-الجزء الحادي والعشرون-
بـاب
ترجيح المعاني
المرادُ بترجيح المعاني هو ترجيح العِلل والأقيسة، وهي كبقية الأدلة على مراتبَ متفاوتةٍ، في القُوَّة والضعف بالنظر إلى اتساع الاجتهادات ومنافسة القائسين، وطريق دفع التعارض بين قِيَاسَين: النظر إن كان لأحدهما مزية أو فضل فإنه يُقدَّمُ على ما دونه، سواء كان الفضل واردًا من طريق الأصل وهو المقيس عليه المنصوص على حكمه، أو بحَسَبِ الفرع وهو المقيس الذي سكت الشارع عنه، أو بحسَب العِلَّة التي هي الوصفُ الجامع بين الأصل والفرع، أو بحسَب حكم الأصل، وقد تكون المرجِّحاتُ بحسَب الأمر الخارجيِّ عن الأركان الأربعة للقياس.
ونظرًا لاتساع ميدان ترجيحات المعاني والأقيسة، فإنَّ المصنِّف اكتفى بِذِكر أحد عشر ضربًا من أوجه الترجيح بين القِياسَين بحسَب العِلَّة، كما صَرَّح بقوله: «والكلام ههنا في ترجيح العلل»، وهي من قياس العِلَّة على العِلَّة، وهذا أمر معلومٌ؛ لأنَّ أكثرَ الخِلاف في المسائل الفقهية يترتَّب على الاختلاف في عِلل الأحكام وترجيحِ بعضها، كما سيأتي مشروحًا بالأمثلة التي يقصد منها مُطلق المثال لا مناقشة أدلة الأقوال.
[ في ترجيح العلة المنصوص عليها ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 342]:
«أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى العِلَّتَيْنِ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا وَالأُخْرَى غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، فَتُقَدَّمُ المَنْصُوصُ عَلَيْهَا؛ لأَنَّ نَصَّ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهَا».
[م] فالقياسُ الذي عِلَّته منصوصةٌ مقدَّمٌ على ما عِلَّته مستنبطةٌ؛ لأنَّ النص يدلُّ على العِلية أكثر من الاستنباط لاحتماله الخطأ على المجتهدين؛ لأنَّ المصيبَ واحدٌ، والنصُّ صوابٌ قطعًا؛ ولأنَّ ما نصَّ عليه صاحبُ الشرع لزم اتباعه(1)، وقد مثَّل له المصنِّف باستدلال المالكي في تحريم النبيذ بأنه شرابٌ يسكر كثيرُه، فحُرِّم قليلُه كالخمر، فيعارضه الحنفيُّ بأنَّه شرابٌ أعدَّه الله لأهل الجنَّة فوجب أن يكون من جنس ما هو مباح كالعسل، فيقول المالكي عِلَّتُنا أَولى؛ لأنها منصوصٌ عليها، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»(2)، والتنصيصُ عليها تنبيهٌ من صاحبِ الشرع على صِحَّتها ولزوم اتباعها، فكانت أَوْلَى ممَّا لم يحكم بكونها عِلةً(3).
ومثل قول الشافعي: إنَّ عِلَّتَنا في بيع الرُّطَب بالتمر لا يجوز لحصول التفاضل بينهما في حال الكمال والادِّخار، فيعارضه المخالِفُ أنَّ التعليلَ بوجود التماثل في الحال، فالعِلَّة المنصوص عليها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لما سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ ؟»، قالوا: نعم، قال: «فَلاَ إِذًا»(4)، فعلَّل بوجود التفاضل في حال الجفاف، فكانت المنصوص عليها أولى ممَّا عرفت بالاستنباط(5).
[ في ترجيح العلة التي لا تعود على أصلها بالتخصيص]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 343]:
«وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ إِحْدَى العِلَّتَيْنِ لاَ تَعُودُ عَلَى أَصْلِهَا بالتَّخْصِيصِ، وَالثَّانِيَةُ تَعُودُ عَلَى أَصْلِهَا بالتَّخْصِيصِ، فَالَّتِي لاَ تَعُودُ عَلَى أَصْلِهَا بالتَّخْصِيصِ أَوْلَى؛ لأَنَّ التَّعَلُّقَ بالعُمُومِ أَوْلَى اسْتِنْبَاطًا وَنُطْقًا».
