بسم الله الرحمن الرحيم
فَصْلٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحِفْظَ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْحَدِيثِ وَأَعْلَاهَا وَأَشْرَفُ مَنَازِلِ الرِّوَايَةِ وَأَسْمَاهَا وَأَبَنَّا عِزَّةَ وُجُودِ الْمَتَحَقِّقِينَ بِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنِ ابْتِغَائِهِ وَطَلَبِهِ
لَا يُؤْيِسَنَّكَ مِنْ مَجْدٍ تُبَاعُدُهُ ... فَإِنَّ لِلْمُجِدِ تَدْرِيجًا وَتَرْتِيبَا
إِنَّ الْقنَاةَ الَّتِي شَاهَدْتَ رَفْعَتَهَا ... تَسْمُو فَتُنْبِتُ أُنْبُوبًا فَأُنْبُوبَا
1545 - عن الْفَضْلُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَلْمٍ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ يَطْلُبُ الْعِلْمَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَعَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ فَمَرَّ بِمَاءٍ يَنْحَدِرُ مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ عَلَى صَخْرَةٍ قَدْ أَثَّرَ الْمَاءُ فِيهَا فَقَالَ: الْمَاءُ عَلَى لَطَافَتِهِ قَدْ أَثَّرَ فِي صَخْرَةٍ عَلَى كَثَافَتِهَا وَاللَّهِ لَأَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ فَطَلَبَ فَأَدْرَكَ "
1546 - عنعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: «إِنْ لَمْ تُدْرِكِ الْحَاجَةَ بِالرِّفْقِ وَالدَّوَامِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُدْرِكُ»
1548 - أَنْشَدَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ:
اصْبِرْ عَلَى مَضَضِ الْإِدْلَاجِ بِالسَّحَرِ ... وَبِالرَّوَاحِ عَلَى الْحَاجَاتِ وَالْبُكُرِ
لَا تَعْجِزَنَّ وَلَا يُضْجِرْكَ مَطْلَبُهَا ... فَالنُّجْحَ يَتْلُفَ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالضَّجَرِ
إِنِّي رَأَيْتُ وَفِي الْأَيَّامِ تَجْرُبَةٌ ... لِلصَّبْرِ عَاقِبَةً مَحْمُودَةَ الْأَثَرِ
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ يُطَالِبُهُ ... وَاسْتَصْحَبَ الصَّبْرَ إِلَّا فَازَ بِالظُّفُرِ"
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الِاقْتِصَارَ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَتَخْلِيدِهِ الصُّحُفَ دُونَ التَّمَيُّزِ بِمَعْرِفَةِ صَحِيحِهِ مِنْ فَاسِدِهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى اخْتِلَافِ وُجُوهِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي أَنْوَاعِ عُلُومِهِ إِلَّا تَلْقِيبُ الْمُعْتَزَلَةِ والْقَدَرِيَّةِ مَنْ سَلَكَ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ بِالْحَشْوِيَّةِ لَوَجَبَ عَلَى الطَّالِبِ الْأَنَفَةُ لِنَفْسِهِ وَدَفْعُ ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ
1549 - قال أَبَو عَاصِمٍ النَّبِيلَ، : «الرِّئَاسَةُ فِي الْحَدِيثِ بِلَا دِرَايَةٍ رِئَاسَةٌ نَذِلَةٌ»
وَالرِّئَاسَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو عَاصِمٍ إِنَّمَا هِيَ اجْتِمَاعُ الطَّلَبَةِ عَلَى الرَّاوِي لِلسَّمَاعِ مِنْهُ عِنْدَ عُلُوِّ سِنِّهِ وَانْصِرَامِ عُمْرُهُ وَرُبَّمَا عَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ بُلُوغِ تِلْكَ الْأُمْنِيَةِ فَتَكُونُ أَعْظَمُ لِحَسْرَتِهِ وَأَشَدُّ لِمُصِيبَتِهِ
1550 - عن سَلَمَةَ بْنَ شَبِيبٍ، قال :
"أَقَمْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِصَنْعَاءَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمَّا أَرَدْتُ الرُّجُوعَ إِلَى نَيْسَابُورَ دَنَوْتُ مِنْهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَنْزِلِهِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْبَحَ الشَّيْخُ؟
فَقَالَ: بِخَيْرٍ مُنْذُ لَمْ أَرَ وَجْهَكَ
ثُمَّ قَالَ: لَعَنِ اللَّهُ صَنْعَةً لَا تُرَوَّجُ إِلَّا بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً "
وَإِذَا تَمَيَّزَ الطَّالِبُ بِفَهْمِ الْحَدِيثِ وَمَعْرِفَتِهِ تَعَجَّلَ بَرَكَةَ ذَلِكَ فِي شَبِيبَتِهِ وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَاوَمِ السَّمَاعِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ وَالْمُطَالَبَةِ لَهُ وَالنَّظَرِ فِيهِ وَالْمُذَاكَرَةِ بِهِ وَصَرْفِ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ وَسَنُرَتِّبُ ذَلِكَ تَرْتَيبًا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
المصدر:كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي
سحاب السلفية