طلع البدر علينا
من المشهور جدا أن أهل المدينة المنورة قد استقبلوا الرسول عليه السلام بهذه
الأنشودة عندما وصلهم مهاجراً من مكة:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
حديث عبدالله بن محمد بن عائشة قال( لما قدم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن : طلع البدر علينا من سنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع) ضعفه الألباني
وفي روايـة (لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن : طلع البدر علينا من ثنية الوداع*وجب الشكر علينا ما دعا لله داع)خلاصة حكم المحدث: إسناده معضل
وقد قال الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة :" أما تلك الروايات التي تفيد استقباله عليه السلام بنشيد طلع البدر علينا فلم ترد بها روايات صحيحة " .
علماً بأن الرواية ضعيفة جداً لكونها من رواية عبيد الله بن عائشة ، رواها بسند معضل _ وهو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي_ حيث إن بينه وبين الرسول، عليه السلام "مفاوز" ، وهو المتوفى سنة 228 للهجرة.
وقد أورده ابن تيمية رحمه الله في "أحاديث القصاص"، وورد "في تذكرة الموضوعات". وفي اسمي الكتابين من الدلالة على درجة الرواية ما يكفي .
لكن ابن القيّم ،رحمه الله ، في زاد المعاد ،نظر إلى الرواية من ناحية المتن ، وأكد بأن هذه الأنشودة قد قيلت عقب عودة الرسول عليه السلام من غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة ,وليس كما هو شائع .ويدلل على قوله بأن ثنية الوداع ليست من طريق القادم من مكة جنوبا، بل من طريق القادم من الشام وتبوك شمالا، ويبدو أن ابن القيم قد اعتمد ما في البخاري من استقبال بعض أهل المدينة للرسول وهو عائد من تبوك عند ثنية الوداع ، فجمع بين الروايتين ،وخطّأ من قال بأن
النشيد قيل في الهجرة، علما بأن رواية البخاري لاتتضمن النشيد ، ورواية عبيد الله ابن عائشة واهية جدا،كما أسلفنا.
وهناك بيتان آخران من الأنشودة، يتكرران على الألسنة، ولم أجد الأخير منهما فيما بين يديّ من كتب السيرة، وهما :
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
وهذا النص، على فرض أنه كان متصلا بالمقطع الأول، فمن المستبعد، أيضا، أن يكون قيل في استقبال الرسول عليه السلام وقت الهجرة ،ذلك أنه حتى ذلك الوقت لم يكن قد تحول اسم يثرب الى المدينة00 بل إنه حتى وقت كتابة "الوثيقة/الدستور"، لم يكن قد تغير الاسم . ويمكن لمتابع الوثيقة أن يقرأ فيها عبارة (وإن بينهم النصر على من دهم يثرب) ،وذلك بعد مدة من استقرار الرسول الكريم فيها.
الغريب بعد كل الذي قرره العلماء بخصوص الرواية، أن فريقاً من العلماء الأجلاء والمحققين المعتبرين، لا يرغبون في اطّراح هذه القصة ، فتراهم ،من جهة، يقررون وجود أكثر من ثنية للوداع إحداهما شامية والأخرى مكية، رداً على نقد ابن القيم ،ومتجاهلين الضعف الشديد للرواية.
ولعل من أسباب ذلك أن مثل هذه القصة مما تعلمناه صغاراً ، وشكل عقولنا وأذهاننا ، ويعز علينا أن نحذفه أو نلغيه .
ولا ننسى أن هذه الرواية تعكس المشاعر المحبة الحالمة للكثيرين ممن يتمنون لقاء الرسول عليه السلام ، ويستبعدون أن يقدم الرسول المدينة ، وهو النور الساطع والبدر الطالع والسراج المنير ، ثم لا يخرج الجميع في استقباله ، يغنون وينشدون ويقيمون الأفراح والليالي الملاح ابتهاجاً بهذه المناسبة العظيمة !!.