بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ إحسان إلهي ظهير
هو الشيخ العلامة الداعية المجاهد: إحسان إلهي ظهير بن ظُهور إلهي بن أحمد الدين بن نظام الدين,
مِن أسرة (سيتي), وُلِدَ سنة 1945م - أي: 1364هـ تقريباً- , في مدينة (سيالكوت) في باكستان, وهي مدينة اشتهرت بالعلماء والمفكرين والشعراء الإسلاميين,
نشأ الشيخ في أسرةٍ تميَّزت بالدين والخلق والصَّلاح إضافة إلى الثَّراء الواسع, ووالد الشيخ ووالدته وإخوته وجميع أقاربه سلفييون كانوا ينتسبون إلى أهل الحديث, وقد حرص والده على أن يربيه تربيةً صالحة مستمدة مِن الكتاب والسنة, وكان يحافظ عليه مِن رفقة السوء ويحرص على الرفقة الصالحة, فحفظ القرآن في التاسعة مِن عمره, واشتهر منذ صغره بالذَّكاء والفطنة وحبِّ العلم وطلبه والدَّعوة إلى الله ومقارعة الخصوم,
وحينما أكمل دراسته المتوسطة انتقل إلى الجامعة الإسلامية في مدينة (ججرانوالة) وتسمَّى (الجامعة المحمدية), وهي مِن الجامعات السلفية الكبيرة بباكستان, حيثُ تُلقى هناك علوم القرآن والحديث والمصطلح والفقه وأصوله والتَّفسير وأصوله والنحو والصرف وغير ذلك مِن العلوم, وكانت مدَّة الدراسة ثماني سنوات, وتلقَّى العلم هناك على عدد مِن العلماء كالشيخ المُحدِّث أحمد أبو البركات,
وبعد أن تخرَّج منها ذهب إلى مدينة (فيصل أباد) لكي يدرس في الجامعة السلفية هناك, ودرس فيها علوم الحديث كصحيح البخاري حيث قرأه على الشيخ الحافظ محمد الجندلوي,
ثمَّ بعد تخرُّجه منها سافر الشيخ إلى المدينة النبوية وذلك لطلب العلم, والتحق بالجامعة الإسلامية سنة 1963م,
فدرسَ هناك على عددٍ مِن العلماء في الجامعة وخارجها, فمنهم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- حيث درس عليه العقيدة الطحاوية, والشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- تتلمذ عليه حين كان الشيخ مدرسا في الجامعة هناك, والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- صاحب (أضواء البيان) درس عليه في التَّفسير, والشيخ حمَّاد بن محمد الأنصاري -رحمه الله- درس عليه علوم الحديث, وغيرهم الكثير, فاستفاد منهم علماً جماًّ,
ثمَّ تخرَّج الشيخ مِن الجامعة سنة 1967م وكان ترتيبه الأول على جميع طلبة الجامعة, وكان قد سار على طريقة السلف في التَّعليم, حيث أخذ طريقة العلماء القدامى في حفظ الكتب والمتون في مختلف الفنون, فحفظ ألفية ابن مالك في النحو, ونخبة الفِكَر في المصطلح, والفوز الكبير في أصول التَّفسير للشيخ شاه ولي الدهلوي, وتلخيص المفتاح في علوم البلاغة والمعاني والبيان, وكان يحفظ الأحاديث الكثيرة, وأيضاً آلاف الأبيات الشعرية العربية والفارسية والأردية,
وكان الشيخ يجيد عدة لغات فضلاً عن لغته الأردية, فكان يتقن العربية والفارسية والإنجليزية, ولما تخرَّج الشيخ مِن الجامعة الإسلامية عُرض عليه التَّدريس فيها وذلك لمكانته العلمية, فرفض ذلك وقال إنَّ بلدي في حاجة لي,
فعاد إلى بلده وساهم في الدعوة إلى الله, وأصدر مجلة أسماها (ترجمان الحديث), وهي مجلة خاصة يملكها هو بنفسه وهو رئيس تحريرها, وكانت تصدر مِن (لاهور), وكان يدعو فيها إلى الإسلام ويدافع عن الحق ويناضل أهل الضلال, ويردُّ على الفرق الباطلة مثل القاديانية ومنكري الحديث والاشتراكية, ويأمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن المنكر,
وانتُخِبَ أميناً عاماًّ لجمعية أهل الحديث, وهي مِن أكبر الجمعيات السلفية في باكستان وتضم 750 فرعاً في باكستان, وكان يذهب إلى مراكز أهل الضلال والبدع كالقاديانية والبهائية والرافضة ويدعوهم ويناظرهم,
وأمَّا محاضراته فقد قال عنه أخوه د. فضل إلهي: ( وكان يذهب الشيخ إحسان للندوات والمحاضرات إلى مدن أخرى, ثمَّ يرجع في وسط الليل ثم يواصل القراءة والكتابة, ثمَّ يصلي الفجر وينام, وهذه يدلُّ على قوة العزيمة في تنفيذ ما يريد),
