✺ موضوع الحديث : الأمر بالغُسل للجمعة على من يأتيها .
✺ المـفـــردات :
[ مَنْ ] : اسم شرط جازم .
[ جَاءَ ] : فعل ماضي ، وهو في محل جزم فعل الشرط ، وفاعله ضمير فيه يعود على « مَنْ » وجملة " فليغتسل " جواب الشرط وجزاؤه ، والفاء رابطة بين الفعل والجواب .
✺ المعنىٰ الإجمالي :
كان الصحابة - رضوان الله عليهم - في أول الإسلام يُعانون من الفقر والحاجة ، يلبسون الصوف ، ويخدمون أنفسهم ، فيأتون الجمعة عليهم الغبار وفيهم العرق ، وكان المسجد ضيقاً ، فيزيد العرق عليهم في المسجد ، ويؤذي بعضهم بعضاً بالروائح الكريهة ؛ لذلك فقد أمرهم النبي ﷺ الذي بعث بدين الحق والطهر ، وأنزل الله عليه: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ .
◈ فأمرهم بالغسل للجمعة والتنظف لها ، وأن يُصيب الرجل من طيب بيته ؛ حتى يكون على أكمل حال ، وأحسن هيئة ؛ نظراً لأنَّ الجمعة عيد المسلمين ؛ لذلك فقد قال لهم الرسول ﷺ: (( مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ )).
✺ فـقــه الحـديـث : { مختصر }
1⃣ أولاً : يؤخذ من هذا الحديث أن الغُسل مشروع لكل من أتى الجمعة ، سواء كان من أهل وجوبها أم لا .
◈ وذلك أنَّ " من " الشرطية تفيد العموم ، فهي تعمُّ الذكر والأنثى ، والبالغ وغير البالغ .
2⃣ ثانياً : اختلف أهل العلم في هذا الأمر : هل هو للوجوب أو للندب ؟
فذهب أهل الظاهر إلى وجوب الغُسل يوم الجمعة ، متمسكين بظاهر هذا الحديث ، وبقوله ﷺ في حديث أبي سعيد المتفق عليه ( غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَىٰ كُلِّ مُحْتَلِمِ )) .
◈ وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلىٰ أنه سُنة مُؤكدة . اهـ من "العدة" للصنعاني .
◈ إلا أنَّ العلماء مع إجماعهم على أنَّ غسل الجمعة ليس بفرض واجب ؛ اختلفوا فيه : هل هو مسنونٌ للأمة أم هو استحباب وفضل ، أو كان لعلة فارتفعت وليس بفرض ؟
فذهب مالك والثوري وجماعة من أهل العلم إلى أنه سنة مؤكدة ؛ لأنها قد عمل بها رسول الله ﷺ والخلفاء بعده والمسلمون فاستحبوها وندبوا إليها ، وهذا سبيل السنن المذكورة .
◎ قُلْتُ: وقع في بعض الروايات الصحيحين :«غُسل الجنابة» وهذه الرواية وقعت للبخاري في باب : فضل الجمعة ، بلفظ ( من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ...)) .
◈ والضاهر أن وجه الاستدلال من هذا الحديث : أنَّ النبي ﷺ رتب عليه فضلاً ، ومن لم يفعل ذلك حُرِمَ الفضل فقط ، ولم يُرتب عليه إثماً في تركه .
◈ ومما يستدل به على عدم الوجوب : ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من إنكار عمر - رضي الله عنه - على عثمان - رضي الله عنه - التأخر فقال ( إني شُغلتُ فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعتُ التأذين فلم أزد على أن توضأتُ . فقال عمر : والوضوء أيضاً وقد علمتَ أن النبي ﷺ كان يأمرُ بالغُسل )) .
◎ أمَّا وجه الدلالة منه : فالذي يظهر أن عمر - رضي الله عنه - إنَّما احتج على عثمان - رضي الله عنه - في ترك سُنة ، مع أنه من السابقين ، ولم يحتج عليه في ترك فرض .
◈ قال النووي : وفيه إشارة إلى أنه إنما ترك الغسل ؛ لأنَّه يستحب ، فرأىٰ اشتغاله بقصد الجمعة أولىٰ من أن يجلس للغسل بعد النداء ؛ ولهذا لم يأمره عُمر - رضي الله عنه - بالرجوع للغسل .
◎ ووجه الدلالة : أن عثمان فعله ، وأقره عمر ، وحاضرو الجمعة وهم أهل الحَلِّ والعقد ، ولو كان واجباً لما تركه ، ولألزموه . اهـ . يعني : لألزموه بالرجوع للاغتسال .
✺ ومن هذا يتبين للناظر : أنَّ غُسل الجمعة ليس فرضاً ، ولا شرطاً في صحة الجمعة ، وإنَّما هو سُنة ، يُثاب من فعلها ، ولا يُعاقب من تركها ، وبالله التوفيق .
📒 :::……
تأسيس الأحكام بشرح عمدة الأحكام
ج 3 / ص 20-23 .
توقيع : امل
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في "النونية":
وعبادة الرحمن غاية حبه * * * مع ذلُّ عابده هما قطبان
وعليك فَلَك العبادة دائر * * * وما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله * * * لا بالهوى والنفس والشيطان