سُورةُ فَاطِر ( الملائِكَة )
حِكمَةُ تَقديمِ السَّموات على الأرضِ و العَكْس
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَ ٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ ( فاطر : 38 ) .
قَدَّم الله بحكمته في هذه الآية السّموات على الأرض ، و قدّم في آية تليها بعد آيةٍ الأرضَ على السّموات ، فقال : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ منْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ﴾ ( فاطر : 40 ) ، ثمّ عاد بعدها فقدَّم السّموات على الأرض ، فقال : ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَ ٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَ لَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ من بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ ( فاطر : 41 ) .
قال الزّركشي رحمه الله في ” البرهان ” ( 3/285-286 ) : ” و منها ذَكَرَ الله في أواخِر سورة الملائكة : ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَ ٱلأَرْضِ ﴾ ، فقدّم ذكر السّموات ؛ لأنّ معلوماتها أكثرُ ، فكان تقديمُها أدلَّ على صفة العالمِيَّة (1) ، ثمّ قال : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ ، فبدأ بذكر الأرض ؛ لأنّه في سياق تعجيز الشّركاء عن الخَلق و المشاركة ، و أمرُ الأرض في ذلك أيسرُ من السّماء بكثيرٍ ، فبدأ في الأرض مبالغةً في بيان عَجزِهم ؛ لأنّ من عجزَ عن أيسر الأمرين كان عن أعظمهما أعجزَ ، ثمّ قال سبحانه : ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَ ٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ ﴾ ، فقدّم السّموات تنبيهاً على عِظم قدرته سبحانه ؛ لأنّه خلقها أكبر من خَلق الأرض كما صرّح به في سورة المؤمن (2) ، و من قَدَر على إمساك الأعظم كان على إمساك الأصغر أقدرُ ؛ فإن قلتَ : فهلاّ اكتفى من ذكر الأرض بهذا التّنبيه البيِّن الّذي لا يَشّكُ فيه أحدٌ ؟ قلتُ : أراد ذِكْرَها مطابقةً ؛ لأنّه على كلّ حالٍ أظهرُ و أبينُ ، فانظر - أيّها العاقل !– حكمة القرآن و ما أودعه من البيان و التّبيان تَحمدْ عاقبة النَّظر ، و تنتظر خير مُنتظر ” .
_______________
(1) ذكر ( المعلومات ) و ( العالميّة ) هنا المقصود منه بيان علاقة العلم بالسّموات و الأرض .
(2) يريد قوله تعالى : ﴿ لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَ لَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ( غافر : 57 ) .
منقول من كتاب ” من كل سورة فائدة ” للشيخ أبي عبد الله عبد المالك بن أحمد بن المبارك رمضاني الجزائري حفظه الله