وأيضاً فقد سافر إلى كثير مِن البلدان للدعوة إلى الله, منها: المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت وإيران وفرنسا وأمريكا ولندن وغيرها الكثير, وقد نفع الله بدعوته, فقد تاب على يديه الكثير مِن النَّاس خاصة القاديانيون, وبعض الشيعة, والبهائيون,
وله الكثير مِن المؤلفات في الردِّ على أهل الضلال, فمنها: ( الإسماعيلية تاريخ وعقائد, والبابية عرض ونقد, والبريلوية عقائد وتاريخ, والبهائية نقد وتحليل, والقاديانية دراسات وتحليل, والتَّصوف المنشأ والمصادر, ودراسات في التصوف, والشيعة والتشيع, والشيعة والسنة, والشيعة والقرآن, والشيعة وأهل البيت, والرد الكافي على مغالطات الدكتور علي عبدالواحد وافي في كتابه: بين الشيعة وأهل السنة)
فكشف عوارهم فيها؛ مما جعلهم يَسْعَوْنَ إلى الخلاص منه, حتى إنَّهم هدَّدوه مراراً وتكراراً, وكاد أن يُقتل في أمريكا, وقد كان يُهَدَّد كتابياًّ وهاتفياًّ, وأمَّا الخميني - رئيس إيران الهالك- فقد أهدر دمه, وقال: من يأتي برأس إحسان فله مائتا ألف دولار, وتعرَّض للموت مراتٍ كثيرة, وأطلق عليه الأعداد رصاصاً,
يقول الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد: (وقد زرته في باكستان مرةً وهو مصاب, وقد هُدِّد مراتٍ ومراتٍ مِن قِبَلِ أهل الأهواء, فهم ما رأوا أحداً مِن المعاصرين بعد محب الدين الخطيب أشدَّ منه),
ولا يزال الشيخ في جهادٍ ضدَّ الفرق وفي دعوةٍ إلى الله وفي نشر للعلم إلى أن جاء قدر الله, حين جلس في ندوة العلماء التي كانت تعقدها جمعية أهل الحديث في (لاهور), وكان يُلقي محاضرته في ذلك اليوم 23/7/1407هـ, وكانت قد أُرسلت مزهرية إلى المنصة وكانت فيها مواد كيماوية خطيرة وقوية, قدَّمها أحد الأشخاص, فناولها للذين أمامه, وأُخذت بالتداول إلى أن وصلت إلى المنصة, وبعد اثنين وعشرين دقيقة مِن حديثه انفجرت, فرَمَتْ بالشيخ مسافة عشرين أو ثلاثين متراً, ومات تسعة في الحال,
أمَّا الشيخ فقد ذهب ثلث جسده, حيث ذهبت عينه اليسرى وجنبه ورجله وأذنه وكلُّ جنبه, ولم يفقد وعيه في هذه الحادثة, بل كان يقول للذين التفوا حوله وهو في جراحه اتركوني واذهبوا للنَّاس الآخرين, وكان يُصَبِّر مَن حوله على الاستمرار في الدعوة إلى الدين ورفع راية الكتاب والسنة, وكان الحضور في تلك الندوة ألفين مِن المسلمين, مات منهم 18 شخصاً, و 114 شخص أُصيبوا بجروح بين اليسيرة والخطيرة,
ونُقِل الشيخ إلى المستشفى المركزي في مدينة (لاهور), ومِن ثَمَّ إلى المستشفى العسكري في الرياض, وذلك بناءً على رغبة مِن الشيخ ابن باز -رحمه الله- وذلك حينما كلَّم خادم الحرمين الشريفين, فأرسل القنصل السعودي لاستقدام الشيخ مِن هناك, وقال الأطباء للشيخ لا بدَّ أن تُقطع رجلك فلم يُوافق,
وفي يوم الاثنين 1/8/1407هـ - 1987م- وفي تمام السَّاعة الرابعة مِن صباح ذلك اليوم فاضت روح الشيخ إلى بارئها, فغُسِّل هناك, وصلى عليه الشيخ ابن باز في الجامع الكبير في الرياض, ثمَّ نُقل إلى المدينة النبوية, وصُلِّيَ عليه في المسجد النبوي, ودُفِنَ في البقيع عند الصحابة وآل البيت وأمهات المؤمنين, قال عنه الشيخ ابن باز -رحمه الله-: ( صاحبُ الفضيلة الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله معروف لدينا, وهو حسن العقيدة, وقد قرأت بعض كتبه فَسَرَّني ما تضمنته مِن النُّصح لله ولعباده, والردِّ على خصوم الإسلام..), وقال الشيخ صالح اللحيدان -حفظه الله-: ( لقد كانت علاقتي بالفقيد علاقة وطيدة, ... وكنتُ كثيراً ما أُلِحُّ عليه بتوخِّي الحذر, وأن لا يُفرِّق نشاطه لئلا يكثر خصومه فيكيدوا له بكيد الشيطان, ... ولكن طبعَه رحمه الله ونفسَه المندفعة للحق فيما يظهر لي وحبَّه في فضح نوايا أهل البغي والفساد, واطلاعه على مقاصدهم الخبيثة جعله لا يتأثر بعذل عاذل, أو دعوةٍ إلى أناةٍ في كفاح باطل...),
فرحم الله الشيخ رحمةً واسعة وجمعنا معه في الفردوس الأعلى.
المرجع: كتاب ( الشيخ إحسان إلهي ظهير, منهجه وجهوده في تقرير العقيدة والرد على الفرق المخالفة ) تأليف: علي بن موسى الزهراني.