بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
تأييد الشيخ ربيع حفظه الله تعالى فيما ذهب إليه من أن القلب لا يستطيع أن يجمع بين الحب والبغض
سئل العلامة الوالد ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله : هل يجتمع في الرجل المبتدع حب وبغض؟
فأجاب حفظه الله تعالى :الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان ، ومنها يدخل في هذا الحب المؤمنين المخلصين الصادقين ، لأنك تحبهم في الله عز وجل . ويدخل في البغض : بُغض المنافقين والكافرين ، على مختلَف أصنافهم ، كما يدخل فيه أهل البدع ، لأن لهم نصيبا من مخالفة كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، كلّ على قدر بدعته ، ولهم نصيب من موافقة الكفّار والمنافقين في هذه المخالفات العقدية والمنهجية فيأخذون نصيبهم من البُغض .وإذا تأملنا كلام السلف ، واستقرأنا عموم كتب السنة ، فلا نجد هذا التوزيع، توزيع القلب في قضية أهل البدع ، إلى حب من جهة، وبغض من جهة ، لانجد ذلك ، و لا نجد من السلف إلا الحث على بُغضهم وهجرانهم ، بل قد حكى عدد من الأئمة الإجماع على بُغضهم وهجرهم ومقاطعتهم ، حكى عدد من الأئمة منهم الإمام البغوي رحمه الله صاحب " شرح السنة" وصاحب " التفسير" وغيرهما من المؤلفات النافعة ، وهو إمام من أئمة السنة ، ولعله يُعَدُّ من المجددين ، وكذلك الإمام الصابوني صاحب " شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث" ، وغيره ، حكوا الإجماع على بُغض أهل البدع ، وهجرانهم ، ومقاطعتهم ، هذا الإجماع من الصحابة ومن بعدهم.وأظن أنه ما يستطيع إنسان أن يجمع بين الحب والبُغض ، ويوزعهما ويقسمهما قسمين، البغض على قدر ما ارتكب من البدعة ، والحب على ما بقي عليه من السنة ، فهذا تكليف بما لا يُطاق، وكل ّ يؤخذ من قوله ويردّ. وإن قال هذا القول رجل من أئمة الإسلام ، وشأن أقواله شأن أقوال أئمة السنة ، ما كان من حق ّ قبلناه ، ورفعناه على رءوسنا ، وما كان من خطأ فهذا مردود ، كل يؤخذ من قوله ويردّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . والسلف تعاملوا مع أخطاء الصحابة ، الأخطاء التي تحصل من بعضهم يحترمونهم ويُجلونهم ، ولكن الخطأ لا يأخذونه منهم ، فالعصمة ليست إلا لرسول الله عليه الصلاة والسلام وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما يبلغونه ، أما غيرهم فليس لهم عصمة من الوقوع في الخطأ لهذا ترى ما أخذوا بشيء من أقوال عمر و لابشيء من أقوال عثمان التي فيها نظر، ردوها،شيء من أقوال عليّ ردوه ، شيء من كلام ابن عباس ، ومن كلام ابن مسعود ، من كلام الأئمة الكبار بعدهم : من أقوال سعيد بن المسيب ، من أقوال مالك والأوزاعي والثوريّ والشافعي و أحمد وغيرهم . أخذوا من كلامهم ما يوافق الحق ، وما يوافق الكتاب والسنة ، وترحموا عليهم ، وترضوا عنهم ، واعتقدوا فيهم أنهم مجتهدون ، وقد يُصيبون وقد يُخطئون. وهذا في المسائل التي يجوز فيها الاجتهاد ، وذلك عند عدم النص من الله ومن رسوله صلى الله عيه وسلم فالقول بأن نُحبَّه على قدر ما عنده من سنة، ونُبغضه على قدر ما عنده من البدع ، هذا الكلام لا يوجد عند السلف وقد ناقشنا هذه الفكرة في بعض الكتابات . الرد على أهل الموازنات ، ومن يتعلق بالموازنات ، ويتستر بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أن الانسان يُحَبُّ على قدر ما عنده من السنة ، ويُبغض على قدر ما عنده من البدع. ورددنا على هذه الأشياء بكلام السلف ، ومواقفهم ، بل بإجماعهم.أسأل الله أن يُثبتنا على السنة .
