أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه
وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى (1) :
" فصل [ الأدب مع الخلق ]
وأما الأدب مع الخلق : فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم فلكل مرتبة أدب والمراتب فيها أدب خاص فمع الوالدين : أدب خاص وللأب منهما : أدب هو أخص به ومع العالم : أدب آخر ومع السلطان أدب يليق به وله مع الأقران أدب يليق بهم ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أنسه ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهل بيته ولكل حال أدب : فللأ كل آداب وللشرب آداب وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آداب وللبول آداب وللكلام آداب وللسكوت والاستماع آداب .
وأدب المرء : عنوان سعادته وفلاحه وقلة أدبه : عنوان شقاوته وبواره .
فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب .
فانظر إلى الأدب مع الوالدين : كيف نجى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة ؟ . [ البخاري : 2215 و مسلم : 6949 وأحمد : 5974 ]
والإخلال به مع الأم تأويلاً وإقبالاً على الصلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته وضرب الناس له ورميه بالفاحشة ؟ [ البخاري : 1206 ومسلم : 6508 و أحمد : 8994 ] .
وتأمل أحوال كل شقي ومغتر ومدبر : كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ؟
وانظر قلة أدب عوف مع خالد : كيف حرمه السلب بعد أن برد بيديه [ مسلم : 4570 ]
وانظر أدب الصديق رضي الله عنه مع النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في الصلاة : أن يتقدم بين يديه فقال : (( ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله )) [ البخاري : 584 و مسلم : 949 و أحمد : 22807 ] كيف أورثه مقامه والإمامة بالأمة بعده ؟ فكان ذلك التأخر إلى خلفه وقد أومأ إليه أن : اثبت مكانك جمزاً وسعياً إلى قدام بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قدّام تنقطع فيها أعناق المطي والله أعلم "
(1) [ مدارج السالكين : 656 ] .
منقول