، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله . فلا يحرِّم ما أحلَّ الله ، ولا يحل ما حرَّم الله.
10-ومنها : أن صفات (الكيد ، والمكر ، والاستهزاء ، والخداع) إذا آمن بها العبد على ما يليق بذات الله وجلاله وعظمته ؛ علم أن لا أحد يستطيع أن يكيد لله أو يمكر به ، وهو خير الماكرين سبحانه ، كما أنه لا أحد من خلقه قادر على أن يستهزئ به أو يخدعه ، لأن الله سيستهزئ به ويخادعه ومن أثر استهزاء الله بالعبد أن يغضب عليه ويمقته ويعذبه ، فكان الإيمان بهذه الصفات وقاية للعبد من الوقوع في مقت الله وغضبه.
11- ومنها : أن العبد يحرص على ألاَّ ينسى ربه ويترك ذكره ، فإن الله متصف بصفة (النسيان ، والترك) ؛ فالله قادرٌ على أن ينساه – أي : يتركه، (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ( ، فتجده دائم التذكر لأوامره ونواهيه.
12- ومنها أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفة (السلام ، والمؤمن ، والصِّدق) ؛ فإنه يشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي ؛ فالله هو السلام، ويحب السلام ، فينشر السلام بين المؤمنين ، وهو المؤمن الذي أمِنَ الخلقُ من ظلمه ، وإذا اعتقد العبد أن الله متصف بصفة (الصَّدق) ، وأنه وعده إن هو عمل صالحاً جنات تجري من تحتها الأنهار ؛ علم أن الله صادق في وعده ، لن يخلفه ، فيدفعه هذا لمزيدٍ من الطاعة ، طاعة عبدٍ عاملٍ يثقُ في سيِّده وأجيرٍ في مستأجره أنَّه موفيه حقَّه وزيادة .
13- ومنها : أن صفات الله الخبرية كـ (الوجه ، واليدين ، والأصابع، والأنامل ، والقدمين ، والساق ، وغيرها) تكون كالاختبار الصعب للعباد ، فمن آمن بها وصدق بها على وجه يليق بذات الله عَزَّ وجَلَّ بلا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف ، وقال : كلُّ من عند ربنا ، ولا فرق بين إثبات صفة العلم والحياة والقدرة وبين هذه الصفات ، مَن هذا إيمانه ومعتقده؛ فقد فاز فوزاً عظيماً ، ومن قدَّم عقله السقيم على النقل الصحيح ، وأوَّل هذه الصفات ، وجعلها من المجاز ، وحرَّف فيها ، وعطَّلها ؛ فقد خسر خسراناً مبيناً ، إذ فرَّق بين صفة وصفة ، وكذَّب الله فيما وصف به نفسه ، وكذَّب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن من ثمرة الإيمان بهذه الصفات إلا أن تُدخل صاحبها في زمرة المؤمنين الموحِّدين ؛ لكفى بها ثمرة ، ولو لم يكن من ثمراتها إلا أنها تميِّز المؤمن الحق الموحِّد المصدِّق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين ذاك الذي تجرَّأ عليهما ، وحرَّف نصوصهما ، واستدرك عليهما ؛لكفى، فكيف إذا علمت أن هناك ثمراتٍ أخرى عظيمةً للإيمان بهذه الصفات الخبرية ؛ منها أنك إذا آمنت أن لله وجهاً يليق بجلاله وعظمته ، وأن النظر إليه من أعظم ما ينعم الله على عبده يوم القيامة ، وقد وعد به عباده الصالحين ؛ سألت الله النظر إلى وجهه الكريم ، فأعطاكه ، وأنك إذا آمنت أن لله يداً ملأى لا يغيضها نفــقة ، وأن الخير بين يديه سبحانه ؛ سألته مما بين يديه ، وإذا علمت أن قلبك بين إصبعين من أصابع الرحمن ؛ سألت الله أن يثبت قلبك على دينه 000 وهكذا.
14- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ : تَنْزِيه الله وتقديسه عن النقائص ، ووصفه بصفات الكمال ، فمن علم أن من صفاته (القُدُّوس ، السُّبُّوح )؛ نَزَّه الله مـن كلِّ عيبٍ ونقصٍ ، وعلم أن الله( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء(
15- ومنها : أن من علم أن من صفات الله (الحياة ، والبقاء) ؛ علم أنه يعبد إلهاً لا يموت ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، فأورثه ذلك محبة وتعظيماً وإجلالاً لهذا الرب الذي هذه صفته.
16- ومن ثمرات الإيمان بصفة (العلو ، والفوقية ، والاستواء على العرش ، والنُّزُول ، والقُرب ، والدُّنُو) ؛ أن العبد يعلم أن الله منـزه عن الحلول بالمخلوقات ، وأنه فوق كل شيء ، مطَّلع على كل شيء ، بائن عن خلقه ، مستو على عرشه ، وهو قريب من عبده بعلمه ، فإذا احتاج العبد إلى ربه ؛ وجده قريباً منه ، فيدعوه ، فيستجيب دعاءه ، وينـزل إلى السماء الدنيا في الثلث الآخـر من الليل كما يليق به سبحانه ، فيقول : من يدعوني فأستجب له ، فيورث ذلك حرصاً عند العبد بتفقد هذه الأوقات التي يخلو فيها مع ربه القريب منه ، فهو سبحانه قريب في علوه ، بعيد في دنوه.
17- ومنها أن الإيمان بصفة (الكلام) وأن القرآن كلام الله يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ كلام الله ، فإذا قرأ : (يا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ( ؛ أحسَّ أن الله يكلمه ويتحدث إليه ، فيطير قلبه وجلاً ، وأنه إذا آمن بهذه الصفة ، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه يوم القيامة ، ليس بينه وبينه ترجمان ؛ استحى أن يعصي الله في الدنيا ، وأعد لذلك الحساب والسؤال جواباً.
وهكذا ؛ فما من صفة لله تعالى ؛ إلا وللإيمان بها ثمرات عظيمة ، وآثار كبيرة مترتبة على ذلك الإيمان ؛ فما أعظم نعم الله على أهل السنة والجماعة الذين آمنوا بكل ذلك على الوجه الذي يليق بالله تعالى!.