[م] فمراد المصنِّف بالعلِّة التي لا تعود على أصلها بالتخصيص هي ما كانت عامَّةً في أصلها، أي: في جميع أفراد أصلِها وشاملة لجميعها بوجودها في جميعها(6)، وهي مُقدَّمة على العِلَّة التي تعود على أصلها بالتخصيص على أرجح قولي العلماء(7) لكثرة فائدتها، فالأصلُ هو المعلَّل بها، كالنهي الثابت عن بيع البُرِّ بالبُرِّ إلاَّ مُتماثلاً في باب الربا، فإنه مُعلَّلٌ عند الشافعية وفي رواية عند الحنابلة(8) بأنه مَطعومُ جنسٍ يدخل فيه القليل والكثير، ويبقى الدليل على عمومه في جميع جزئيات البُرِّ والتمرِ، بخلاف تعليل الأحناف فهو مُعلَّل عندهم بأنه مَكيل جنس(9)، ويخرج من ذلك القليل، فلذلك جوَّزوا بيع الحفنة بالحفنتين والتمرة بالتمرتين(10)، فصار الدليل خاصًّا بما يتأتى فيه الكيل عادة(11).
ومَثَّل المصنِّفُ لهذا الضرب من الترجيح «باستدلال المالكي في جواز التيمُّم بالجِصِّ والنُّورَةِ(12)، بأنَّ هذا نوع من الصعيد لم يتغيَّر عن جنس الأصل، فجاز التيمُّم به كالتراب، فيعارضه الشافعيُّ بأنَّ هذا ليس بتراب فلم يجز التيمُّم به كالحديد والنحاس.
فيقول المالكي: عِلَّتنا أَوْلَى؛ لأنها لا تعود على أصلها بالتخصيص، وهو قوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: 43]، وقد قال أهل اللغة: «الصعيدُ وجهُ الأرض كان عليه ترابٌ أو لم يكن»(13)، وعِلَّتكم تخصيص هذا الأصل، فيخرج منه ما ليس بتراب، والتعلُّق بالعموم أَوْلَى استنباطًا ونطقًا(14)»(15).
[ في الترجيح بموافقة إحدى العلتين للفظ الأصل ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 343]:
«وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى العِلَّتَيْنِ مُوَافِقَةً لِلَفْظِ الأَصْلِ وَالأُخْرَى مُخَالِفَةً لَهُ، فَتُقَدَّمُ المُوَافِقَةُ؛ لأَنَّ الأَصْلَ شَاهِدٌ لِلَفْظِهَا».
[م] فالعِلَّة الموافقة لِلَفْظِ الأصلِ لا تترجَّح بقوَّتها في ذاتها وإنما بشهادة الأصل على لفظها، فتُقدَّم الموافِقة على المخالِفة بهذا الاعتبار، وقد مثَّل لها المصنِّف «باستدلال المالكي في أنَّ المدبَّر -وهو العبد يُعتقه سيِّدُه عن دبر: أي بعد موته(16)- لا يجوز بيعه؛ لأنه مُدَبَّر لم يتقدَّمه دَيْنٌ يتعلَّق به فلم يجز بيعه، أصله إذا حكم الحاكم بتدبيره، فيعارضه الشافعي بأن يقول: يجوز بيعه؛ لأنه مُدبَّر لم يحكم بتدبيره، فجاز بيعه كما لو لم يتقدَّمه دَين يستغرقه، فيقول المالكي: عِلَّتنا أَوْلَى؛ لأنها موافِقة لما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن بيع المدبَّر(17)»(18).
[ في ترجيح العلة المطَّردة المنعكسة ]
• قال الباجي -رحمه الله-في [ص 343]:
«وَالرَّابعُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى العِلَّتَيْنِ مُطَّرِدَةً مُنْعَكِسَةً وَالأُخْرَى مُطَّرِدَةً غَيْرَ مُنْعَكِسَةٍ، فَتُقَدَّمُ المُنْعَكِسَةُ؛ لأَنَّ العِلَّةَ إِذَا اطَّرَدَتْ وَانْعَكَسَتْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَعَلُّقُ الحُكْمِ بهَا لِوُجُودِهِ بوُجُودِهَا وَعَدَمِهِ بعَدَمِهَا».
