إن التشيع أوجده اليهود ، وأسسوا أسسه ، وأصلوا أصوله ، وأرسو قواعده ، ووضعوا عقائده ومعتقداته، بواسطة إبنهم البار عبد الله بن سبأ ، المتزيّ بزيّ الإسلام، واللابس ثوبه ولباسه، تقية وخداعا ، الذي أرسل إلى عاصمة الخلافة الإسلامية أيام الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه من قبل يهود صنعاء اليمن لتقويض دعائم الإسلام ، وفناء دولته ، ومسخ شريعته السماوية البيضاء ، وهدم قوائمها وأركانها ، وترويج عقائد اليهودية بين المسلمين ، وإيجاد الفرقة والاختلاف بينهم ، وإسعار نار الحقد والبغضاء ، وفتح باب المطاعن والتلاعن ، والسباب والشتائم ، بدل الأخوة الصادقة والتوادّ والتعاطف والتراحم إن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصيّ موسى بالغلو ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في عليّ مثل ذلك ، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علىّ، وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف مخالفيه ، وكفرهم . ومن هنا قال من خالف الشيعة: إن التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية .
فاجتمع حوله وتحت لواء التشيع كثر من أبناء اليهودية البغيضة ، والفرس المهزومين ، والبابليين المكسورين ، والموالى المقهورين ، والكارهين للعرب حكامهم ، والفاتحين بلادهم ، والآخذين زمام أمورهم ، بعد فشلهم في محاربة الإسلام وجيوشه المظفرة المنصورة وجها لوجه ، واندحار قوتهم ، وانكسار شوكتهم ، فغيّروا أسلوبهم في مزاحمة الإسلام جهرا ، فتستّروا بستار الإسلام ، ودخلوا في صفوفه ، واندمجوا في بيئته ، وروّجوا بين المسلمين أفكارا يهودية ومجوسية ونصرانية ، وعقائد مدخولة مدسوسة ، نقمة على الإسلام والمسلمين ، من حلول الإله أو الجزء الإلهي في الخلق ، وإجراء النبوة بعد خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه ، ونزول الوحي وإتيان الملائكة ، وحصول العصمة ، ووجود شخص في كل عصر وزمان به قيام الأرض وثباتها ، وعقيدة الوصاية والولاية ، والإخفاء والكتمان ، والتأويل ، و انقسام العلم إلى الظاهر والباطن ، وتقسيم الناس إلى العامة والخاصة ، وتعطيل الشريعة ومسخها ، ومسخ تعاليمها ، ورفع التكليف وغير ذلك من الخرافات والترهات مما لا علاقة لها بالإسلام ، قريبة ولا بعيدة ، ولم يقصد من بثّها ودسها إلا ضرب الإسلام ومحوه من الوجود وتفريق كلمته ، وتشتيت قوته ، ودرء هيمنته ، وخرق هيبته .
فكان هذا هو المقصود من تكوين التشيع وإنشائه ، فأدى التشيع في سبيل ذلك خدمات جليلة ، وكان أول ضحيته سيدنا الإمام المظلوم عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثالث وصهر رسول الله ، كما كان أول ثمرته التفرق والتمزق ، والتشتت والتحزب في الأمة الإسلامية الواحدة ، المتفقة العقائد ، المتحدة الآراء والأفكار ، فولدت الفرق ، ونشأت الطوائف العديدة وبرزت الآراء الجديدة ، وراجت بين المسلمين مذاهب لم تكن موجودة ولا معروفة من قبل ، وكثير من المذاهب المنحرفة والعقائد الزائفة غذّيت من قبل التشيع ، ونمّيت وربّيت ، وأمدّت ودعّمت ، ولو أنه بعد حين صار هذا الزيغ والضلال من لوازم تلك النحلة ، وعلائم تلك الطائفة ، حيث أنسى تقادم العهد المصدر الأصلي ، والمنبع الحقيقي ، والموجد الأول ، والمنشئ الأصلي ، وكان الهدف من هذا أن تعمّ الفتنة ، وتكثير البلوى ، وتبعد أمة محمد صلى الله عليه وسلم من محمد عليه الصلاة والسلام وإرشاداته وتوجيهاته ، وعن الكتاب الذي أنزل على قلبه الطاهر ، وعن أحكامه وضوابطه ، وأن تضعف كذلك ، ويضعف سلطانها ، وينكمش حكمها ، سلطتها و اختيارها .