لكن البُغض يتفاوت ، بُغض اليهودي أكثر من بُغض النصراني ، نُبغض النصارى ، ونُبغض اليهود، و لا نحبهم ، ولكن اليهود أشد عداوة" لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا" {المائدة72} فالنصارى أقل بُغضا للمسلمين من اليهود، وأقل عداوة ، وهذا شيء ثابت ، يُثبته الواقع والتاريخ فالمسلم يستطيع أن يعيش في بلاد النصارى ، كما ترى كثيرا من المسلمين يعيشون في بلاد النصارى ، ولا يستطيعون أن يعيشوا في بلاد اليهود،بل اليهود يلاحقونهم في بلاد النصارى، فضلا عن بلادهم ، كما لا يستطيع السني أن يعيش عند الروافض، فيجد من الكبت والأذى والمخاطر مالايجده حتى عند اليهود، كيف نحب الروافض على ما عندهم من الكفريات وهم يبغضوننا أكثر من بُغض اليهود لنا ، كيف نُحبهم؟ ونقسم الحب بيننا وبينهم؟ الشاهد أنك تقرا في كتب السلف جميعا ما تجد هذه الموازنات ، ونحن إذا أبغضنا أهل البدع من الصوفية وغيرهم ، وهم فِرق كثيرة ، ومن الأشعرية وغيرهم ، لا نُبغضهم مثل بُغض اليهود والنصارى، يعني أن الحب مثل الإيمان يزيد وينقص، ويتفاوت في العباد ، والبغض كذلك ، بُغضِي لليهود غير بُغضي للنصارى، غير بُغضي لأهل البدع.
وإذا عتدى كفار اليهود والنصارى على مثل الأشاعرة والصوفية فنحن نُدافع عنهم، ونُساعدهم على مواجهة هؤلاء الأعداء ، مع بُغضنا لهم ، وهم يُبغضوننا أشد البُغض ، هم ليس عندهم هذا التوزيع، فالواجب عليهم أن يُحبونا وأن يرجعوا إلى ما عندنا ، ولكن لا حب و لا إنصاف ، بل قد يُبالغ بعض غُلاتهم فيُكفرونا ظلما وعُدوانا ، ونحن لا نُكفرهم ولا نبلغ بهم مبلغ عداوة الكافرين " أنتهى كلامه حفظه الله تعالى من كتاب عون الباري ( 2 -981 ) .
* أولا : تأييد الشيخ بالآيات القراءنية والأحاديث النبوية :
- قال الله تعالى : " وماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه "
قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره :" وقيل : لا يجتمع الكفر والإيمان بالله تعالى في قلب ، كما لا يجتمع قلبان في جوف فالمعنى لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب "
وقال أيضا : " والمعنى في الآية : أنه لا يجتمع في القلب الكفر والإيمان ، والهدى والضلال ، والإنابة والإصرار ، وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز ، والله أعلم " .
