العنوان: كيف يتدرج الطالب المبتدئ في طلب العلم وبأي الكتب يبدأ؟
الشيخ: محمد بن هادي المدخلي
السؤال:
هذا السؤال دائمًا يتكرر، وتكرره بسبب تردد الناس وذهاب هذا ومجيء ذاك، وهو سؤالٌ نحنُ نتهيب من الإجابة عليه حتى لا نملكم، ولكن الأصل أنه بين الفينة والفينة لابد أن نعود ونذكر به.
يسأل يقول كيف يتدرج الطالب المبتدئ في طلب العلم وبأي كتبٍ يبدأ؟
الجواب:
نقول:
أولًا: طالب العلم ينبغي له أن يجاهد نفسه في تصحيح النية ولابد وأن يأتيه في أولها شيء فعليه أن يبتدئ البدء الصحيح.
أولًا: باختيار المعلم هذا أول خطوة صحيحة في التعلم اختيار المعلم، لأنك إذا اخترت المعلم وضعت رجلك في الطريق الصحيح، فالذي آمن والتحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل هو كمن بقي على دين آبائه وأجداده لا، لا يستويان، فالذي آمن وأول ما يجلس مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد وضع رجله في الطريق الصحيح، فاختار هذا المعلم الذي علمه ربه - تبارك وتعالى- فوفق إلى الصراط المستقيم، فيجب عليك أيها الطالب إن كنت مستقلًا أن تبدأ بحسن الاختيار للمعلم، وإن كنت صغيرًا فنحنُ نوصي بك أباك أن يختار لك المعلم ويجب أن يكون الاختيار للمعلم السني السلفي الأثري ويبتعد عن المبتدعة وأهل الأهواء، فإن هذا تستفيد منه من هديه وسمته ومنظره ومدخله ومخرجه في أول الطلب أكثر مما تستفيد من علمه والعلم يأتيك تدريجيًا، فأول خطوة صحيحة أن تحسن اختيار المعلم ثم بعد ذلك ما بعده يكون بإذن الله بمشورته.
فالمعلم يدلك على الكتاب ويدلك على العلم، يدلك على ماذا يجب أن تبدأ به من العلوم وفي كل علم بماذا تبدأ من الكتب فإذًا رجعت المسألة إلام ؟ إلى أول خطوة تقوم بها صحيحة وهي اختيار المعلم فالأمناء على دين الله هم أصحاب السنة والأثر وُراثُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ذلك التدرج بأن تبدأ بصغار العلم قبل كباره، تبدأ بالمتون المختصرة في كل فن فمثلًا تبدأ:
أولًا: إن كان الابن صغيرًا فحفظه أولًا قصار السور، ثم جزء عم ثم جزء تبارك ثم قد سمع حتى تصح قراءته وذلك لقصر الآيات والفواصل فيها ثم يحفظ معها أهم المتون المختصرة في التجويد حتى يتقن القراءة وتجمل قراءتهُ كتحفة الأطفال للجمزوري،
يقول راجي رحمة الغفور ... دايمًا سليمان هو الجمزوري
الحمد لله مصليًا على ... محمد وأهله ومن تلا
وبعدُ هذا النظم للمريد ... في النون والتنوين والمدودِ
إلى آخره، ثم بعد ذلك الحفظ، إذا لم يكن حفظ فلا علم لابد من الحفظ، والصغر أهم ما يجب أن يعتنى فيه بالحفظ لأن الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر والصغير عقليته ضيقة ما تتسع للشرح، لكن حافظته قوية تستوعب الحفظ، فإذًا ابدأ به من الطريق السهل عليه فتحفظه بعد ذلك يستنزف هذا المحفوظ، والحفظ كما قلت لكم مرات وكرات اليوم محارب، يقولون ما عندهم إلا تلقين تلقين إلى آخره نعم، تلقين تلقين تلقين إلى آخره حتى نموت ونحن نلقن شهادة أن لا إله إلا الله، فالتلقين معنا من الصغر إلى الكبر إلى الوفاة هذا ما هو عيب.
