نشر البيان في فضائل يزيد بن أبي سفيان
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله وصحابته و من تبع آثارهم إلى يوم لقائه وبعد :
فإن من عظيم الآثار السيئة للجهل بأحوال الصفوة المختارة من سادات الأولياء و عظماء الأتقياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم هو التولّي عن نصرتهم يوم ترفع ألوية المكر و الخيانة و يوم يشتدّ النزال على أعراهم الزكية
ومن المؤسف المخجل أن الكثير من أبناء الأمة الإسلامية لايعرفون من تلكم الطبقة الربانية إلا رسمها في وقت أصبح أجهل الناس و أفسقهم و أكفرهم أعلاما لا تجهل أسماؤهم و صفاتهم و أحوالهم و المسكين من الناس من كان جاهلا بذلك .
وكل هذا من المفارقة الواضحة لمنهج أهل الحديث
قالَ الإِمامُ اللَّالَكائِي : سِياقُ مَا رُوِي أَنَّ مَعرِفَة فَضائِل الصَّحابَة مِن السُّنَّةِ
قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - : ( الوُقوفِ علَى أَسمائِهم، والبَحث عَن سِيَرِهم وأَحوالِهم لِيُهتَدَى بِهَديِهم, فهُم خَيرُ مَن سُلِك سَبِيلُه، واقتُدِيَ بِه.
وَلَا خِلافَ عَلِمتُه بَين العُلماءِ أَنَّ الوُقوفَ علَى مَعرِفة أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ غ مِن أَوكَدِ عِلم الخَاصَّة، وَأَرفَعِ عِلم الخَبر، وبِه سَادَ أَهلُ السِّيَر، ومَا أَظُنُّ أَهلَ دِينٍ مِن الأَديَان إِلَّا وعُلماؤُهم مُعتَنُون بمَعرِفة أَصحَابِ أَنبِيائِهِم؛ لأَنَّهُم الواسِطَة بَين النَّبِيِّ وَبَين أُمَّتِه ) (1)
فهاهو واحد من أتقياء الأمة و أنصار نبي الرحمة صلى الله عليه و سلم الذي قد جهل فضله بل حتى اسمه الكثير من أهل السنة و طلبة العلم فضلا عن العامة و الجهلة من الناس
هو الولي الصالح , و الصحابي المنافح هو واحد من بيت الصحبة الشرفاء :
يزيد بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -
فهو ممن يجب على الأمة محبته و نصرته و الذب عن عرضه الشريف
هو يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ الأمويّ .
أخو معاوية بن أبي سفيان , ويقال له يزيد الخير , و أمه هي زينب بنت نوفل الكنانية و هو أخو أم المؤمنين أم حبيبة .(2)
قال ابن الأثير-رحمه الله- يكنى أبا خالد , ولم يعقب ) (3)
قال الإمام الذهبي - رحمه الله - : ( أسلم يوم الفتح و حسن إسلامه و كان جليل القدر شريفا سيدا فاضلا ) (4)
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : ( استعمله النبي صلى الله عليه و سلم على صدقات بني فارس و كانوا أخواله ) (5)
كان من العقلاء الألباء , و الشجعان المذكورين , أسلم يوم الفتح , و حسن إسلامه , و شهد حنينا , فقيل أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطاه من غنائم حنين مئة من الإبل و أربعين أوقية فضة , و هو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم , عقد له أبوبكر , و مشى معه تحت ركابه يسايره , و يودّعه , ويوصيه , وما ذلك إلا لشرفه و كمال دينه و لما فتحت دمشق , أمّره عمر عليها . (6)
و على يديه كان فتح قيسارية التي بالشام (7)
قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - : ( فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام ) (
فتولية الخلفاء له – رضي الله عنه – دليل قاطع على فضله و منزلته العالية
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( وعمر من أعلم الناس بأحوال الرجال , و أحذقهم في السياسة و أبعد الناس عن الهوى لم يولّ في خلافته أحدا من أقاربه و إنما كان يختار للولاية من يراه أصلح لها ) (9)
كان – رضي الله عنه – من المحدثين الذي بلغوا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و أكرم به و أنعم من شرف وفضل
حيث ذكره الإمام ابن حبان - رحمه الله - في كتابه " تاريخ الصحابة الذين روي عنهم الأخبار " (10)
و له حديث في الوضوء رواه ابن ماجه و له عن أبي بكر حدّث عنه أبوعبد الله الأشعري و جنادة بن أبي أمامة .(11)
و من علوّ قدره و عظيم فضله أنه كان يفضل على أخيه كاتب الوحي معاوية و كان يفضل على أبيه أيضا – رضي الله عنهم –
قال ابن الأثير-رحمه الله- كان أفضل بني أبي سفيان ) (12)
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : ( وكان يزيد أكبر وأفضل ) (13)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( كان من خيار الصحابة , رجلا صالحا أفضل من أخيه و أبيه ) (14)
وقد شهد له الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بالصلاح و التقوى
فعن عمرو بن يحيى،عن جده، أن عمر دعا أبا سفيان يعزيه بابنه يزيد بن أبي سفيان، فقال له أبو سفيان: من جعلت على عمله يا أمير المؤمنين ؟ قال :جعلت أخاه معاوية، وابناك مصلحان،ولا يحل لنا أن ننزع مصلحين (15)
ومن الأهمية بمكان التذكير بفضيلة عظيمة قد نال خيرها كل من صحب النبي صلى الله عليه و سلم ولو لم تثبت في حقه فضائل خاصة
هي فضيلة رؤية النبي صلى الله عليه و سلم
قال الإمام أحمد - رحمه الله - :
( فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذي لم يروه و لو لقوا الله بجميع الأعمال ... و من رآه بعينه و آمن به و لو ساعة أفضل بصحبته من التابعين و لو عملوا كل أعمال الخير) (16)
- قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا وكلا وعد الله الحسنى }
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في " تفسيره 6/552 " : ( { وكلا وعد الله الحسنى } و إنما نبه بهذا لئلا يُهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر فيتوهم عندهم ذمه فلهذا عطف بمدح الآخر و الثناء عليه مع تفضيل الأول عليه )
توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة, ولما احتضر,استعمل أخاه معاوية على عمله, فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد وتنفيذا لتوليته (17)
تنبيه مهمّ :
مما يقع فيه الكثير من الجهلة في هذا الباب خلطهم بين هذا الصحابي الجليل و بين يزيد بن معاوية
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( ليس هذا هو يزيد بن معاوية الذي تولى بعد معاوية الخلافة , فإن ذلك ولد في خلافة عثمان لم يكن من الصحابة و لكن يمي باسم عمه فطائفة من الجهال يظنون يزيد هذا من الصحابة ) (18)
وفي الأخير لابدّ من التذكير بأن الذبّ عن كل الصحابة من أولهم إلى آخرهم من عظيم القرب التي يسعد بها أهلب السنة يوم القيامة
قال الإمام الصابوني – رحمه الله - : ( فمن أحبهم و تولاهم و دعا لهم و رعى حقهم و عرف فضلهم فاز في الفائزين ) (19)
و قال ابن المبارك : ( خصلتان من كانتا فيه , الصدق و حب أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أرجو أن ينج و يسلم ) (20)
و قال الإمام أحمد أرجو لمن سلم عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الفوز غدا لمن أحبهم ) (21)
منقول من شبكة سحاب