فكان إحدى هذه الفرق والنحل والمشارب والمذاهب ، الصوفية والتصوف ، كما يظهر لمن درس كتب التاريخ والعقائد والمسالك ، وتعمق في منشأ ومولد الطوائف والنحل أن كل فتنة ظهرت في تاريخ الإسلام ، وكل ديانة طلعت من العدم إلى الوجود كان رأسها ومديرها ، أو منشئها ومدبرها واحد من الشيعة .
وكذلك كان أمر الصوفية . فإن الثلاثة الذين اشتهروا في التاريخ الإسلامي باسم الصوفي ولقبه بادئ ذي بدء كان اثنان منهم من الشيعة أو متهمين بالتشيع ، كما أن هؤلاء الثلاثة كلهم كانوا من موطن الشيعة آنذاك ، وهو الكوفة .
فأبو هاشم الكوفي... لم يرم بالتشيع ولكنه كان من الكوفة الشيعية ، ومتهما بالزندقة والدهرية .
أما جابر بن حيان فيذكره ماسينيون بقوله وورد لفظ الصوفي لقبا مفردا لأول مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي إذ نعت به جابر بن حيان وهو صاحب كيمياء شيعي من أهل الكوفة ، له في الزهد مذهب خاص .
وذكره نيكلسون بقوله جابر بن حيان الكيميائي المعروف كان يدعى جابر الصوفي ، وأنه تقلد كما تقلد ذو النون المصري علم الباطن الذي يطلق عليه القفطي مذهب المتصوفين من أهل الإسلام .ويذكر المستشرق التشيكوسلاوي بي كراؤس P. KAUS وم بلسنر M. PLESSNE أن (جابر بن حيان كان من الشيعة الغلاة ، ولعله كان من القرامطة أو الإسماعيلية ، وكان يرجح مثل النصيرية سلمان على محمد ، كما كان يعتقد مثل الغلاة والنصيرية عقيدة تناسخ الأرواح .
وهذان المستشرقان ينقلان عن جابر بن حيان نفسه أنه يقول إنه أخذ جميع علومه عن جعفر الصادق معدن الحكمة ، وأنه ليس إلا الناقل المحض والمرتب .
وبمثل ذلك قال هولميارد الإنجليزي الذي نشر عديدا من كتب جابر بن حيان .
وأما الشيعة فيعدونه من أعيانهم .
فلقد كتب السيد محسن الأمين الشيعي المشهور في ترجمته أكثر من ثلاثين صفحة في كتابه (أعيان الشيعة) فيقول أبو عبد الله ، ويقال: أبو موسى جابر بن حيان بن عبد الله الطرطوسي الكوفي المعروف بالصوفي .... كان حكيما رياضيا فيلسوفا عالما بالنجوم طبيبا منطقيا رصديا مؤلفا مكثرا في جميع هذه العلوم وغيرها: كالزهد والمواعظ ، من أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وأحد أبوابه ، ومن كبار الشيعة ، ومايأتي عند تعداد مؤلفاته يدل على أنه كان من عجائب الدنيا ونوادر الدهر ، وأن عالما يؤلف ما يزيد على 3900 كتاب في علوم جلها عقلية وفلسفية لهو حقا من عجائب الكون ، فبينا هو فيلسوف حكيم ومؤلف مكثر في الحيل والنرنجيات والعزائم ومؤلف في الصنائع وآلات الحرب ، إذا هو زاهد واعظ مؤلف كتبا في الزهد والمواعظ .
ثم نقل عن عديد من الشيعة أنهم ذكروا في كتبهم الرجالية ، وعدّوه من تلامذة جعفر بن الباقر ، ثم قال يستفاد مما سلف أمور ، وهي: تشيعه ، وعلمه بصناعة الكيمياء ، وتصوفه ، وفلسفته ، وتلمذته على الصادق عليه السلام ، واشتهاره عند أكابر العلماء ، واشتهار كتبه بينهم اشتهارا لا مزيد عليه .
