الحوار بين الأديان والمذاهب بين الحق والباطل
محمد الحمود النجدي
الحوار بين الأديان والمذاهب متنوع بحسب أهدافه وأغراضه، وبحسب أهله وأحوالهم، فمنه ما هو حق وخير، ووسيلة فعالة من وسائل إصلاح الفرد والجماعة والأمم، وذلك إذا كان دعوة وبيانا للدين، وبحثا عن الحق، وسبيلا إلى التعايش والتفاهم في الأرض، والتعاون على البر والخير.
ومنه ما هو باطل، وإضاعة للأوقات، ولحقوق العباد والبلاد، إذا كان نقضا للدين الحق، وتمييعا لشرائعه، وطمسا لمعالمه، وإماتة لعقيدة الولاء والبراء، وإذا فقدت الضوابط والمقاييس الصحيحة منه.
ولذلك فإن حوار الأديان لا يرد مطلقا، لأننا بذلك قد نرد الحق الذي فيه، ولا نقبله مطلقا لأننا بذلك نقبل الباطل الذي فيه.
وكذا الحوار بين أهل السنة والجماعة والمذاهب البدعية وأهل الأهواء.
أما أسس الحوار الصحيحة فأهمها:
1- الاتفاق على منطلقات ثابتة، وقضايا مسلَّمة ومتفق عليها بين الطرفين، وهذه المسلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها العقل السليم، ولا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين، كحُسن الصدق، وقُبح الكذب، وحسن الأمانة، وقبح الخيانة، وشُكر المحسن، ومعاقبة المذنب.
أو تكون مسلَّمات دينية، لا يختلف عليها المعتنقون للديانات عموما، كالإقرار بالخالق الرازق المدبر، وكالإقرار بالرسل والملائكة واليوم الآخر ونحوها من المعتقدات الثابتة المتفق عليها.
وبالوقوف عند الثوابت والمسلَّمات، والانطلاق منها، يمكن إيجاد قواسم مشتركة للحوار والتفاهم، ويتحدد بها مُريد الحق، ممن لا يريد إلا المراء والجدال.
2- سلوك الطرق العلمية والتمسك بها عند الحوار، ومن أهمها:
ا - تقديم الأدلة المُثبِتة للقول، أو المرجِّحة للدعوى، قال الله - سبحانه -: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وأما القول بغير دليل فمردود كما قال - سبحانه - (إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون) يونس: 68.
وقال - سبحانه - (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) النجم: 28.
ب - التأكد من سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض، فالمتناقض ساقط بداهة.
ج - إثبات صحة المنقول من الحجج والأقوال، وفقا للقاعدة المعروفة: إن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدَّعيا فالدليل.
د - أن لا يكون الدليل هو عين الدعوى، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلا، ولكنه إعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى.
أما الآداب التي يجب أن يسير عليها الحوار فتتمثل في:
العدل والإنصاف، وهما من أهم الضوابط والآداب في الحوار، فيجب على المحاور أن يكون منصفا فلا يرد حقا أبدا، بل عليه أن يقبل بالأدلة الصحيحة التي يوردها محاوره، ويبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة، وهذا الإنصاف له أثره العظيم لقبول الحق، واستمرار الحوار.
وأما التعصب وعدم قبول الحق، فإنه من الصفات الذميمة في كتاب الله عز وجل، فقد أمرنا عز وجل بالعدل، فقال (إن الله يأمر بالعدل والإحسان..) النحل: 90.
بل إن الله يأمرنا بالعدل والإنصاف حتى مع الأعداء فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة: 8.
وقد أنصف الله - تعالى -أهل الكتاب في قوله - تعالى -: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) آل عمران: 113.
فلا بد من التسليم للحق والقبول به إذا اتضح وبان، فلا يستنكف المتحاور من قبول الحق ولو جاء ممن هو دونه علما أو سنا أو قدرا، والرجوع للحق بعد أن يتبين له، خير من التمادي في الباطل.
ومن الأخلاق العظيمة: التمسك بخلق الصدق، والأمانة في النقل، والإخلاص والتجرد في طلب الحق من كل غرض دنيوي، ومصلحة عاجلة.
وتجنب اللدد في الخصومة والتشدد، ومجاوزة حد الاعتدال، والأخذ باللين والرفق، فإن الله - تعالى -يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف، وقال - تعالى -(ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
وكذا البعد عن التهكم والسخرية والاستهزاء بالمخالف، والإثارة والاستفزاز.
ومن الآداب: حسن الاستماع للآخر، وتدبُّر قوله الذي لا يتحقق إلا بحسن الاستماع له حتى آخره.
كذلك من الأخلاق الهامة: الحلم والصبر أثناء الحوار، فالمحاور يجب أن يكون حليما صبورا، فلا يغضب لأتفه الأسباب، فإن ذلك يؤدي إلى النفرة منه والابتعاد عنه، والغضب لا يوصل إلى إقناع الخصم وهدايته، وإنما يكون ذلك بالحلم والعلم، والحلم من صفات المرسلين والمؤمنين، قال - تعالى -: (إن إبراهيم لأواه حليم) التوبة: 114.
وقال (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران.
ومن أعلى مراتب الصبر والحلم: مقابلة الإساءة بالإحسان، فإن ذلك له أثره العظيم على المحاور، وكثير من الذين اهتدوا للحق والدين الصحيح، لم يهتدوا لعلم المحاور واتقانه لأساليب الجدل، وإنما لأدبه وحسن خلقه، واحتماله للأذى ومقابلته بالإحسان.
ومن الأخلاق المطلوبة: البعد عن التسرع في إصدار الأحكام، إذ إن التسرع في إصدار الأحكام دون روية وتثبت، مع عدم وضوح الرؤية، يوقع في أخطاء وظلم للمخالف.
وبعد:
فالحوار مبدأ شرعي في دين الإسلام، وكتاب الله - تعالى -مليء بعشرات المحاورات التي يمكن الاستفادة منها في الباب المهم، وقد كتبت عدة كتب فيه، يمكن الاستزادة منها، والله الموفق والهادي للحق وحده لا شريك له.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.