الجـمع الثميــن في معنى لا إله إلا الله
كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله، هي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وبها أمر الله جميع العباد، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومفتاح عبوديته، التي دعا الأمم على ألسن رسله إليها، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وأساس الفرض والسنة؛ فإذا عرفت هذا، فاعلم: أن لا إله إلا الله، لا تنفع قائلها، إلا بعد معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، وأنها لا تنفعه إلا بعد الصدق، والإخلاص، واليقين؛ لأن كثيراً ممن يقولها، في الدرك الأسفل من النار.
فلابد في شهادة: ألا إله إلا الله، من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان؛ فإن اختل نوع من هذه الأنواع، لم يكن الرجل مسلماً؛ فإذا كان الرجل مسلماً، وعاملاً بالأركان، ثم حدث منه قول، أو فعل، أو اعتقاد، يناقض ذلك، لم ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ وأدلة ذلك في الكتاب والسنة، وكلام أئمة الإسلام، أكثر من أن تحصر.
◆◆◆◆◆◆◆
وقال الوزير، أبو المظفر، في الإفصاح: قوله " شهادة أن لا إله إلا الله " يقتضى: أن يكون الشاهد عالماًُ بلا إله إلا الله، كما قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) [محمد: 19] قال: واسم (الله) مرتفع بعد (إلا) من حيث أنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه، قال: وجملة الفائدة في ذلك، أن تعلم أن هذه الكلمة: مشتملة على الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية، وأثبت الإيجاب لله سبحانه، كنت ممن كفر بالطاغوت، وآمن بالله.
وقال في: البدائع، رداً لقول من قال: إن المستثنى مخرج من المنفي، قال بل هو مخرج من النفي وحكمه، فلا يكون داخلاً في المنفي، إذ لو كان كذلك، لم يدخل الرجل في الإسلام، بقوله: " لا إله إلا الله " لأنه لم يثبت الإلهية لله تعالى، وهذه أعظم كلمة: تضمنت لنفي الإلهية عما سوى الله تعالى، وإثباتها له بوصف الاختصاص؛ فدلالتها على إثبات الإلهية: أعظم من دلالة، قولنا: الله إله؛ ولا يستريب أحد في هذا البتة، انتهى بمعناه.
◆◆◆◆◆◆◆
وقال: أبو عبد الله القرطبى، في تفسير، " لا إله إلا
الله " أى: لا معبود إلا هو، وقال الزمخشرى: الإله: من أسماء الأجناس، كالرجل، والفرس، يقع على كل معبود بحق، أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق.
◆◆◆◆◆◆◆
قال شيخ الإسلام: الإله، هو المعبود المطاع؛ فإن الإله، هو المألوه؛ والمألوه، هو الذي يستحق أن يعبد؛ وكونه يستحق أن يعبد، هو بما اتصف به من الصفات، التى تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع؛ قال: فإن الإله، هو المحبوب، المعبود، الذي تألهه القلوب بحبها، وتخضع له، وتذل له، وتخافه وترجوه، وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهماتها؛ وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه، وتطمئن بذكره، وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده.
ولهذا: كانت " لا إله إلا الله " أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداؤه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال، وذوق، فإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله.
◆◆◆◆◆◆◆
وقال ابن القيم: الإله الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً، وإنابة وإكراماً وتعظيماً، وذلاً وخضوعاً وخوفاً ورجاء، وتوكلاً.
◆◆◆◆◆◆◆
وقال ابن رجب: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفاً ورجاء، وتوكلا عليه وسؤالاً منه،
ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عزَّ وجلَّ؛ فمن أشرك مخلوقاً في شئ من هذه الأمور التى هى من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
◆◆◆◆◆◆◆
وقال البقاعى: لا إله إلا الله، أى انتفى انتفاء عظيماً أن يكون معبوداً بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علماً إذا كان نافعاً، وإنما يكون نافعاً إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف.
◆◆◆◆◆◆◆
وقال الطيبي: الإله فعال بمعنى مفعول، كالكتاب بمعنى المكتوب، من أله إلهة، أى: عبد عبادة؛ قال: الشارح، وهذا كثير في كلام العلماء، وإجماع منهم؛ فدلت: " لا إله إلا الله " على نفى الإلهية، عن كل ما سوى الله تعالى، كائنا من كان، وإثبات الإلهية لله وحده، دون كل ما سواه؛ وهذا هو التوحيد، الذي دعت إليه الرسل، ودل عليه القرآن، من أوله إلى آخره، كما قال تعالى عن الجن: (قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً، يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) [الجن: 1، 2].
◆◆◆◆◆◆◆
فلا إله إلا الله، لا تنفع إلا من عرف مدلولها، نفياً وإثباتاً، واعتقد ذلك، وقبله، وعمل به
الدرر السنية في الأجوبة النجدية
المصدر: منتديات نور اليقين