- قال الله تعالى : " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءابائهم ... الآية "
التعليق : قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره :" استدل مالك رحمه الله بهذه الآية على معاداة القدريّة ، و ترك مجالستهم . روى أشهب عن مالك : لا تجالس القدرية ، و عادهم في الله ، لقوله تعالى : ( لا تجد قوماً ... الآية ) " فالآية دالة على قطع حبال المودة بين من آمن بالله و اليوم الآخر وبين من حادّ الله و رسوله - سواء كانت هذه المحادة كفر أو ابتداع فيدين الله تعالى - و لو كان من أقرب المقرّبين فيلزم منها بغضهم و معاداتهم وعدم التودد إليهم . قال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى : " نحن ما نحبهم لكن ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة .نبغضهم لله لأنهم خالفوا كتاب الله وخالفوا سنة رسول الله وخالفوا عقائد أهل السنة والجماعة القائمة على الكتاب والسنة وحاربوها ونابذوها أنقابلهم بالحب على هذه الأفاعيل . هل يستحقون هذا ؟ليس لهم إلا البغض ؛لكن إذا بغضت ماذا تصنع .تسعى لإنقاذهم .بغضك لهم يعني منطلق من هوى أو منطلق من عقيدة ومنهج .الإماممالك رحمه الله احتج بقول الله تعالى :" لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم ..." على بغض القدرية وأهل البدع .لأن لهم نصيب من هذه الآية " أنتهىhttp://www.sahab.net...showtopic=28432
- قال الله تعالى : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون " التعليق : هل سيقول قائل : إن الخمر تحب من جانب لما فيها من منافع وتبغض من جانب لما فيها من آثام طبعا لن يقول هذا عاقل لأن الله تعالى يقول : " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس منعمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " قال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى : " فهل تواطأت الأمة على ظلم الخمر ودفن محاسنها ؟! الجواب: لا ظلم ولا حيف ، بل هو النصح للأمة الإسلامية ، وتحذيرها ، والابتعاد بها عن الشرور والمفاسد . وكذلك يتعاملون مع المبتدعين وبدعهم ؛ فإنها أخطر من الخمر وأشد ، لأنها تلبس لباس الدين ؛ فلهذا كان في تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة أشد ؛ فليت المتساهلين بالبدع يدركون هذا ، والله المستعان " أنتهى . - قال صلى الله عليه وسلم عن الخوارج : " يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ "
ومع هذا قال فيهم صلى الله عليه وسلم : " هم كلاب أهل النار " وقال فيهم أيضا " فإن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " .
التعليق : لقد أخبر صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم وأمته عن حال الخوارج وأنهم بلغوا مرتبة كبيرة من العبادة ومع هذا وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم كلاب أهل النار وحث صلى الله عليه وسلم أمته على قتلهم أشد القتل مما يدل على المبالغة في بغضهم وعدم محبتهم لما فيهم من طاعة .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " لا يجتمع الإيمان و الكفر في قلب امرئ ، و لا يجتمع الكذب و الصدق جميعا ، ولا تجتمع الخيانة و الأمانة جميعا " الصحيحة رقم 1050
التعليق : بعد هذا الحديث هل سيقول قائل أنه يجتمع في قلب الرجل محبة السنة وأهلها مع محبة البدعة وأهلها ؟!
* ثانيا :الإجماع :
نقل البغوي رحمه الله تعالى : " وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم " .
التعليق : هذا إجماع على معادة أهل البدع - سواء خرجوا من دائرة الإسلام أو لم يخرجوا - معاداة ليس فيها محبة .
* ثالثا:الآثار الدالة على ذلك .
- آثر ابن عمر رضي الله عنه " أن رجلاً قال لابن عمر إني أحبك في الله فقال له بن عمر لكني أبغضك في الله لأنك تبغي في آذانك أجراً وتأخذ على الأذان أجراً "
التعليق : آثر ابن عمر رضي الله عنه صريح في أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه سنة وبدعة ومع هذا فإن ابن عمر رضي الله عنه لم يقسم قلبه بين محبة الرجل وبغضه بل قال له إني أبغضك في الله.
- آثر الشعبي رحمه الله تعالى قال : " إنما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالقياس لقد بغض إلي هذا المسجد - بل هو أبغض إلي من كناسة داري - معشر الصعافقة "
التعليق : أين المحبة من وجه والبغض من وجه في آثر الشعبي رحمه الله تعالى ؟! فقد صار المسجد أبغض إليه من كناسة داره على الرغم ما فيه من صلوات وقراءة لكتاب الله عز وجل .
- آثر الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى قال : " من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه "
التعليق : لقد أطلق الفضيل رحمه الله تعالى القول فقال : " من أحب " أي سوء كانت محبة جزئية أو كلية وقال : " صاحب بدعة " أي بدعة سوء كانت كبيرة أو صغيرة فمن زعم التخصيص فعليه بالدليل .
* قول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد ص 39 طبعة دار إحياء الكتب العربية .
" قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده . وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والارادات ، فإذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع "
التعليق : * انتبه لقوله : " موضع "
* وكذلك يصح أن نقول : إذا كان القلب ممتلئا بالحق اعتقادا ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الباطل ومحبته موضع .
والحمد لله رب العالمين
منقول من شبكة سحاب السلفية