منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى السيرة النبوية وسيرة الإنبياء


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي سراج الدين الأثري مخالفة
سراج الدين الأثري غير متواجد حالياً
 
سراج الدين الأثري
عضو نشيط
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 43
تاريخ التسجيل : Oct 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 76 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي التوضيح التام والبيان لأسباب الهجرة لسيِّد الأنام صلى الله عليه وسلم - الحث على هجر ما حرَّم الله عزَّ وجل

كُتب : [ 08-10-2011 - 03:08 PM ]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله الذي أرسلَ رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله، والشكر له على ما أولانا من واسع كرمه وفضله، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدى مَن هدى بفضله وأضلَّ مَن ضلّ بحكمته وعدله، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى من جميع خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
[ففي هذا الشهر - شهر ربيع الأول - من العام الثالث عشر من البعثة وصَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مُهاجرًا من مكة البلد الأول للوحي وأحبّ البلاد إلى الله ورسوله، خرج من مكة مهاجرًا بإذن ربه «بعد أن أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلّغ رسالة الله ويدعو إليه على بصيرة»(1) فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإعراض عنها والإيذاء الشديد للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومَن آمن به][م1][حتى آلَ بهم الأمر إلى تنفيذ خطّة المكر والخداع لقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين اجتمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يصنعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة ؟ وأنه لابدّ أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار وحينئذٍ تكون له الدولة على قريش، فقال عدو الله أبو جهل: الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتًى شابًّا جَلْدًا ثم نُعطي كل واحدٍ سيفًا صارمًا ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربةَ رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرّق دمه في القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف - يعني: عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم - أن يحاربوا قومهم جميعًا فيرضون بالدّية فنعطيهم إياها][م2] .
الله أكبر ! هكذا يُخطط أعداء الله للقضاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبهذا القدر من المكْر والخديعة ولكنهم يمكرون ويمكر الله كما قال الله تعالى: +وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" [الأنفال: 30] .
[فأعلَمَ الله نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بِما أراد المشركون به وأذِنَ له بالهجرة وكان أبو بكر - رضي الله عنه - قد تجهَّز من قبل للهجرة إلى المدينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«على رسلك فإني أرجو أن يؤذَن لي»(2) ولم يخرج صلى الله عليه وسلم مع الإيذاء الشديد، لم يخرج حتى أذِنَ له الله - عزَّ وجل - فتأخَّر أبو بكر - رضي الله عنه - ليصحب النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: فبينما نحن في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة في منتصف النهار إذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الباب مُتقنّعًا، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، واللهِ ما جاء به في هذه الساعة إلا أَمْر، فدخَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لأبي بكر: أخْرِج مَن عندك ؟ فقال: إنَّما هم أهلك بأبي أنت وأمي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أُذِنَ لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله ؟ قال: نعم، فقال: يا رسول الله، فخذ إحدى راحلتي هاتين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آخذها بالثمن، ثم خرَجَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فأقاما في غار جبل ثور ثلاث ليالٍ يَبِيتُ عندهما عبد الله بن أبي بكر وكان غلامًا شابًّا ذكيًّا واعيًا فينطلِق في آخر الليل إلى مكة فيُصبِحُ مع قريش فلا يسمع بخبر حول النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه إلا وعاه حتى يأتي به إليهما حين يختلط الظلام، فجعلت قريش تطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل وجه وتسعى بكل وسيلة ليدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى جعلوا لِمَن يأتي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر أو بواحد منهما، جعلوا له مائة من الإبل ولكنَّ الله تعالى كان مع رسوله يحفظه بعنايته ويرعاه برعايته حتى إن قريشًا لَيَقِفون على باب الغار فلا يرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبا بكر، قال أبو بكر رضي الله عنه: قلتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأَبْصَرَنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: +لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" [التوبة: 40]، «ما ظنك - يا أبا بكر - باثنين الله ثالثهما»(3) حتى إذا سكَنَ الطلب عنهما قليلاً خرجا من الغار بعد ثلاث ليالٍ متَّجهين إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقة بن مالك المدْلجي على فرس له فالتفتَ أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: +لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" [التوبة: 40]، فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِقُربه منه غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مَسَّ بطنُها الأرض وكانت أرضًا صلبةً فنزلَ سراقة وزَجَرَها فنهضت فلمَّا أخرجت صار لأثرهما عِنان ساطع في السماء مثل الدخان، قال سراقة: فوقعَ في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فناديتهم بالأمان فوقَفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَن معه فركبتُ فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بِما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع، وقال سراقة للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك تَمُرّ على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخُذ منها حاجتك، فقال: لا حاجة لي في ذلك، وقال: أخْفِ عنّا، فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحدًا من الطلب إلا ردَّه وقال: كُفيتم هذه الجهة .
فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ! رجلٌ ينطلق على فرسه طالبًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه لِيَظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار فلم ينقلب هذا الرجل حتى عاد ناصرًا مُعينًا مُدافعًا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويردّ عن جهتهما كل مَن أقبل نحوهما][م3].
وهكذا أيها الإخوة أيها المؤمنون، كل مَن كان الله معه فلم يضره أحد وإن العاقبة له بلا شك .
[ولَمّا سمع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم كانوا يخرجون صباح كل يوم إلى الحرَّة ينتظرون قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه، ينتظرون قرَّة أعينهم ونور بصائرهم حتى يطردهم حرُّ الشمس، فلمَّا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعالى النهار واشتدَّ الحرّ رجعوا إلى بيوتهم وإذا رجل من اليهود - يهود المدينة - على أُطُمٍ من آطام المدينة ينظر لحاجة له فأبصَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مُقبلين يزول بهم السراب فلم يملك أن نادى بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا جدّكم؛ يعني: هذا حظّكم وعزّكم الذي تنتظرون، فهبَّ المسلمون للقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعهم السلاح تعظيمًا وإجلالاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيذانًا باستعدادهم للجهاد والدفاع دونه رضي الله عنهم، فتلقَّوه صلى الله عليه وسلم بظاهر الحرَّة فعدل بهم ذات اليمين ونزل في بني عمر بن عوف في قباء وأقام فيهم بضع ليالٍ وأسَّسَ المسجد ثم ارتحل إلى المدينة والناس معه وآخرون يتلقّونه في الطرقات، قال أبو بكر رضي الله عنه: خرجَ الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر ! جاء رسول الله، الله أكبر ! جاء محمد][م4]، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: «إني لأسعى بين الغلمان وأنا يومئذٍ غلام والناس يقولون: جاء محمد، جاء محمد»(4) هكذا يردِّد الناس هذه الكلمات فرحًا بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أحبّ الناس إليهم، فيا له من مقدم ملأ القلوب فرحًا وسرورًا وملأ الأفاق بهجة ونورًا .
[فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكل قبيلة من الأنصار تُنازع الأخرى زمام ناقته: النزولُ عندنا يا رسول الله في العدد والعدة والمنعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: دعوها فإنها مأمورة وإنّما أنزل حيث أنزلني الله عزَّ وجل، فلمَّا انتهت به الناقة إلى مكان مسجده هذا برَكَتْ فلم ينزل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وثَبَتْ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطلَقَ لها الزمام فسارت غير بعيد ثم التفتت خلفها فعادت إلى مكانها الأول فبَرَكَت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا - إن شاء الله - المنزل، وكان هذا المكان لغُلامَين يتيمين فدعاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فساومهما لِيَشْتَريه منهما فيتَّخذه مسجدًا، فقالا رضي الله عنهما: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى أن يقبله منهما هبةً حتى اشتراه منهما، وقال صلى الله عليه وسلم: أي بيوتنا أقرب ؟ قال أبو أيوب: أنا يا رسول الله، هذه داري وهذا بابي، قال: فانطلِقْ فهيئ لنا مقيلاً، فانطلَقَ أبو أيوب فهيأ المقيل ثم جاء فقال: قوما على بركة الله][م5] .