لكن هؤلاء أرادوا أن يضيعونا فلا يبقى لنا مخزون ولا ثروة نستند إليها وحينئذٍ نكون مفلسين فيسهل عليهم أن يجرونا فلابد من الحفظ، بعد هذا ما يحفظ من كتاب الله إن أمداك تدخل معه الأشياء الآخرى أو في الصغر هذا إذا كان صغيرًا أنهيت معه القرآن، وإن كان قد تجاوز ذلك أشركت معه بقية المتون فتبدأ في العقيدة بالقواعد الأربع، ثم الأصول الثلاثة، ثم كتاب التوحيد، ثم العقيدة الواسطية، ثم تلخيص الحموية، ثم بعد ذلك تقرأ ما شئت، الأمر سهل من كتب اعتقاد أهل السنة، تأتي إلى الحديث الأربعين النووية ونحن نبدأ بها مع أبنائنا وأطفالنا حتى في المدارس النظامية كثير منها مبثوث في الكتب المقررة في الحديث، فيبدأ بهذا المتن المبارك الأربعين النووية، ثم ينتقل إلى عمدة الأحكام، لم نقول عمدة الأحكام بعد الأربعين النووية؟ لأن الأربعين النووية في جملتها صحيحة، وعمدة الأحكام صحيحة وهو في هذه السن المبكرة ما يستوعب التصحيح والتضعيف فتعطيه هذه الكتب لأنها قد أُتقنت ولله الحمد. ثم بعد ذلك يقرأ إذا تقدم به السن يقرأ بلوغ المرام، يقرأ منتقى الأخبار، يدخل في الأمهات هذا بابٌ آخر، المعلم يرتبه له على حسب سنه.
هكذا في النحو، يأخذ الآجرومية ثم يأخذ العوامل في النحو مئة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى مُلحة الإعراب، ثم ألفية ابن مالك، ثم لا يضير أن يقرأ أي كتاب،
ثم تأتي إلى أصول الفقه الورقات إذا قرأت الورقات بعد ذلك تنتقل على حسب ما أخذنا نحنُ إلى وسيلة الحصول لشيخ شيوخنا الشيخ حافظ –رحمه الله تعالى- ثم بعد ذلك قرأنا روضة الناظر لا يضيرك بعد ذلك أن تقرأ أي كتاب ومن الكتب الجميلة في هذا الكوكب المنير وشرحه في أصول الفقه فهو من الكتب الجميلة وكذلك الشروح عليه، فينبغي للإنسان أن يهتم بهذه الكتب، وهكذا في بقية الكتب في الأصول،وكما قلت لكم من أحسنها الكوكب المنير وشرحه شرح الكوكب المنير، وكذلك شرح المرداوي عليه وهو «التحبير» فهذه من الكتب الجميلة في أصول الفقه،ومذكرة الشيخ -رحمه الله- محمد الأمين الشنقيطي العلامة البحر الحبر المعروف على روضة الناظر لابن قدامة فهي مهمة جدًا ينبغي لطالب العلم أن لا يغفلها ويطلع ويقرأ فيها،
أصول الحديث يبدأ بنخبة الفكر ولا أحسن من شرحٍ نزهة النظر عليها لصاحبها لأنه كما قال ربُ الدارِ أدرى بما فيه، فإذا أتقنها مع النزهة قرأ بعد ذلك التقريب للنووي مع شرحه تدريب الراوي في شرح تقريب النووي للحافظ السيوطي وهو من أنفع الكتبِ وأوعبها على هذا الكتاب مع وضوح العبارة وإشراقها،
ثم بعد ذلك لا يضيره أن يقرأ في أي كتابٍ من كتب علوم الحديث للباعث الحثيث على اختصار علوم الحديث للشيخ أحمد شاكر، ومثل شروح ألفية العراقي لشرح العراقي نفسه ومثل التقييد والإيضاح على كتاب ابن الصلاح للحافظ العراقي، ومثل كتاب فتح المغيث لشرح ألفية الحديث وهو أوسع كتاب في علوم الحديث فيما أعلم للحافظ السخاوي على ألفية العراقي في علوم الحديث، لا يضير بعد على ذلك أن يقرأ في أي شيء من الكتب بعد الكتب الأصيلة التي ذكرنها،
