يستدل أهل الضلال على التلقي عن أهل البدع بحديث ( صدقك وهو كذوب ) .
فيقال :
إما أن يقال أن أبا هريرة رضي الله عنه قبل الحق من الشيطان .
وإما أن يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحق من الشيطان .
أما الأول :
فالرد عليه من وجوه :
1- أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يعلم بأنه شيطان إلا بعد إخبار النبي صلى الله عليه وسلم له .
2- أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يقبل كلامه لأنه عرف أنه كذاب تصديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال له : ( أما إنه كذبك وسيعود ) فقال أبو هريرة رضي الله عنه : ( فعرفت أنه سيعود )
3- أن أبا هريرة رضي الله عنه لما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال له ( زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله )
فقوله ( زعم ) تدل على عدم قبوله لها .
فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه صدق في هذا الشيء قبلها ولو لم يقره النبي صلى الله عليه وسلم لما صارت شرعاً لنا فأبي هريرة رضي الله عنه أخذها من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له لا من الشيطان ابتداء .
وأما الثاني : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحق من الشيطان فالرد عليه بما يلي :
ماالمراد بقولكم ( قبلها ) ؟
إما أن يقال أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم بفضل آية الكرسي إلا بعد اخبار الشيطان له فهذا فيه تصديقاً لكلام الكفار الذين يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يتلقى عن الشياطين فرد الله تعالى عليهم بقوله : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم }
وأيضاً كيف يقال هذا والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن إتيان الكهان لأن أعوانهم الشياطين
وعاب علينا التلقي عنهم وتصديق كلامهم بسبب أنهم قالوا حقاً لأنهم يخلطون معه مائة كذبة
فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تأتهم فليسوا بشيء ) ، وقالوا يا رسول الله إنهم يصدقون في بعض الأحيان ؟ قال: ( تلك الكلمة يسمعها الشيطان الجني من السماء وهو يسترق السمع فيقرها في أذن وليه من الإنس -وهو الكاهن والساحر- فيصدق في تلك الكلمة ولكنهم يكذبون ويزيدون عليها مائة كذبة ) وفي رواية: ( أكثر من مائة كذبة ) .
وهذا واضح بطلانه .
وإما أن يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم علم فضل آية الكرسي ولما ذكر الشيطان فضلها أقره على أن ذلك حق .
وهذا هو الحق لأن نبينا صلى الله عليه وسلم هو الحق وكلامه الحق
والشيطان قال حقاً وافق فيه ماعند النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بفضل آية الكرسي ابتداءً من الشيطان .
لذلك عقب بقوله وهو كذوب
للتحذير منه وعدم الاغترار به .
وهذا فيه احترام الحق .
وأن ذلك لا يمنع من تصديق كلمة الحق اذا صدرت من الضال حتى الكافر كما جاء في حديث الحبر الذي ذكر ( أن الله يضع السماوات على إصبع ) فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً له وغيرها من الأحاديث وكما صدّق الله قول ملكة سبأ في قولها ( إن الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) فقال تعالى مصدقاً ومقراً لقولها ( وكذلك يفعلون )
ولكن هذا التصديق والاقرار
لا يعني المخاطرة بالدين بالجلوس إليهم والتلقي عنهم وإدمان القراءة لهم لأن ذلك يخالف فهم السلف وإجماعهم في مجانبة أهل البدع والبعد عنهم وقد غضب صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه لما رأى معة ورقة من التوراة وقال له : ( أمتهوكون ياابن الخطاب ) مع أن اليهود عندهم حق ولكنه مخلوط بالباطل قال تعالى ( ولاتلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) .
والله أعلم وأحكم .