[ثم جاء عبد الله بن سلام وكان عالِمًا من علماء اليهود فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أشهدُ أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم يا رسول الله فسألهم عنِّي قبل أن يعلموا أني أسلمت؛ فإنهم إن علموا بأني أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهود فأتوا إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر يهود ويلكم ! اتّقوا الله، فواللهِ الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقّا وإني جئتكم بحق ؟ فقالوا وهم كاذبون، قالوا: ما نعلم ذلك، قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا: سيّدنا وابن سيّدنا وأعلمنا وابن أعملنا، قال: أرأيتم إن أسلَمَ ؟ قالوا: حاشا لله، ما كان ليُسْلم، فأعاد عليهم فأعادوا وكان عبد الله بن سلام قد اختبأ لينظر ما يقولون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن سلام، اخرج عليهم فخَرَج عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - وقال لهم: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فواللهِ الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق ؟ فقالوا له: كذبت، فأخرَجَهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم: ألَمْ أُخبرك - يا رسول الله - أن اليهود قومٌ بهت أهل غدر وكذب وفجور](5)[م6].
أيها المسلمون، هذه هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرَجَ من بلده لِيُقيم دعوة الله ويُصلح بها عباد الله، فاتَّقوا الله تعالى واهجروا المعاصي لِتَقوموا بإحدى الهجرتين، ومَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، ومَن اتّقى وأحسن كان الله معه+إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" [النحل: 128] .
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بِما فيه من الآيات والذْكْر الحكيم .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لِمَن شكر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك به وكفر، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله سيّد البشر، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها المسلمون، اتَّقوا الله تعالى واعملوا أن المهاجر: مَن هجر ما حرّم الله وأن في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - عبرة لِمَن اعتبر .
هاجر صلى الله عليه وسلم وهو سيّد البشر، هاجر من أحبّ البلاد إليه وأحبّ البلاد إلى الله وأفضل البلاد على وجه الأرض، هاجر من مكة؛ لأن أهلها كانوا أهل شرك وأوثان وفسوق وعصيان .
وهكذا يجب على كل مسلم أن يهجر أماكن المعاصي والكفر ولا يجوز له أن يبقى فيها ما دموا معارضين لدعوة الإسلام ودين الإسلام، فالهجرة واجبة على كل إنسان يُقيم ببلد الكفر إذا كان لا يستطيع أن يدعو إلى الله وإلى دين الإسلام؛ وبهذا نعرف أن كثيرًا من أولئك الذين يسافرون إلى بلاد الكفر، إلى بلاد الفجور والفسوق والمعصية، إلى بلاد الإلحاد والجحود، نرى أنهم على خطإ مهما نالوا من الدنيا لاسيما إذا كان في بلادهم - بلاد الإسلام - ما يكفيهم عن السفر إلى تلك البلدان؛ وإن مَن تتبَّع الواقع وجَدَ أن الأمر كما وصفنا خطر عظيم؛ لأن كثيرًا مِمَّن يسافرون إلى تلك البلاد إن لم يكن أكثرهم يرجعون بغير دين؛ يذهبون بدين الإسلام ويرجعون بالإلحاد والكفر والعصيان، يرجعون وهم يسخرون ويستهزئون بالصلاة وبالمساجد، هكذا كان كثير منهم والذي يسلم منهم أقل من الذين ينحرفون، وشيءٌ هذا خطره لا ينبغي للعاقل أبدًا أن يُخاطر بنفسه بالسفر إليه .
