السّؤال:
وهذا يقول: نصيحة لبعض الإخوان السّلفيّين الذين تقع بينهم جفوة بسبب المشاكل بسبب ضعف النّفوس.
الجواب:
ضعف النّفوس يُداوى بكلام الله وكلام رسوله –صلّى الله عليه وسلّم-، ولا ينبغي أن تكون الجفوة بين الإخوان على شيءٍ من أمور الدّنيا بحالٍ من الأحوال، وإنّما الواجب أن تُطرح الدّنيا تحت الأقدام، ولا يخلُص الإنسان من ذلك إلاّ بأن يدعُوَ ربّه جلّ وعلا أن يُعينَه على نفسه، ولا أقول أنّ هذا ما يحصل؛ لابُدّ وأن يحصل بين بني آدم، ولكن المُوفَّق من وفّقه الله وزمّ نفسه بزِمَام الدِّين فإنّه يقرأ النّصوص في كتاب الله وسُنّة رسوله –صلّى الله عليه وسلّم- فكيف يجوز له أن يَجفُوَ أخاه؟! (لا يحلُّ لامرئ مُسلمٍ أن يهجُرَ أخاهُ فوق ثلاث) يعني لأمر الدّنيا؛ يلتقيان فيُعرِض هذا ويُعرِض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسّلام، أمّا لأمر الدِّين هذا بابٌ آخر، مُخالفة للسّنن؛ معاصي هذا بابٌ آخر، فالمُخالف للسُّنّة يُهجَر وقد حصل هذا من أصحاب رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- (أُحدّثك عن رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- وتقول: والله لنمنعهُنّ؛ لله عليك لا أُكلِّمك أبدًا) يقول: ابن عمر لابنه ومات لم يُكلِّمه –رضي الله عنهما-.
والثّاني: (أُحدّثك أنّ رسول الله نهى عن الخذف وتعوذ تخذف؛ لا أُكلِّمك أبدًا)
نعم، أمّا أمور الدّنيا فلا ينبغي أن تكون سببًا لهذا، فإذا أقلع الإنسان عن المعصية الحمدُ لله، ما أقلع عن المعصية أنت تنظر؛ إن كان الهجر له يزيده شرًّا أو يُوقعه في معصية أكبر لا تهجره ما دام سُنِّيًّا، أمّا المُبتدع فهجره على التّأبيد حتّى يتوب، والهجرُ ننتفعُ نَحنُ منه مع المُبتَدِع إذا كان الهاجرُ مُؤثِّرًا ويستفيد منه المهجور ننتفع منه ناحيتين:
‡نحنُ في أنفسنا.
‡وعودة ذلك إلى الحقّ.
وإذا كان هجرك لا يُؤثِّر فيه ننتفعُ أيضًا نحنُ بالسّلامة من مُخالطة هذا، والنّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- قد هجر الثّلاثة أكثر من ثلاث ليال فلا يُعترض بحديث: (لا يحلُّ لمُسلمٍ أن يهجُرَ أخاهُ فوق ثلاث) على هذا الحديث، فأئمّة السُّنّة كلّهم كما ذكر ذلك عنهم البغوي وغيره مجمعون على أنّ هجران أهل البدع حتّى يتوبوا وليسوا كأهل الفسق من أهل السُّنّة، أهل السُّنّة فيهم التّفصيل، إذا كان الهجران يُؤدِّي إلى عوده نعم؛ يُؤدِّي إلى الزّيادة لا؛ لا تهجره هذا سُنّي هؤلاء هُم فُسّاق أهل السُّنّة، أمّا أهل البدع فقولاً واحدًا، ومن الخطأ أن يُسوّى بين المُبتدع والسُّنِّي ويُجعل بابهما بابًا واحدًا فإنّ هذا في باب العمليّات وذاك في باب العقائد فأهل الأهواء هجرُهم حتّى يتوبوا على التّأبيد حتّى يتوبوا بإجماع علماء السُّنّة –رحمهم الله تعالى-.
والآن نحنُ نرى من يُريد أن يجعل هُجرَان فُسّاق أهل السُّنّة كهُجران أهل البدع! وهذا غير صحيح لا يقوله إلاّ من قلَّ فقهه وضعُفَ علمه ومعرفته بما عليه أسلافنا الصّالحون –رضي الله تعالى عنهم أجمعين-، وكما قال الشّوكانيّ: (هذا الفرس وذاك الميدان) يتفضّل إلِّى يُنكِر هذا هذي كتب أئمّة السّلف موجودة ولله الحمد مُدوّنه بالأسانيد، والله لقد قامت حُجّة الله علينا في هذا العصر بالذّات بطباعة أكثر كتب سُنَن العقائد بما لم يكن عُشْرها قبل أربعين سنة أو ثلاثين سنة، فبعد هذا كلّه يُقال لنا: اُتركوا! والمُبتدع ما شاء الله يُطَبْطب على رأسه ويُقال: خلّوه خلّوه! هذا غير صحيح، الواجب: دعايته إلى الحقّ فإن أبى يُوقَف منه الموقف الحقّ؛ هذا هُو دين الله جلّ وعلا، إلاّ حال واحدة رخّص فيها أئمّة السُّنّة لأهل السُّنّة بالمداراة وهي: إذا كانت الشّوكة لأهل الأهواء والبدع في هذه البلدة وليس لك قُوّة بهم فحينئذ نعم تُداري، قال الإمام أحمد –رحمه الله تعالى- لمّا سُئِل عن الجهميّة يُهجرون قال: (إي والله) ثمّ أدرك من السّهو قال: (ولكنّ إخواننا في خراسان لا يُطيقون ذلك) كانت الشّوكة والغلبة للجهميّة، فمثلاً: السّلفيّ في هذا العصر إذا وُجِد في بلدة كلّها إخوان مُسلِمين ماذا يعمل؟! يُداري
مَن يَدرِ دارى ومن لم يدرِ سوف يُرَى *** عمّا قليل نديمًا للنّدامات
يندم؛ فلابُدَّ من أن يكون داريًا، والمداراة: (بذل الدّنيا لأجل الدِّين)؛ والمداهنة: (بذلُ الدّينِ لأجل الدّنيا) -نسأل الله العافية والسّلامة-.
ولعلّنا نقف عند هذا والله أعلم.
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبد ورسوله نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.اهـ (1)
(1) من كلمةٍ للشّيخ العلاّمة: مُحمّد المدخلي -حفظه الله- بعُنوان:«مكانة السُّنّة وفضل التّمسّك بها» والتي نُقلت عبر إذاعة ميراث الأنبياء، وتفريغُها
http://ia701508.us.archive.org/4/ite...hali_965/1.mp3