[م] فالعِلَّة التي اجتمع فيها الاطراد مع الانعكاس مُقدَّمةٌ على التي لم يحصل لها هذا الاجتماع؛ ذلك لأنَّ الانعكاس مع الاطراد دليلُ صحِّة العِلَّة بلا خلاف، والطرد ليس بدليل على أحد قولي العلماء(19)، بل انخرام واحد منهما يُعدُّ من القوادح في العِلَّة(20).
وقد مَثَّلَ له المصنِّفُ «باستدلال المالكي في أنَّ غيرَ الأب لا يُجبِر على النكاح؛ لأنَّ من لا يتصرَّف في مال الصغيرة بنفسه لم يملك التصرُّفَ في بُضعها كالأجنبي، فيعارضه الحنفي بأنَّ ابنَ العمِّ عَصَبَةٌ من أهل ميراثها فجاز له التصرُّف في بُضعها كالأب، فيقول المالكي: عِلَّتنا أَوْلَى لأنها مُطَّرِدة مُنعكسة، وعِلَّتكم ليست منعكسة؛ لأنَّ الحاكم ليس بعصبة ويملك التزويج، والعِلَّة إذا اطردت وانعكست غلب على الظنِّ تعلُّق الحكم بها لوجوده بوجودها، وعدمه بعدمها»(21)، إذًا دوران الحكم مع عدمها ووجودها نفيًا وإثباتًا يدلُّ على شِدَّة تأثيرها وصِحَّتها(22).
ومثاله -أيضًا- قول المستدِلِّ في مسح الرأس: إنَّه مسح تعبُّدي في الوضوء فلا يُسنُّ تثليثه كمسح الخُفِّ، فيقول المعارض الشافعي: هو فرض في الوضوء فيسنُّ تثليثه كغسل الوجه، فإنَّ عِلَّةَ الأَوَّلِ مُطردة منعكسة، إذ التعليل واقع بالمسح، وعِلَّة الثاني مُطردة غير منعكسة؛ لأنَّ المضمضة والاستنشاق ليسا فرضًا عنده ويسنُّ تثليثهما(23)، والمقرَّرُ عند الأصوليِّين أنَّ العِلَّةَ المُطَّردةَ المنعكسةَ مُقدَّمةٌ على العِلَّةِ المطَّرِدة، والمطَّردة مُقدَّمَةٌ على المنعكسة، للاتفاق على اشتراط الاطراد في العِلَّة بخلاف الانعكاس(24).
[ في ترجيح العلة بشواهد الأصول ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 344]:
«وَالخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى العِلَّتَيْنِ تَشْهَدُ لَهَا أُصُولٌ كَثِيرَةٌ، وَالأُخْرَى يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ، فَمَا شَهِدَ لَهَا أُصُولٌ كَثِيرَةٌ أَوْلَى؛ لأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إِنَّمَا تَحْصُلُ بشَهَادَةِ الأُصُولِ، فَكُلَّمَا كَثُرَ مَا يَشْهَدُ لَهَا مِنَ الأُصُولِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا».
[م] العِلَّةُ التي يشهد لها أصولٌ كثيرةٌ مُقدَّمةٌ عند الجمهور على العِلَّة التي لا يشهد لها إلاَّ أصلٌ واحدٌ(25)، وخالف بعضُ الشافعية وقالوا: هما سواء، فلا عِبرةَ بكثرة الأصول لاستوائها في الفساد في الأصول كُلِّها أو في أصلٍ واحدٍ؛ لأنَّه إذا كان المعنى واحدًا فالأصولُ وإن كثرت كانت دلالتها عائدة إلى ذلك المعنى، فلا معنى للترجيح، كما أنَّ كثرةَ الشهود من الجانبين لا يوجب التقديم(26)، وذهب القاضي عبد الجبار المعتزلي إلى أنه إذا كان طريقة التعليل واحدة لا يرجَّح بها(27)، وإن كانت مختلفة رجّح بها، وهذا القول اختاره الغزالي حيث قال: «وهذا يظهر إن كان طريق الاستنباط مختلفًا، وإن كان متساويًا فهو ضعيف»(28).
