عن ابن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « يا ابن أمّ عبدٍ ما حكم من بغى على أمّتي ؟ قال : فقلت : اللّه ورسوله أعلم . قال : لا يتبع مدبرهم ، ولا يذفّف على جريحهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ولا يقسم فيؤهم » .
إن في إكرام النبي – صلى الله عليه وسلم - للأسرى، مظهراً فريداً من مظاهر الرحمة، في وقت كانت تُستَباح فيه الحرمات والأعراض.
"وكثيراً ما أطلق - صلى الله عليه وسلم - سراح الأسرى في سماحة بالغة،
وحين أُتي بالأسارى - بعد بدر - فرَّقهم النبي– صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه وقال: ((استوصوا بهم خيراً)) ، وبهذه الوصية النبوية الرفيعة، تحقق في هذا الجيل قول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} ابن كثير؛ البداية والنهاية 3/307
وهذا أبو عزيز بن عمير، أخو مصعب بن عمير، يحدثنا عما رأى، فيقول: "كنت في الأسرى يوم بدر[5]، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا بالأسارى خيراً))[6]. وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر؛ فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم بنا؛ ما تقع في يد رجل منهم كِسرة خبز إلا نفحني بها، قال: فأستحيي؛ فأردُّها على أحدهم؛ فيردها عليَّ ما يمسها"
ويقول جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: "لما كان يوم بدر، أُتي بالعباس، ولم يكن عليه ثوبٌ؛ فنظر النبي – صلى الله عليه وسلم - له قميصاً؛ فوجدوا قميص عبدالله بن أُبي يقدر عليه فكساه النبي – صلى الله عليه وسلم - إياه"البخاري (2846) وانظر: ابن حجر العسقلاني- فتح الباري
ويتّفق الفقهاء على عدم استرقاق أسرى البغاة ، لأنّ الإسلام يمنع الاسترقاق ابتداءً ، وقد روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال يوم الجمل :" لا يقتل أسيرهم ، ولا يكشف سترٌ ، ولا يؤخذ مالٌ " أي لا يسترقّون ولذا فإنّه لا تسبى نساؤهم ولا ذراريّهم . والأصل أنّ أسيرهم لا يقتل لأنّه مسلمٌ ، وقد نصّ على تحريم ذلك كلٌّ من الشّافعيّة والحنابلة ، حتّى قال الحنابلة : وإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم ، لأنّهم لا يقتلون بجناية غيرهم ، ويتّجه المالكيّة وجهة الشّافعيّة والحنابلة في عدم قتل الأسرى .
كان هذا الخُلق الكريم، الذي غرسه – صلى الله عليه وسلم - في أصحابه وجنده وشعبه، قد أثَّر في إسراع مجموعة من كبراء الأسرى وأشرافهم إلى الإسلام؛