سائل : قرأت في كتاب الشفاء العليل لابن القيم- رحمه الله-، يقول: بعد الملايين من السنين من العذاب المقيم في النار يمحو الله النار، ويستند على آيات من القرآن منها قوله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ[الأنعام:128]، قال الخلود هو: الاستقرار مدةً معينة من الزمن، ولو كانوا خالدين فيها أبداً لقال تعالى: خالدين فيها أبدا، يقول السائل: ولكن هناك آية واحدة في القرآن في سورة الجن يقول الله تعالى فيها:وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا[الجن:23]، يقول: فلا أدري، أعالم مثل ابن القيم تفوته هذه الآية، وما مدى صحة ما قال؟ بارك الله فيكم.
الشيخ : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد .. هذا قول لبعض السلف .. يروى عن بعض السلف وعن بعض الصحابة وذكره ابن القيم, وذكره شيخ الإسلام بن تيمية, وذكره آخرون, ولكنه قول مرجوح عند أهل السنة قول ضعيف, والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة, وهو قول جمهورهم أن النار تبقى أبد الآباد, وأن أهلها يبقون فيها أبد الآباد وهم الكفرة كما قال-جل وعلا-: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ.
وقال-سبحانه-في حقهم: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ يعني مستمر نسأل الله العافية, وقال-سبحانه-: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ.
فالذي عليه أهل السنة والجماعة إلا النادر والقليل أن عذاب النار مؤبد الآباد مؤبدٌ أبداً ليس لها نهاية, فهم مستمرون فيها باقون فيها أبد الآباد وهي باقية أبد الآباد, وقد رجع ابن القيم إلى هذا وأوضحه في كتاب الوابل الصيب, وقال إن النار تبقى أبد الآباد وإنما يخرج منها أهل التوحيد, أهل التوحيد هم الذين يخرجوا منها إذا ماتوا على توحيد الله ولكن لهم معاصي دخلوا بها النار وهذا حق فإن أهل السنة والجماعة يقولون: إن العصاة لا يخلدون في النار, من مات على الإسلام ولكنه دخل النار بالمعاصي, إما بالزنا, وإما بشرب الخمر, وإما بالربا, وإما بعقوق الوالدين أو بغير هذا من المعاصي هؤلاء لا يخلدون.
الله-سبحانه-يدخل النار من العصاة من شاء-سبحانه- من لم يعف عنه- سبحانه وتعالى- فيبقون فيها ما شاء الله على قدر أعمالهم الخبيثة, فإذا طهروا, ونقوا, وزال خبثهم, أخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة, ويشفع فيهم النبي – صلى الله عليه وسلم -, ويشفع فيهم الملائكة, والمؤمنون, والأنبياء, والأبرار, هذا جاءت به السنة المتواترة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان, وفي اللفظ الآخر مثقال ذرة من إيمان فأهل التوحيد الذين ماتوا على التوحيد على الإسلام ولكنهم دخلوا النار بمعاصيهم, فهؤلاء لا يخلدون بل يخرجهم الله من النار إلى الجنة, هذا قول أهل الحق من أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج, وخلافاً للمعتزلة ومن كان على شاكلتهم, الذين يقولون إن العصاة يخلدون في النار هذا قول باطل, وهم الخوارج, وقول المعتزلة في تخليد العصاة في النار قول باطل خلاف ما جاءت به النصوص الكثيرة عن رسول الله-عليه الصلاة والسلام-, وهي متواترة وثابتة, أما الكفار فإنهم يخلدون فيها أبد الآباد هذا هو الحق الذي عليه جمهور أهل السنة, وهو الذي قامت عليه الأدلة الشرعية, فينبغي لك أيها السائل أن تلتزم بها وأن لا تلتفت إلى غيره والله ولي التوفيق. أثابكم الله.
وصلى الله على نبينا محمد.