ومذهب الجمهور أقوى؛ لأنَّ الأصول شواهد للصِّحَّة، وما قَوِيَتْ شواهدُه كان أقوى في إثارة غَلَبة الظنِّ، ولأنه لا عبرةَ مع الفاسد بالكثرة والقِلَّة، فشهود الزور لا عبرة بكثرتهم؛ لأنَّ شهادتهم على باطل، وشهود الحقِّ يقوُّون الظنَّ، فالاثنان أكثر من الواحد، ويظهر ضعف الرأي القائل بالتسوية فيما إذا عاضد إحدى العِلَّتين عموم، فإنه عموم لا ينفع مع فساد العِلَّة، أَمَّا مع صِحَّتها فيرجح بمعاضدته(29).
ويندرج الترجيح بكثرة الأصول في باب الترجيح بكثرة الأدلَّة وكثرة الرواة(30)، فلا يبعد أن يقوى ظنُّ المجتهد به وتكون كثرة الأصول ككثرة الرواة للخبر.
هذا، وقد مثَّل المصنِّفُ لهذا الضرب من ترجيح العلل «باستدلال المالكي على اعتبار النية في الوضوء بأنَّ هذه عبادةٌ افتقرت إلى النية كالصلاة والزكاة والحجِّ والتيمُّم والصوم، وغير ذلك من العبادات، فيعارضه الحنفي بأنَّ الوضوء طهارةٌ بالماء فلم تفتقر إلى النية كغسل الجنابة، فيقول المالكي: عِلَّتنا أَوْلى؛ لأنها تشهد لها أصولٌ كثيرة، وعِلَّتكم لا يشهد لها إلاَّ أصل واحد، وما شهد له أصول كثيرة غلب على الظنِّ صِحَّتها»(31).
ومثاله –أيضًا- لهذه المسألة: أنَّ العِلَّةَ في ضمان مال الغير وضع اليد عليه ولو لغير تملُّك، ويشهد للمُستدِلِّ على عِلَّته يد الغاصب ويد المستعير من الغاصب، فيرجَّحُ ذلك على ما قال أبو حنيفة من كون العِلَّة وضع اليد بقصد التملُّك، ولا يشهد لأبي حنيفة إلاَّ يد الرهن، وإن صحَّ استنباط ذلك من تضمين مستلم السلعة(32)، فلا يبعد أن يُغلِّب المجتهد عِلَّة المستدلِّ ويكون كلّ أصل كأنه شاهد آخر.
ومن هذا القبيل –أيضًا- الربا في البُرِّ إذا عُلِّلَ بالطُّعم فإنه يشهد له الملح، وإن عُلِّلَ بالقوت لم يشهد له(33).
[ في ترجيح العلة المردود فرعها إلى أصل من جنسه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 345]:
«وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ القِيَاسَيْنِ رُدَّ الفَرْعُ إِلَى أَصْلٍ مِنْ جنْسِهِ وَالآخَرُ رُدَّ الفَرْعُ إِلَى أَصْلٍِ مِنْ غَيْرِ جنْسِهِ، فَيَكُونُ قِيَاسُ مَنْ رُدَّ الفَرْعُ إِلَى جنْسِهِ أَوْلَى؛ لأَنَّ قِيَاسَ الشَّيْءِ عَلَى جنْسِهِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى مُخَالِفِهِ».
[م] فالعِلَّةُ التي يُرَدُّ بها الفرعُ إلى ما هو مِنْ جنسه أَوْلَى من العِلَّة التي يُرَدُّ بها إلى ما هو من خلاف جنسه، وهو مذهب الجمهور، وبه قال الكرخي والشيرازي وأكثر الشافعية، واختاره الفخر الرازي(34)، وابن عقيل والحلواني(35) كما نسب القول إليهم المجد بن تيمية(36)، خلافًا لمن منع ذلك، وما قرَّره المصنِّف أقوى؛ لأنَّ الشيء أكثر شبهًا بجنسه منه بغير جنسه، والقياس يتبع الشبه، ورَدُّ الشيء إلى ما هو أشبه به أَوْلَى، كقياس الحنفية الحُلِيّ على التِّبر، فإنه أَوْلَى من قياسه على سائر الأموال(37)، وقياس كفارة على كفارة أَوْلَى من قياس كفارة على زكاة(38).
وقد مَثَّل له المصنِّف «باستدلال المالكي بأنَّ قتل البهيمة الصائلة(39) لا يجب ضمانها؛ لأنه إتلاف بدفع جائز فوجب أن لا يتعلَّق به ضمان المُتلف، كما لو صال عليه آدمي، فيعارضه الحنفي بأنَّ من أبيح له إتلاف مال غيره دون إذنه لدفع الضرر عن نفسه وجب عليه الضمان، أصله إذا اضطرَّ إلى أكله للجوع. فيقول المالكي: «قياسنا أَوْلَى؛ لأنَّنا قسنا صائلاً على صائل، فقسنا الشيء على جنسه، وأنتم قستم الصائل على مَن أتلف شيئًا بمنفعة بغير إذن من له ذلك الشيء، فقستم الشيء على غير جنسه، وقياس الشيء على جنسه أَوْلَى من قياسه على مخالفه»(40).
[ في ترجيح العلة المتعدية ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 345]:
«وَالسَّابعُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى العِلَّتَيْنِ وَاقِفَةً، وَالأُخْرَى مُتَعَدِّيَةً، فَتَقَدُّمُ المُتَعَدِّيَةِ أَوْلَى»...
«يتبع»
1- «نشر البنود» للعلوي (2/310)، وانظر: المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (342).
2- أخرجه أبو داود في «الأشربة» (4/87) باب النهي عن المسكر، والترمذي في «الأشربة» (4/292) باب ما جاء: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»، وابن ماجه في «الأشربة» (2/1124) باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، والبغوي في «شرح السنَّة» (11/351)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والحديث صحَّحه ابن حبان (1385)، وحسَّنه الترمذي في «سننه»، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3681).
3- «إحكام الفصول» (757)، «المنهاج» كلاهما للباجي (234).
4-أخرجه أبوداود في «البيوع والإجارات» (3/645-657) باب بيع التمر بالتمر، والترمذي في «البيوع» (3/528)، باب في النهي عن المحاقلة والمزابنة، والنسائي في «البيوع» (7/268) باب اشتراء التمر بالرطب، وابن ماجه في «التجارات» (2/761) باب بيع الرطب بالتمر، وأخرجه مالك في «الموطأ» (2/128)، وأحمد في «مسنده» (1/175)، والشافعي في «مسنده» (147) وفي «الرسالة» (331) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصحَّحه ابن المديني وابن حبان والحاكم وقال في «مستدركه» (2/38): «ولا أعلم أحدًا طعن فيه». [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (4/40)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (3/9)، «إرواء الغليل» للألباني (5/199)].
5- «شرح اللمع» للشيرازي (2/956).
6- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (343).
7- انظر: «المستصفى» للغزالي (2/403).
8- انظر: «الأم» للشافعي (3/15)، «المهذَّب» للشيرازي (1/277)، «نهاية المحتاج» للرملي (3/430)، «المغني» لابن قدامة (4/5).
9- «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (2/31)، «البدائع» للكاساني (5/183).
10- انظر: «تفسير القرطبي» (3/352).
11- «التمهيد» للكلوذاني (4/244)، «نشر البنود» للعلوي (2/309).
12- الجِص: من البناء الذي يطلى به، والنورة: حجر الكلس. [«لسان العرب» لابن منظور (2/291، 14/324)].
13- «لسان العرب» لابن منظور (7/343).
14- قال التلمساني في «مفتاحه» (481): «الصعيد مشتقٌّ من الصعود، فكان عامًّا في كلِّ ما صعد على وجه الأرض». وانظر على هامشه اختلاف العلماء في جواز التيمم فيما عدا التراب من أجزاء الأرض المتولِّدة عنها.
15- «إحكام الفصول» (758)، «المنهاج» كلاهما للباجي (235).