ثم كتب تحت عنوان (أما تشيعه) فيدل عليه عدّ ابن طاوس له في منجمي الشيعة ، ورواية ابني بسطام عنه عن الصادق عليه السلام ، وروايته خمسمائة رسالة للصادق عليه السلام كما ذكره اليافعي ، ونقل ابن النديم عن الشيعة أنه من كبارهم وأحد الأبواب ، وأنه إنما كان يعني بسيده جعفر هو الصادق ، لا جعفر البرمكي ، ولا ينافيه زعم الفلاسفة أنه منهم ، فإنه لا تنافي بين كونه فيلسوفا وشيعيا ، إذ المراد الفلسفة الإسلامية ، لا فلسفة الحكماء القدماء التي قد تنافي الشريعة ، وقول ابن النديم: أن له كتبا في مذاهب الشيعة كما تقدم ذلك كله . ونقل أيضا عن الدكتور أحمد فؤاد الأهواني أن (والد جابر بن حيان قتل في خراسان لاتهامه بالتشيع .ونضيف إلى ذلك أن الرجالي الشيعي المشهور الطهراني أيضا عده من رجال الشيعة حيث ذكر في موسوعته كتابين له: (كتاب (الرحمة الصغير)، وكتاب (الرحمة الكبير) لجابر بن حيان الصوفي الطوسي الكوفي المتوفى سنة مائتين من الهجرة .
وأما من متقدمي الشيعة فيذكره ابن النديم بقوله:
(وهو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي ، واختلف الناس في أمره .
فقالت الشيعة: أنه كان من كبارهم وأحد الأبواب ، وزعموا أنه كان صاحب جعفر الصادق رضي الله عنه ، وكان من أهل الكوفة .
وزعم قوم من الفلاسفة أنه كان منهم ، وله في المنطق والفلسفة مصنفات .
وزعم أهل صناعة الذهب والفضة أن الرياسة انتهت إليه في عصره ، وأن أمره كان مكتوم . وزعموا أنه كان يتنقل في البلدان لا يستقر به بلد خوفا من السلطان على نفسه .
وقيل: إنه كان في جملة البرامكة ومنقطعا إليها ، ومتحققا بجعفر بن يحيى . فمن زعم هذا قال: أنه عنى بسيده جعفر هو البرمكي .وقالت الشيعة: إنما عنى جعفر الصادق .
ثم أصدر رأيه في معتقداته بقوله ولهذا الرجل كتب في مذاهب الشيعة .ونقل عنه أنه (كان تلميذا لجعفر بن محمد الباقر ، أو عبده .
ومما يدل على تشيعه وكونه من الحلوليين والمغالين في التشيع ما نقله في رسائله التي تنسب إليه أنه قال: (بعد ما سمعت كلام الصادق في الكيمياء والطلسم فخررت ساجدا ، فقال (أي جعفر) : لو كان سجودك لي وحدك لكنت من الفائزين ، قد سجد لي آبائك الأولون ، وسجودك لي سجودك لنفسك .
وأما كونه تلميذا لجعفر فيقره الحاج خليفة في (كشف الظنون) ، وابن خلكان في وفياته .
وغيرهمـــــا .
ولقد فات الدكتور الشبيبي عندما أنكر على جابر بن حيان التصوف حيث قال أن صلة جابر بالتصوف اسمية لأنه لم يكن صاحب مجاهدة أو خوف ، أو نطاقا بأقوال زهدية ، وإنما نقل عنه اشتغاله بالكيمياء .
قد فاته ما ذكره ابن النديم في فهرسته نقلا عن جابر بن حيان نفسه أنه قال ألفت كتبا في الزهد والمواعظ .وكذلك ما نقله هو نفسه عن (أخبار الحكماء) أن (جابر بن حيان كان مشرفا على كثير من علوم الفلسفة ومتقلدا للعلم المعروف بعلم الباطن ، وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلام ، كالحارث المحاسبي ، وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم .
وكذلك ما نقله فيليب حتى حيث قال أنه ادعى مذهبا خاصا في الزهد .
فهذا هو أول الثلاثة الذين لقبوا بالصوفية ، والذي توفي بين 160 إلى 200 هجرية على اختلاف في الأقوال.
احسان إلهي ظهير