منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى الأدآب الشرعية


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي طالب العلم مخالفة
طالب العلم غير متواجد حالياً
 
طالب العلم
مشرف الأدآب الشرعية

الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 268
تاريخ التسجيل : Oct 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,870 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي تعلقَ القلبِ بأسبابِ الرزقِ والمعيشةِ لاَ ينافِي التوكلَ للإمام الشنقيطي [مع التفريغ]

كُتب : [ 07-06-2015 - 10:53 PM ]

بسم الله الرحمن الرحيم


قال الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله


وهذا معنَى قولِه: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.

قال بعضُ العلماءِ: يُؤْخَذُ من هذه الآيةِ الكريمةِ حُكْمٌ، وهو أن تعلقَ القلبِ بأسبابِ الرزقِ والمعيشةِ لاَ ينافِي التوكلَ ولا يقدحُ في توكلِ الإنسانِ؛ لأن هؤلاء القومَ لَمَّا تَخَيَّلَ لهم أن الطريقَ التي كانوا يعيشونَ منها أنها انْقَطَعَتْ بمنعِ المشركينَ من الحجِّ، وَخَافُوا الفقرَ من هذا الطريقِ ما عَنَّفَ اللَّهُ عليهم ولاَ عَابَهُمْ بل قَرَّرَهُمْ على ذلك، فقال لهم: إِنْ خِفْتُمُ الفقرَ من هذا الطريقِ، ومن أن السببَ الذي كُنْتُمْ تعيشونَ به أنه انقطعَ فسوفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ بأسبابٍ أُخَرَ. وهذا معنًى معروفٌ، أن الأسبابَ لاَ تُنَافِي التوكلَ، فالمسلمُ الذي يعلمُ ما جاءَ عن اللَّهِ يتسببُ ويتعاطَى جميعَ الأسبابِ لحياتِه، ويتسببُ فِي أسبابِ الرزقِ والمعيشةِ على الوجوهِ الشرعيةِ غيرِ الْمُزْرِيَةِ، ومع ذلك فهو مُتَوَكِّلٌ على اللَّهِ، والذي يتركُ جميعَ الأسبابِ ويقولُ: توكلتُ على الله!! هذا مُخَالِفٌ للشرع، مخالفٌ لِمَا جاء عن اللَّهِ، والذي يعتمدُ في كُلِّ شيءٍ على الأسبابِ ولا ينظرُ إلى رَبِّهِ هذا أيضًا ضَالٌّ مُضِلٌّ، والذي يستعملُ الأسبابَ كما شَرَعَهَا له رَبُّهُ، ويكونُ اعتمادُه في الحقيقةِ على رَبِّهِ فهذا هو المؤمنُ.

ألا تَرَوْنَ أن نَبِيَّ اللَّهِ يعقوبَ، وقد قال اللَّهُ فيه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: آية 68] عَلَّمَ أولادَه السببَ في التحرزِ عن العينِ فقال لهم: {يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} فهذا تَسَبُّبٌ في التحرزِ عن العينِ؛ لأنها تَضُرُّ، ثم صَرَّحَ مع ذلك بتوكلِه الكاملِ على اللَّهِ حيث قَالَ: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: الآية 67] فالأخذُ بالأسبابِ لاَ ينافِي التوكلَ كما هو معروفٌ، وقد قال اللَّهُ لمريمَ: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: آية 25] ولا شَكَّ أنه لو أَرَادَ أن يتساقطَ عليها رُطَبُهَا من غيرِ سببٍ لَتَسَاقَطَ مِنْ غيرِ سببٍ، ولكنه أَجْرَى العادةَ بِأَنْ جَعَلَ للأرزاقِ والمعايشِ والأشياءِ أسبابًا، رَبَطَ بَيْنَ الأسبابِ ومسبباتِها بما شَاءَ بقدرتِه وحكمتِه:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمَ ... وَهُزِّي إِلَيْكِ الْجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبُ

وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزِّهِ ... جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبُ

فالأخذُ في الأسبابِ مع مراعاةِ الشرعِ، وتعلقُ القلبِ بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلُهُ على اللَّهِ، هذه طريقةُ الأنبياءِ، وَاللَّهُ (جلَّ وعلا) يقولُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} [المائدة: آية 3] يعنِي: أن مَنِ اضْطُرَّ إلى أَكْلِ الميتةِ أَكَلَ الميتةَ وتسبَّب في إمساكِ رمقِه بأكلِ الميتةِ، ولم يَقُلْ له فَانْتَظِرْ وَتَوَكَّلْ على اللَّهِ حتى ينزلَ لك رزقٌ من السماءِ!! لَمْ يَقُلْ هذا تعليمًا للناسِ بالأخذِ بالأسبابِ، وتعلق قلوبهم بربهم، وتوكلهم عليه. وهذا معنَى قولِه: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} إن شاء أن يغنيَكم. فَعَلَّقَ الغِنَى بمشيئتِه، فَلاَ يكونُ شيءٌ إلا بمشيئتِه (جلَّ وعلا)؛ لأن الأرزاقَ مقسومةٌ بمشيئتِه (جلَّ وعلا)، فهو الذي تَوَلَّى قسمَها بنفسِه وَلَمْ يَكِلْهُ إلى أَحَدٍ، كما سيأتِي في سورةِ الزخرفِ في الكلامِ على قولِه: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: آية 32] {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ} [النحل: آية 71]. هذا معنَى قولِه: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} {إِنَّ اللَّهَ} (جلَّ وعلا) {عَلِيمٌ} محيطٌ عِلْمُهُ بِكُلِّ شيءٍ {حَكِيمٌ} في كُلِّ ما يفعلُ، وكلِّ ما يقولُ، وكلِّ ما يَشْرَعُ، فأفعالُه كلُّها فِي غايةِ الحكمةِ، وأقوالُه وتشريعُه وجزاؤُه كلُّه في غايةِ الحكمةِ، هذا معنَى قولِه: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: آية 28].


الملفات المرفقه


سحاب السلفية
 



توقيع : طالب العلم
قال ابن القيم -رحمه الله-:
( من أشد عقوبات المعاصي أن ينزع الله من قلبك استقباحها )
رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:46 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML