الحمد لله الكريم المنان المتفضل على عباده بأصناف النعم وأنواع الإحسان وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له الملك العظيم المنان وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه الله تعالى بالهدى والرحمة وصلاح القلوب والأبدان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم باحسان وسلم تسليما…
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى اتقوا الله ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم اشكروا الله على ما أنعم به عليكم من النعم العظيمة اشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعم الدين والدنيا نعم كثيرة وافرة(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) ايها الناس اشكروا الله على نعمه فان الشكر سبب لمزيد النعم وبقائها وإن كفر النعم سبب لنقصها وزوالها ألم تسمعوا قول الله عز وجل( وإذ تاذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) في هذه الآية الكريمة وعد ووعيد أما الوعد فهو على الشكر وعد من رب عظيم قادر هو أصدق القائلين وهو الذي لا يخلف الميعاد( لئن شكرتم لأزيدنكم ) أما الوعيد فانه على من كفر بنعمة الله وبارز الله بعصيانه ولم يكن قائما بطاعة الله فإن عذاب الله شديد إن عذاب الله عز وجل على كفر النعم ليس بأن تتلف النفوس والأموال ولا بأن تنقص البلدان والأسواق ولكن من العقوبات أن تقسو القلوب والا تبالي بمعصية علام الغيوب أيها المسلمون اسمعوا إلى قول الله عز وجل ذلك القول المخوف لأنه ربما ينطبق على بعض بلادنا اسمعوا إلى قول الله عزو وجل( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من أمثال أهل هذه القرية اللهم أجعلنا ممن يشكرون لنعمك ويزيدون في طاعتك اللهم ثبتنا على ذلك يا رب العالمين ايها الناس إن شكر الله على نعمته ليس قولا باللسان ولا تمنيا بالجنان ولكنه القيام بطاعة الله عز وجل أن نفعل ما أمرنا به المنعم علينا وأن نترك ما نهانا عنه سواء كان ذلك ثابتا في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فان من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا أيها المسلمون إن العاصي ليس بشاكر لربه ولو قال بلسانه اشكر الله فأي فائدة لشكر الانسان لربه بلسانه وهو مقيم على معصيته افلا يخشى من شكر ربه بلسانه وهو مقيم على معصيته أن يقال له كذبت إنك لم تشكر ربك حق شكره ايها الناس أيها الناس إن أكبر نعمة أنعم الله بها على الإنسان أن يهديه للإيمان والإسلام مخلصا لله متبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم ولله الحمد في بلد يتصف بهذه الصفة أنجاكم الله عز وجل من قوم يتخبطون العشواء في دينهم ما بين مغضوب عليهم علموا الحق واستكبروا عنه وضالين جهلوا الحق فلم يهتدوا اليه أيها المسلمون إن من نعم الله علينا في هذه البلاد ذلك الأمن والاستقرار وقد أصيب قوم حولنا وقوم بعيدون عنا اصيبوا بالخوف والقلق والقتال وأصيبوا بالجوع والقحط وقلة الأموال وإن من نعم الله علينا أن يسر لنا أنواع الارزاق تأتينا رغدا من كل مكان وإن كان يوجد في العالم من لا يستطيعون لقمة العيش الا بتعب وعناء وربما ماتوا من الجوع والإقلال أيها المسلمون إن من نعم الله علينا ما أخرجه لنا من ثمرات النخيل والأعناب نتفكه بها رطبا جنيا وندخرها تمرا وزبيبا فاعتبروا أيها المسلمون اعتبروا أولا بما فيها من قدرة الله وحكمته ورحمته حيث أخرج هذه الرطب وهذا العنب من هذه الجذوع والغصون مأكولا طريا شهيا إنما أمره إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون فاشكروا الله على هذه النعم واستعينوا بها على طاعة الله واياكم أن تكون نعم الله عليكم سببا للأشر والبطر والفسوق عن أمر الله فان ذلك أقوى معول لهدمها وأقوى سبب لزوالها أيها الناس إن من شكر الله على نعمته بهذه الثمار أن نتمشى في بيعها وشرائها على ما سنه لنا إمامنا وقدوتنا ومن وجب علينا طاعته وهو