هكذا إذا جئت إلى التفسير، مقدمة التفسير في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، كتاب أيضًا أصول التفسير للشيخ محمد فهذه من الكتب النافعة جدًا في أصول التفسير ثم بعد ذلك يقرأ في الكتب الأخرى لا يضيره لأن هذه الكتب الصغيرة التي ذكرت على أصول اعتقاد أهل السنة، ثم بعد ذلك لا يضير أن يقرأ في البرهان في الإتقان، البرهان للزركشي، الإتقان للسيوطي وفيها ما فيها فإذا لم يتسلح من قبل وقع فيما أصَّلوه وقرروه من الأخطاء ومن البدع التي جاءت فحينئٍذ لا يسلم منها،
كذلك فيما يتعلق بالفقه الأمر فيها واسع، فالإنسان يبدأ في بلده بالمتن الذي يدرس في بلده، وأولى ما يكون من الفقه والمتون ما كانت ممتونة من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونقصد بذلك متون الثلاثة مالك والشافعي وأحمد فإنها غزيرة العلم لأنها قائمة على الأدلة بخلاف متون أهل الرأي فإنها قليلة الأدلة أوضعيفة الأدلة فالذي أوصي به هذا
دين النبي محمد آثار ...........نعم المطيَة للفتى الأخبار
لا تخدعن عن الحديث وأهله......فالرأي ليلٌ والحديث نهارُ
ولربما جهل الفتى طرق الهدى......والشمس طالعة له أنوارُ
يتعب نفسه في القياس ونحوه والمسألة فيها نصوص، وذلك لعدم اعتنائه بالنظر في النصوص وجمع النصوص والاهتمام بالكتب التي روت حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيتعب في الأخير يجدُ نصًا ينقض ما بناه، فلئن كان الأولون معذورُون كأبي حنيفة -رحمه الله-ومن كان في عصره بأن السنة لم تجمع ولم تُدون فما عذر المتأخرين اليوم لا عذر لهم، لئن عذر الأول فالمتأخر لا يعذر، إلا التقليد نعوذ بالله من شؤم التقليد،
وهكذا أيضًا أوصي بأن يتعلم مع العلم الأدب فإنه إذا لم يكن العلم يزينه الأدب فهذا العلم حينئٍذ فيه ما فيه، ويقول يحيى بن أبي كثير ويروى عن عبد الله بن المبارك أيضًا وهو متأخر عنه " نحنُ إلى كثير من الأدب أحوج منَّا إلى كثير من العلم " ويقول الشاب ابن المبارك " تعلمتُ الحديث عشرين سنة وتعلمتُ الأدب ثلاثين سنة "
وقيل للشافعي في هذا يعني في تعلم الأدب فقال" إي والله فقيل ما منزلته عندك قال وددتُ والله ليذكر الأدب فأود أن لي لكل عضو مني سمع حتى أتلذذ به في سماع هذا الأدب" كل عضو يتمنى أن له سمع مستقل حتى يتلذذ به في هذا الجانب فنحنُ إلى كثيرٌ من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم والكلام في هذا يطول، ولكن يعود الأمر كما قلت لك إلى المدرس فعليك إذا وفقت في المدرس فعليك أن تسأله وقديمًا قيل:
وما حوى الغاية في ألف سنة شخصًا *** فخذ من كل فنٍ أحسنه
بحفــظ مـتن جامع للراجحِ *** تأخـذه على مفيد ناصحِ
فلابد أن يكون المعلم مفيدًا لك وناصحًا لك بمنزلة الأب ينصحُك ويختار لك الأصلح وعلماء السنة هم المؤتمنون في هذا فلا تبغي به بديلًا .
http://ar.miraath.net/fatwah/4990