شيبك أيها المسلم نور لك يوم القيامة فاحفظه واعتبر به
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فنعم الله على المسلم لا تعد ولا تحصى، فمِن هدايةٍ للإسلام، وما جعله سبحانه من الثواب العظيم على الأعمال الصالحة ولو كانت يسيرة، بل جعل إثابته في تركه وابتعاده عما حرم عليه، بل جعل ثوابه حتى فيما هو من خلقة الإنسان وفطرته إذا لم يخالف أمر الله فيها.
فاللحية من طبيعة خِلْقَة الرجال ومع ذلك يثاب على إعفائها واجتناب حلقها، والشيب من الأمور التي تصيب شعر الإنسان إذا كبر في السن، فمن احتسبه فلم ينتفه فإنه يثاب عليه بأن يكتب الله له بكل شيبة حسنة، ويحط عنه خطيئة، وتكون له نورا يضيء له ويضيء طريقه يوم القيامه.
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شاب شيبة في الإسلام ، كانت له نورا يوم القيامة»، فقال له رجل عند ذلك : فإن رجالا ينتفون الشيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شاء فلينتف نوره» . رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني بسند حسن. [ الصحيحة:3371].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تنتفوا الشيب، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورا يوم القيامة»، وفي لفظ: «إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة» .
رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما وسنده حسن. [الصحيحة:1243].
وأمر الشرع بإكرام ذي الشيبة المسلم وتوقيره.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه». رواه أحمد والبزار والحاكم وغيرهم بسند حسن . [الصحيحة: 2196].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط» . رواه أبو داود وغيره [صحيح الترغيب والترهيب:98]. وهو مروي موقوفا أيضا عند البخاري في الأدب المفرد(رقم357). والموقوف أصح.
وقال التابعي الجليل طاووس اليماني رحمه الله: «من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد». رواه معمر في جامعه بسند صحيح.
ويستحب تغييره بالحناء ونحوها من الأصباغ المصفِّرة أو المحمِّرة للشعر مع اجتناب السواد.
فهذه الفضائل للشيب ليستأنس المؤمن بشيبه، ويفرح به، ولا ينتفه، وليتعظ به، وهو أيضاً منذر وواعظ للمسلم من أن يرتكب الحرام مع ضعف شهوته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة أشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه». رواه الطبراني. [صحيح الترغيب والترهيب(2/ 163رقم1788)].
والأشيمط: الشيخ الكبير في السن الذي ظهر فيه الشيب فخالط سواد شعره.
وقال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [فاطر: 37] وقد فسر جماعة من السلف والأئمة النذير بأنه الشيب، منهم الإمام البخاري في صحيحه.
قال بقية بن الوليد رحمه الله: كان رجل يقوم بشأن قوم، قال فبينما هو ذات يوم والمرآة في يده إذ نظر فإذا هو بشعرة بيضاء قد قدحت في لحيته، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، بريد الموت وهادم اللذات، طالما أطلقت نفسي فيما يسرها، يا قوم ارتادوا لأنفسكم غيري، وأنا تائب إلى الله، فابتنى خُصًّا فاعتزل فيه وتعبد حتى لقي الله.
ويظهر أنه اعتزل الناس، ولم يعتزل الجمعة والجماعة وإلا لكان مخالفاً للسنة، مرتكباً لكبيرة عظيمة وهي التخلف عن الجمعة، وكذلك التخلف عن الجماعة أمر منكر ومحرم.
فأسأل الله أن يحيينا على الإسلام والسنة، ويميتنا على الإسلام والسنة، وأن ينير قلوبنا ودروبنا، ويجعلنا من عباده المفلحين.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي
7/ رمضان/ 1436 هـ
سحاب السلفية