رسول الله صلي الله عليه وسلم إن من شكر الله على نعمته لهذه الثمار أن نتمشى في بيعها وشرائها على ما سنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ابتغاء لثواب الله واتباعا لشريعة الله وطلبا للخير والبركة في أموالنا ولقد بين لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم متى تباع هذه الثمار وكيف تباع فقال صلى الله عليه وسلم لا تتبايعوا هذه الثمار حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا التمر بالتمر فنهى رسول الله صلي الله عليه وسلم البائع والمشتري عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها لأنها قبل الصلاح أكثر عرضة للآفات وأكثر نموا فتحصل الجهالة فيما زاد ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر لأن ذلك ربا أو وسيلة اليه ولكن يجب علينا أن نفهم ما حده الله ورسوله في هذه الأمور فالصلاح في ثمن النخل أن يحمر أو يصفر والصلاح في العنب أن تظهر فيه الحلاوة ويطيب أكله فمن باع شيئا من ثمار النخيل والأعناب على شجره قبل بدو صلاحه فقد عصى رسول الله صلي الله عليه وسلم والبيع باطل والثمرة للبائع لا تنتقل للمشتري ولا يحل له أن يأكل منها تمرة واحدة ولا أن يتصرف فيها بشئ والثمن للمشتري لا يحل للبائع أن يتصرف فيه بشئ لأن البيع الباطل لا ينتقل فيه المبيع إلى المشتري ولا الثمن إلى البائع وإن بيع ثمار النخيل على شجره ينقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول أن يبيعه تفريدا كل نخلة وحدها فهذا لا بد أن يكون اللون في كل وحدة على حدة والا وجب الانتظار حتى تلون القسم الثاني أن يبيعه أنواعا كل نوع وحده جميعا مثل أن يبيع السكري كله جملة واحدة فهذا اذا كان فيه لون ولو في نخلة واحدة منه جاز بيعه جميعا تبعا للملون منه والا يكن فيه لون وجب الانتظار به حتى يلون اما القسم الثالث فهو أن يبيع البستان كله جملة واحدة بجميع أنواع فهذا اذا كان اللون قد ظهر في جميع الأنواع ولو في نخلة واحدة من كل نوع جاز بيعه جميعه والا وجب الانتظار فيما لم يظهر اللون في نوعه حتى يلون فاتقوا الله أيها المسلمون واعرفوا حدود الله وتمشوا على ما شرعه الله لكم لتمتثلوا أمر الله وتحصلوا على البركة في بيعكم وشرائكم واذا حدث عيب في الثمر بعد بيعه فان كان بسبب من المشتري فلا ضمان على البائع مثل أن يكون المشتري غير عارف بالخراف فيخرفها فتختلف من خرافه أو يعقر جدها عن وقته فيصيبها مطر أو غيره فلا ضمان على البائع حينئذ وإن كان العيب مجرد قضاء وقدر لا سبب من العبد فيه كالغبير والحشف الحاصل من شدة الحر فضمان نقصها على البائع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا لم تأخذ مال أخيك بغير) حق ولكن كيف نعرف النقص معرفة النقص أن نقدر قيمة هذه النخلة سليمة فإذا قيل أن قيمتها مثلا مائة إذا كانت سليمة وقيمتها إذا كانت معيبة ثمانون فإن النقص حينئذ يكون خمس الثمن فإذا كانت قد بيعت بمائتين مثلا كان النقص أربعين لأن هذا هو خمس المائتين ويجب على الخراصين الذين يخرصون مثل هذه الأمور أن يتحروا الدقة في ذلك لأنهم مؤتمنون على ذلك وها هنا مسألة أحب أن أنبه عليها وهي أن بعض الناس يبيع البستان جميعا على شخص واحد ثم يبيعه الشخص على رجل ثالث فإذا حصل النقص فان الناس أو بعضهم يجعلون النقص كله على المشتري الأول ولكن هذا خطأ بل النقص يكون بين المشتري الأول وبين البائع الأول بحسب ما ملكهم في هذا ولا يجوز أن يجعل النقص كله على المشتري الأول لأن ذلك ظلم وعدوان عليه وإذا حدث العيب في الثمرة وأحب المشتري أن يردها ويأخذ الثمن كله فله الحق في ذلك الا أن يكون قد شرط عليه عند البيع أنه اذا حدث فيها عيب فان العيب يقدر بدون رد فهذا وصبر على هذا الشرط فان هذا الشرط جائز نافذ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ) فاتقوا الله ايها المسلمون وإياكم والمناجشة عند بيع الثمار فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش والنجش عدوان على أخيك المسلم والله عز وجل لا يحب المعتدين أسال الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير في ديننا ودنيانا وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقا وأتبعه ورأى الباطل باطلا واجتنبه إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين وأصلي واسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى نصر أولياؤه وخذل أعداءه وهو على كل شئ قدير وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده رسوله صلى الله عليه وعلى آله واصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين …
أما بعد
فإنه في هذا الشهر وفي اليوم العاشر منه أنجى الله موسى وقومه من فرعون وقومه وأهلك فرعون وقومه وقصة موسى مع فرعون متكررة في القرآن يعرفها كل من يقرأ القرآن فأحيلكم عليها ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر فسألهم عن ذلك فقالوا(هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه كذلك) فقال النبي صلى الله عليه وسلم( نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه) ولكنه صلى الله عليه وسلم لما كان في آخر الأمر يكره موافقة أهل الكتاب امر المسلمين أن يصوموا يوما قبله أو يوما بعده وقال: ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني مع العاشر فينبغي لنا أن نصوم من هذا الشهر اليوم التاسع والعاشر واليوم الحادي عشر فقد أكملنا صيام ثلاثة أيام من الشهر وصار لنا أجر من صام ثلاثة أيام من الشهر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاث أيام لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره فمن صام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر بنية التاسع والعاشر وثلاثة أيام من الشهر فقد أدرك أجرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) أيها المسلمون اتقوا الله عز وجل واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم وأعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال جل من قائل عليما(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) فسمعا لك اللهم يا ربنا وطاعة اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم أرزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته الله أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبي والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين وعن بقية الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرضى عنا بمنك وكرمك يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمور المسلمين اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين اللهم اصلح ولاة أمور المسلمين اللهم من كان من ولاة أمور المسلمين ناصحا لك ولكتابك ولرسولك ولمن وليته عليهم فأيده بنصرك وتأييدك ومن كان منهم على خلاف ذلك فاهده إلى الحق أو أبدله بخير منه يا رب العالمين إنك على كل شئ قدير اللهم أصلح لولاة أمور المسلمين بطانتهم اللهم أصلح لولاة أمور المسلمين بطانتهم اللهم من كان من بطانتهم غير مريد للخير فيهم وفي شعوبهم فأبعده عنهم واقذف في قلوبهم بغضه حتى يبعدوه ويزيلوه عن منصبه وأبدلهم بخير منه يا رب العالمين إنك على كل شئ قدير اللهم أصلحنا وأصلح لنا ولاتنا اللهم أصلحنا وأصلح لنا ولاتنا اللهم أصلحنا وأصلح لنا ولاتنا يا رب العالمين إنك على كل شئ قدير أيها المسلمون إنني أقول كلمة نسيتها وهي أن هذا الشهر كما نعلم قد كان اليوم هذا هو اليوم الخامس منه لأنه إذا لم يرى الهلال فان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإكمال الشهر ثلاثين يوما فإذا أكملنا شهر ذي الحجة ثلاثين يوما كان اليوم هو اليوم الخامس من شهر محرم وعليه يعتمد في صيام التاسع والعاشر والحادي عشر عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ...
من موقع بن عثيمين