وإذا كان الإنسان يجب عليه أن يُهاجر من بلاد الكفر إذا كان لا يستطيع أن يدعو إلى دين الإسلام فإنه كذلك لا يجوز أن يبقى في مكان تُنتهك فيه حرمات الله؛ فلا يجوز أن يجلس مع قوم يعصون الله عزَّ وجل، بل الواجب على مَن جلس مع قوم يعصون الله، الواجب عليه أن ينصحهم وأن يحذّرهم من معصية الله عزَّ وجل، فإن هداهم الله فهو له ولهم وإن لم يهتدوا فعليهم وله، ولكن لا يجوز أن يبقى معهم؛ فإن بعض الناس يغترّون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن رأى منكم منكرًا فلْيغيِّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه»(6)، ويظنُّون أن المرء إذا جلس مع أهل المعصية وهم يُمارسون المعصية وهو يكرهها بقلبه يظنون أنه بذلك سالِم من الإثم وليس سالِمًا من الإثم، بل مَن جلس مع قوم يعصون الله ولو كان كارهًا لمعصيتهم فإن إثْمَه مثل إثمهم، يقول الله تعالى في كتابه: +وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ" [النساء: 140]، أي: إن جلستم معهم فأنتم مثلهم وإن لم تعملوا عملهم، فمَن لم يستطع أن يُنكر المعصية فإنه يجب عليه أن يخرج من المكان ولا يجوز له أن يبقى في مكان يُعصى فيه الله عزَّ وجل، وإلا فإنه معرِّض نفسه لعقوبة الله .
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليمًا: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [الأحزاب: 56] .
اللهم صلِّ وسلم وبارِك على عبدك ونبيِّك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملّته واحشرنا في زمرته وأسْقنا من حوضه وأدْخلنا في شفاعته واجمعنا به في جنات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين .
اللهم وفِّق المسلمين وولاتهم لِمَا فيه الخير والصلاح، اللهم يسِّرهم لليسرى وجنِّبهم العسرى واغفر لهم في الآخرة والأولى، +رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"[الحشر: 10] .
عباد الله، +إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ"[النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، +وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" [العنكبوت: 45] .

----------------------------------
(1)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب: [المناقب]، باب: مبعث النبي صلى الله عليه وسلم [3562]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، كتاب: [الفضائل]، باب: كم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة والمدينة [4336]، ت ط ع .
(2)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب: [الحوالة] باب: جوار أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- عقده، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، [2134]، ت ط ع .
(3)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- في كتاب: [المناقب]، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم ومنهم: أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التَّيمي رضي الله تعالى عنه، [الباب] [3380]، أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- في كتاب: [فضائل الصحابة]، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه [4389]، ت ط ع .
(4)أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في باقي مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه [12840]، ت ط ع .
(5)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- في كتاب: [الأنبياء]، باب: خلق آدم عليه الصلاة والسلام [3082]، ت ط ع .
(6)أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- في كتاب: [الإيمان] باب: [بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان] رقم [70] ت ط ع .
[م1]أخرج هذا المقطع من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكره الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه [البداية والنهاية] في الجزء [3] الصفحة [168-176] .
[م2]انظر إلى هذا المقطع من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في [البداية والنهاية] الجزء [3] الصفحة [177]، وذكره صاحب كتاب: [مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم] الجزء [1] الصفحة [92]، وذكره صاحب كتاب: [محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم] الجزء [1] الصفحة [155] .
[م3]انظر إلى هذا المقطع ذكره الإمام الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتاب: [البداية والنهاية] في الجزء [3] الصفحة [184] .
[م4]انظر إلى هذا المقطع من هذه الهجرة المباركة، ذكر الحافظ إمام المفسرين ابن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه المبارك بإذن الله تعالى في الجزء [3] الصفحة [185-188].
[م5]انظر إلى هذا المقطع من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الحافظ الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في [البداية والنهاية] في الجزء [3] الصفحة [196-200] .
[م6]انظر إلى هذا المقطع من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره إمام المفسرين الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في [البداية والنهاية] في الجزء [3] الصفحة [200-210] .
 

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:51 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML