السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله المتفضّل بالجود والإحسان، المنعِم على عباده بنِعم لا يحصيها العدُّ والحسبان، أنعَمَ علينا بإنزال القرآن هدًى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان، ونصر نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ببدر وسَمَّاه يوم الفرقان، وأعزّه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الشرك والأوثان، فيا له من عزٍّ ارتفع به صرح الإسلام واندك به بنيان الشرك والطغيان، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم الرحمن، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصروه وأعانوه فلَنِعم الأنصار هم والأعوان، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها الناس، يا أمة محمد، اشكروا الله - عزَّ وجل - واتّقوه، اتّقوا الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه، اتّقوا الله تعالى سرًّا وعلنًا، لا تكون تقواكم لله تقوًى لعباد الله تتقون المعاصي أمام الناس ولكنكم تنتهكونها في السر، اتّقوا الله - عزَّ وجل - واشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نِعم وافرة وآلاءٍ سابغة خصوصًا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان، ففي هذا الشهر أنزل الله كتابه المبين رحمة للعالمين ونورًا للمستضيئين وهدًى للمتَّقين وعبرةً للمعتبرين وآياتٍ للعالمين، ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1]، ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]، في هذا الكتاب «خبرُ ما قبلكم، ونبأُ ما بعدكم، وحكمُ ما بينكم، أخباره صادقة، قصصه نافعة، أحكامه عادلة»(1)، ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: 115]، «مَن تمسّك بهذا القرآن نجا، ومَن طلب الهدى منه اهتدى، ومَن أعرض عنه وقع في الهلاك والردى»(2)، فبؤسًا للمعرضين الهالكين .
وفي هذا الشهر الكريم أنعمَ الله علينا بفرض الصيام وجعله أحد أركان الإسلام لتستكمل هذه الأمة ما حصل لغيرها من الفضائل ويتم لها تقوى الله ويحصل لِمَن صامه إيمانًا واحتسابًا مغفرة الذنوب والآثام، وفي هذا الشهر الكريم أنعم الله علينا بمشروعية القيام لتعمر أوقاته ليلاً ونهارًا بطاعة الله، «فكما أن مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفَرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(3)، «فإن مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفَرَ الله ما تقدّم من ذنبه»(4)، وإنها لبشرى نزفّها إليكم وهي: أن «مَن قام مع الإمام في قيام الليل في التراويح وفي التهجّد، مَن قام مع الإمام حتى ينصرف من صلاته كتب الله له قيام ليلة وإن كان نائمًا في فراشه»(5) .
وفي هذا الشهر أنعم الله على هذه الأمة بفضيلة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر «ومَن قامها إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(6) «وجعلها في العشر الأواخر منه»(7) «ولا سيما السبع الأواخر فإنها أرجى ما تكون فيها»(8).
وفي هذا الشهر نِعم كثيرة أنعم الله بها على عباده نِعم سابقة ولاحقة .
ففي هذا الشهر «كانت غزوة بدر الكبرى التي سَمَّى الله يومها يوم الفرقان؛ حيث نصر الله فيها عساكر الإيمان وجنود الرحمن، وهم: محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله والذين معه، وأذلّ فيها جنود الشيطان وأنصار الشرك والطغيان، وهم: أبو جهل ومَن معه من قريش؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغه خروج أبي سفيان من الشام إلى مكة في عِير قريش وهم الذين صدّوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن سبيل الله وهم الذين أخرجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من ديارهم وأموالهم فبدؤوا بالظلم على المسلمين فندب النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إلى تلك العِير فخرجوا في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، خرجوا أذلّة في ضعف من العدّة وقلّة من العدد لم يخرجوا لقتال وإنما خرجوا للعِير؛ ولهذا ليس معهم سوى ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيرًا يعتقبونها وفَرَسَان اثنان فقط؛ لأنهم لا يريدون عدوهم ولكنّ الله جمع بينهم وبين عدوهم بحكمته على غير ميعاد ليقضي الله ما حكَمَ به وأراد، قال الله عزَّ وجل: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 7]؛ فإن أبا سفيان لَمَّا علِمَ بخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العِير بعث صارخًا إلى أهل مكة يستنجدهم ليمنعوا عيرَهم فخرجوا من ديارهم قريبًا من ألف مقاتل، خرجوا كما وصَفَهم الله - عزَّ وجل - ﴿بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: 47]، يقول قائلهم: «واللهِ لا نرجع حتى نقدم بدرًا ونقيم فيها ثلاثًا: ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا»(م1) قالوا ذلك لِمَا عندهم من البطر والخيلاء، قالوا ذلك ولكن الله ﴿بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[الأنفال: 47]، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنصاره رقيب حفيظ، فأوحى الله ﴿إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الأنفال: 12-13]، فقيَّض الله - عزَّ وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من أسباب النصر ما به انتصروا ولأعدائه وحربه كسروا، فقتلوا من صناديد قريش فريقًا وفريقًا أسروا وأُلقي من جثثهم في قليب بدر أربع وعشرون جثة وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يقول: يا فلان ابن فلان، أيَسُرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؛ فإنا قد وجدنا ما وعَدَنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا ؟ قالوا: يا رسول الله، كيف تكلّمهم وهم جيف ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: واللهِ ما أنتم بأسمع لِمَا أقول منهم، ثم رجع فَلُّ(أ) قريش إلى ديارهم مهزومين موتورين خائبين ذليلين، فلله الحمدُ رب السماوات ورب الأرض رب العالمين»(9).
وفي هذا الشهر - أيها المسلمون - «فتح الله مكة البلد الأمين على يد خليله ونبيّه أفضل النبيين وطهَّرها بذلك من الأصنام والمشركين، فصارت - ولله الحمد - بلاد إسلام وإيمان بعد أن كانت بلاد كفر وأوثان، ودخل الناس بسبب الفتح في دين الله أفواجًا وأشرقت الأرض بهذا الفتح ضياءً وابتهاجًا؛ فإن قريشًا لَمّا نقضت الصلح الذي بينها وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي جرى في الحديبية خرج إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة يريد غزوهم؛ لأنهم نقضوا الصلح، وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها، فأعمى الله الأخبار عن قريش حتى وصلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة، فدخل صلوات الله وسلامه عليه مؤزرًا منصورًا ظافرًا فاتِحًا، على إحدى مجنّبتيه حواريّه وابن عمته الزبير بن العوام وعلى الأخرى سيف الله خالد بن الوليد وأمر عمه العباس بن عبد المطلب أن يوقف أبا سفيان في مضيق الوادي لِتَمُرّ به جنود الله فيراها، فمرَّت به القبائل على راياتها حتى مرَّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبته الخضراء فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال أبو سفيان للعباس: مَن هؤلاء ؟ قال: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار، فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قِبلٌ ولا طاقة، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة صبيحة يوم الجمعة في عشرين من رمضان سنة ثمانٍ من الهجرة ولم يكن صلى الله عليه وسلم حين دخوله، لم يكن أشرًا ولا بطرًا، لم يُعزف بين يديه بآلات اللهو ولم تغنِّه القِيان بل كان صلى الله عليه وسلم خاضعًا لله مطأطئًا رأسه حتى إن جبهته لتكاد تمسّ رحلَه تعظيمًا لله عزَّ وجل، ورُكِزت رايته بالحجون ثم نهض صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرون والأنصار بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فطاف بالبيت وكان على البيت وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يطعنها بقوس في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا، فلمّا أكمل طوافه دخل الكعبة فرأى فيها الصور فأمر بها فمُحيت ثم أخذ بباب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ما يصنع فأعلن كلمة التوحيد، قال صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدَق وعدَه، ونصرَ عبده، وهزَم الأحزاب وحدَه، ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [يوسف: 92]، اذهبوا فأنتم الطلقاء»(10) .
فمَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش هذه المنَّة العظيمة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عفوًا، عفا عنهم مع القدرة وهذا هو تمام العفو، «ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى ثماني ركعات في بيت أم هانئ صلاها ضحى»(11)، قال أهل العلم: ولذلك ينبغي للإمام إذا فتح بلد الكفر أن يصلى ثماني ركعات اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم .
أيها الإخوة المسلمون، إن انتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدر وانتصاره في فتح مكة هو انتصار لأمته إلى يوم القيامة، فاشكروا الله على ذلك واسألوا الله - عزَّ وجل - أن يُعيد للأمة الإسلامية نصرها وعزّها وكرامتها وأن يفتح قلوبها لدين الله وأن يُصلح ولاتها وأن يُصلح رعيتها بالرجوع إلى الله - عزَّ وجل - وتحقيق عبادته وتحكيم شريعته وإقامة الجهاد في سبيله جهاد النفس أولاً ثم جهاد الغير لتكون كلمة الله هي العليا فيقوم العدل والصلاح في أرض الله وينتفي الظلم والفساد .
اللهم إنا نسألك أن تُعيد للأمة الإسلامية مجدها وعزّها وكرامتها وأن تجمعها على دينك وأن تُعيذها من شرور أنفسها ومن شرور أعدائها .
أيها المسلمون، إن نِعم الله علينا في هذا الشهر الكريم كثيرة وإن خيراته وافرة غزيرة فتعرضوا لنفحات جوده وكرمه واسألوه المزيد من فضْله ورحمته؛ فإن الله - عزَّ وجل - يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186] .
اللهم أَلْهمنا الدعاء وامنن علينا بالإجابة، اللهم أعنَّا على العبادة وامنن علينا بالقبول يا رب العالمين .
اللهم اجعلنا من المستجيبين لدعوتك، الراشدين في شرعك، المفلحين في الدنيا والآخرة؛ إنك سميعٌ قريب .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ونبيّك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيّته وربوبيته وسلطانه، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله الذي أيّده الله ببرهانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها الناس، اتّقوا الله تعالى، اغتنموا فرصة هذا الشهر المبارك، اغتنموها بكثرة الأعمال الصالحة من قراءة القرآن، والذكْر، والصدقة، والصلاة وغيرها مِمّا يقرّبكم إلى الله فربما تُصيبون نفحة من نفحات الله - عزَّ وجل - تسعدون بها في الدنيا والآخرة، وأتْقنوا - رحمكم الله - صلاة التراويح؛ فإنها من قيام الليل، لا تفارقوا الإمام إذا دخلتم معه حتى ينصرف من أجل أن تنالوا قيام ليلةٍ كاملة كما سمعتم ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قرأناه في الخطبة الأولى .
أيها الإخوة، إننا قد أشرنا في الجمعة الماضية إلى ما أصاب المجاهدين الأفغان من قلّة المال، وإننا ندعوكم إلى التبرع لهم لا سيما في هذا الشهر؛ فإن التبرع لهم لا يخرج عن الجهاد في سبيل الله أو عن المساعدة للفقراء والمعدمين، أحثّكم على ذلك واعلموا أن الإنفاق في سيل الله - عزَّ وجل - من أفضل القُرُبات إلى الله؛ ولهذا يذكر الله تعالى الجهادَ في سبيله فيبدأ بالأموال قبل الأنفس غالبًا، «ومَن أعان غازيًا فقد غزاومَن خلفه في أهله في خير فقد غزا»(12).
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين .
وإننا قد أقمنا أناسًا ثقاة عند أبواب المسجد لقبول التبرعات وإن التبرع مقبول سواء قلّ أو كثر، «فمَن تصدّق ولو بعدل تمرة من كسب طيِّب فإن الله - عزَّ وجل - يأخذها بيمينه ويربّيها له حتى تكون مثل الجبل»(13) كما صَحَّ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لا يحقرنّ أحدكم من المعروف شيئًا»(14)؛ فإن الله يقول في كتابه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7] .
واعلموا - أيها الإخوة - «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة»(15)، «فعليكم بالجماعة» وهي: الاجتماع على دين الله من غير أن تتفرّقوا فيه، كونوا يدًا واحدة وكونوا على كلمة واحدة، لا تتفرّقوا في دين الله؛ فإن هذه الأمة أمة الاجتماع أمة واحدة، ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105] .
أيها الإخوة، استقيموا على دين الله، اجتمعوا عليه؛ «فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(16)، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال جلّ من قائل عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56]، فأكْثروا من الصلاة والسلام على نبيّكم لا سيما في يوم الجمعة؛ «فإن مَن صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - في أي وقت مرَّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا»(17).
اللهم صلِّ وسلّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدْخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم مَن أراد بالمسلمين سوءًا فاجعل كيده في نحره، وشتِّت شمله، وفرّق جمعه، واهزم جنده، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان الذين يجاهدون بالعلْم والبيان والذين يجاهدون بالسلاح يا رب العالمين؛ إنك على كل شيء قدير .
اللهم وأبْرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10] .
اللهم صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه أجمعين .