16- قال ابن الأثير في «النهاية» (2/98): «يقال: دَبَّرتُ العبد إذا عَلَّقتَ عتقَه بموتك، وهو التدبير، أي: أنه يعتق بعد ما يُدبِّره سيِّده ويموت».
17- النهي عن بيع المدبَّر أخرجه الدارقطني (4/78)، والبيهقي (10/314) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ: «المُدَبَّرُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ، وَهُوَ حُرٌّ مِنَ الثُّلُثِ»، قال الدارقطني: «لم يسنده غيرُ عبيدة بن حسان وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر موقوفًا من قوله». قال الألباني في «السلسلة الضعيفة» (1/197): «موضوع». [انظر: «الميزان» للذهبي (3/423)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (4/251)].
والمسألةُ مورودة للتمثيل وإلاَّ فقد صحَّ أنه صلى الله عليه وآله وسلم باع المدبَّر، فقال جابرٌ رضي الله عنه: إنَّ رجلاً من الأنصار أعتقَ غلامًا له عن دبر لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة، فدفع إليه». أخرجه البخاري في «العتق» (5/165) باب بيع المدبَّر، ومسلم في «الأيمان» (11/141) باب جواز بيع المدبَّر.
18- «إحكام الفصول» (758)، «المنهاج» (235) كلاهما للباجي. وانظر مسألة بيع المدبَّر مفصَّلاً في «المنتقى» للباجي (7/45).
19- انظر: «شرح اللمع» للشيرازي (2/959).
20- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (344).
21- «إحكام الفصول» (759)، «المنهاج» كلاهما للباجي (235)، «شرح اللمع» للشيرازي (2/959)، «التمهيد» للكلوذاني (4/242).
22- «المستصفى» للغزالي (2/402).
23- «إجابة السائل» للصنعاني (434).
24- المصدر السابق، «نشر البنود» للعلوي (2/309)، «المذكِّرة» للشنقيطي (335).
25- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (344).
26- «شرح اللمع» للشيرازي (2/953)، «التمهيد» للكلوذاني (4/232).
27- «المعتمد» لأبي الحسين (2/851).
28- «المستصفى» للغزالي (2/402).
29- «شرح اللمع» للشيرازي (2/945)،«التمهيد» للكلوذاني (4/232).
30- انظر: الترجيح بكثرة الرواة (ص 446).
31- «إحكام الفصول» (759)، «المنهاج» كلاهما للباجي (235).
32- انظر: «المستصفى» للغزالي (2/403)، «نشر البنود» للعلوي (2/310)، «المذكرة» للشنقيطي (334).
33- «المستصفى» للغزالي(2/403).
34- انظر: «المحصول» للفخر الرازي (2/2/628)، والمصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (345).
35- تطلق هذه النسبة على عَلَمين من الحنابلة:
أحدهما: أبو الفتح محمَّد بن علي بن محمَّد بن عثمان بن المواق، الحلواني، الفقيه الحنبلي الزاهد، برع في الفقه والأصول وكان مشهورًا بالورع وكثرة العبادة، له تصانيف، منها: «كفاية المبتدئ» في الفقه، و«مختصر العبادات»، ومصنّف في أصول الفقه، توفي سنة (505ه).
انظر ترجمته في: «طبقات الحنابلة» للقاضي لابن أبي يعلى (2/257)، «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (1/106).
والثاني: ابنه أبو محمّد عبد الرحمن بن محمد بن علي الحلواني، تفقه على أبيه وأبي الخطاب، وبرع في الفقه والأصول، وله تصانيف، منها: «التبصرة» في الفقه، و«الهداية» في الأصول توفي سنة (546ه).
انظر ترجمته في: «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (1/221)، و«شذرات الذهب» لابن العماد (1/144).
36- «المسودة» لآل تيمية (385).
37- «نهاية السول» للإسنوي (3/259)، «زوائد الأصول» للإسنوي (425).
38- «المسودة» لآل تيمية (385).
39- قال الجوهري في «الصحاح» (5/1746): «صال عليه صولاً وصولة إذا وثب، وصؤول البعير: إذا صار يقتل الناس ويعدو عليهم، فهو جمل صؤول».
40- «إحكام الفصول» (760)، «المنهاج» كلاهما للباجي (235).