من الصوارف عن الحق
(( العُجــب ))
العجب يحمل صاحبه على تعظيم نفسه ، حتى يفرح بما هو عليه ويستغني بما عنده ، فيرى أن الحق لا يصدر إلا عنه ،
كأنه موكل به ، وهذه صفة الكفار،
قال تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) ( غافر 83 ) .
وإذا أُعجب المرء بنفسه واستغنى بما عنده؛ فقد تمت خسارته ؛ لأنه لا يمكن أن يلتفت إلى قول غيره فضلاً عن أن يقبله
إذا كان حقاً .
قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
(( إذا رأيت هوىً متبعاً ، وشحاً مُطاعاً ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ؛ فعليك بخاصة نفسك )) .
( رواه أبو داود في كتاب الملاحم ( 4 / 512 , 4341 ) والترمذي في كتاب التفسير (5/ 257- 358 ) ,
ورواه الحاكم ( 4/322 ) وصححه , ووافقه الذهبي , من حديث أبي ثعلبة الخُشني .
والمعجب بنفسه حظه استشعار فضل نفسه ، والنظر إلى ذلك ، وهذا النظر يوجب نقصه وخروجه عنالفضل ؛
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( اقتضاء الصراط المستقيم ) (1 / 453 ) ط . الإفتاء السابعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( ألا ترى أن الذي يعظم نفسه بالباطل : يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ ؟! )) .
مجموع الفتاوى ( 10 / 292 )
بل ولو قدر أنه كان محقا صدَّاعاً بالحق , فليحذر العجب ؛ فإنه قد يفسد ثمرة عمله الصالح .
قال الحافظ الذهبي – رحمه الله –
( فكم منرجل نطق بالحق , وأمر بالمعروف , فيسلط الله عليه من يؤذيه لسوء قصده , وحبه للرئاسة الدينية ,
فهذا داء خفي سار في نفوس الفقهاء " سير أعلام النبلاء " ( 18 / 192 ) .
والنفس تأنف من الإنقياد والإتباع ، ومر كوزٌ فيها نوع من الكبر ومدافعة المخالف إلا من عصم الله ، لاسيما من لم يُجالس من يُقتدى به من الذين إذا ذكروا بآيات الله لم يَخِرُّوا عليها صُمًّا وعُمياناً .
قال الفضيل بن عياض : (( لو أن المبتدع تواضع لكتاب الله وسنة نبيه لاتبع ما ابتدع ، و لكنه أُعجب برأيه فاقتدى بما اخترع )) التذكرة في الوعظ ( ص 97 ) .
وقال أيضاً عن التواضع :( أن تخضع للحق وتنقاد له , ممن سمعته ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه ).
جامع بيان العلم وفضله " ( ص 226 )
والعجب يقطع صاحبه عن الاستعانة بربه وذلك لاعتداده بنفسه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( والعجب من باب الإشراك بالنفس ، وهذا حال المستكبر ، فالمرائي لا يحقق قوله : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) والمعجب لا يحقققوله ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) الفاتحة : 5)" ( الفتاوى الكبرى – 5 / 247 – 248 ) .
والعجب والكبر متداخلان ، فلا يُبلى بالعجب إلا متكبر .
قال ابن حبان :(( إنه لا يتكبر على أحد حتى يُعجب بنفسه ، ويرى لها على غيرهاالفضل )) ( روضة العقلاء ص 61 )
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :(( وأما الكبر ؛ فأثر من آثار العجب والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل و الظلم ، وترحلت منه العبودية ، ونزل عليه المقت فنظره إلى الناس شزر، ومشيه بينهم تبختر ، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار لا الإيثار ،
ولا الإنصاف )) . الروح (2/ 703) .
والعبد مفطور على محبة نفسه والعجب بها ، فإذا لم ينتصف العبد من نفسه أوقعه ذلك في الضلالات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وحُبُّكَ الشيء يُعمي ويُصم ، والإنسان مجبول على محبة نفسه ، فهو لا يرى إلا محاسنها ، ومبغض لخصمه لا يرىإلا مساوئه)) . قاعدة في المحبة ( 2 / 328 ) , جامع الرسائل تحقيق د . محمد رشاد سالم ).
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في معنى التواضع : (( أن يتلقى سلطان الحق بالخضوع له ، والذل والانقياد ، والدخول تحت رقه ، بحيث يكون الحق متصرفا فيه تصرف المالك في مملوكه ،بهذا يحصل للعبد خلق التواضع ؛ ولذا فسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكبر بضده ،فقال(( الكبر بطر الحق وغمط الناس )) .
فبطر الحق : رده ، وجحده ، والدفع فيصدره كدفع الصائل ،
و غمط الناس : احتقارهم ، وازدراؤهم ، ومتى احتقرهم وازدراهم : دفع حقوقهم وجحدها , واستهان بها , ولما كان لصاحب الحقّ مقال وصولةٌ : كانت النفوس المتكبّرة , لا تُـِقـرُّ له بالصولة على تلك الصولة الّتي فيها , ولا سيّما النفوس المبطلة ,
فتصول على صولة الحقّ بكبرها وباطلها.
فكان حقيقة التواضع : خضوع العبد لصولة الحقّ, وانقياده لها, فلا يقابله بصولته عـليه.
مدارج السالكين ( 2 / 346 ) .
*************
كتاب الصوارف عن الحق لفضيلة الشيخ : حَمَد بن إبراهيم العثمان ( ص 35 – 38 )