-----------------------
(1) أخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [فضائل القرآن] باب: ما جاء في فضائل القرآن، رقم [2831]، وأخرجه الدارمي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [فضائل القرآن] باب: مَن قرأ القرآن، رقم [3197]، من حديث أمير المؤمنين علي بن طالب رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(2) أخرجه الدارمي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [فضائل القرآن] باب: مَن قرأ القرآن، رقم [3181]، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(3) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الإيمان] باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان، رقم [37]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [صلاة المسافرين وقصرها] باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم [1268]، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(4) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الإيمان] باب: تطوّع قيام رمضان من الإيمان، رقم [36] من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(5) أخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [الصوم] باب: ما جاء في قيام شهر رمضان، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، رقم [734] ت ط ع .
(6) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [صلاة المسافرين وقصرها] باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم [1269]، وأخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [الصوم] باب: ما جاء في فضل شهر رمضان، رقم [619]، وأخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده، رقم [8222]، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(7) أخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [صلاة التراويح] باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، رقم [1877]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الصيام] باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، رقم [1995] ت ط ع .
(8) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [صلاة التراويح] باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، رقم [1876]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الصيام] باب: فضل ليلة القدر، رقم [1985] ت ط ع.
(9 قصة غزوة بدر) انظر إلى هذه الغزوة المباركة ذكرها صاحب [مختصر سير الرسول صلى الله عليه وسلم] في الجزء [1] في الصفحة [112]، وانظر إليها كذلك في [البداية والنهاية] لابن كثير -رحمه الله تعالى- في الجزء [3] [266]، وانظر إليها في تاريخ الطبري -رحمه الله تعالى- في الجزء [2] في الصفحة [29]، وانظر إليها كذلك في سيرة ابن هشام الجزء [3] في الصفحة [166]، وذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه [البداية والنهاية] في الجزء [3] في الصفحة [266]، وذكرها الطبري -رحمه الله تعالى- في تاريخه في الجزء [3] في الصفحة [29]، وذكرها ابن كثير -رحمه الله تعالى- في سيرته في الجزء [2] في الصفحة [399]، وذكرها ابن هشام -رحمه الله تعالى- في سيرته الجزء [3] في الصفحة [166]، وانظر إلى هذه المقولة التي قالها عدو الله أبو جهل عليه لعنة الله ذكرها في عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لابن سيد الناس رحمه الله تعالى، الجزء [1] الصفحة [378] .
(10قصة فتح مكة) أخرجه الإمام المجدد وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في كتاب [مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم] في الجزء [1] في الصفحة [149] .
(11) وأخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الجزية والموادعة] باب: أماني النساء وجوارهن، من حديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها، رقم [2935]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [صلاة المسافرين وقصرها] باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثماني ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست والحث على المحافظة عليها، رقم [1179]، من حديث أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها، ت ط ع .
(12) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الجهاد والسير] باب: فضل مَن جهّز غازيًا أو خلفه بخير، رقم [2631]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الإمارة] باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافه في أهله بخير، رقم [3511]، من حديث زيد بن خالد رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(13) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب [الزكاة] باب: الصدقة من كسب طيب، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم [1321]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الزكاة] باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، رقم [168]، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(14) أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [الأطعمة] باب: ما جاء في إكثار ماء المرقة، من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، رقم [1756] ت ط ع .
(15) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الجمعة] باب: تخفيف الصلاة والخطبة، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، رقم [1435] ت ط ع .
(16) أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب [الفتن] باب: ما جاء في لزوم الجماعة، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم [2093] ت ط ع .
(17) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الصلاة] باب: الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم [616] ت ط ع .
(م1) ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه [البداية والنهاية] في الجزء [3] في الصفحة [266]، وذكرها الطبري -رحمه الله تعالى- في تاريخه في الجزء [3] في الصفحة [29]، وذكرها ابن كثير -رحمه الله تعالى- في سيرته في الجزء [2] في الصفحة [399]، وذكرها ابن هشام -رحمه الله تعالى- في سيرته الجزء [3] في الصفحة [166]، وانظر إلى هذه المقولة التي قالها عدو الله أبو جهل عليه لعنة الله ذكرها في عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لابن سيد الناس رحمه الله تعالى، الجزء [1] في الصفحة [378] .
(م2) سبق تخريجها في المقولة الأولى .
(أ) فَلّ يعني: رجع جمعُ قريش .