السؤال:
يقول: قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر 32]؛ هل يؤخذُ منها دليل على نقصِ الإيمان؟
الجواب:
نعم، فإن الله - جلّ وعلا- قد ذكر في هذِه الآية أصنافَ أهل الإيمان، فذكر منهم ﴿الظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾، والظالم لنفسه فسرهُ أهل العِلم بأنهُ من أوبق نفسهُ بالمعاصي، ﴿وَمِنْهُمْ المُقْتَصِدٌ﴾، وهو الذي جاء بالطاعات ولم يزد عليها، "وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ" فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" أو " دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ " فهذا هو المُقْتَصِدٌ الذي جَاءَ بالفرائض ولم يتجاوزَها إلى النوافل.
وَأَمَّا السَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ فهو الذي جاء بالفرائض وزاد على ذلك أنواع النَّوافل، فسارَع إليها وازداد منها، وهذه الآية قال الله في آخِرِها: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾، ففيها رَدٌّ على الخوارج، ولذلك قال بعض العلماء ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾، الواو واو الجمع، تشمل الظالم لنفسه، وتشمل المقتصد، وتشمل السابق بالخيرات؛ فلهذا قال بعض أهل العلم: إن هذه الواو في قوله ﴿ يَدْخُلُونَهَا﴾، واو الجماعة، حَرِيَّة أو حقيقةٌ أن تُكْتَبَ بماء العين، وذلك لأن فيها ردًّا على الخوارج الذِّين يُكَفِّرون أصحاب الكبائر، والله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-قد وصفَ هنا طائفَةً من الإسلام والإيمان بقوله ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾، ومع ذلك أدخلهم مع هؤلاء جميعًا وشملهم جميعًا واو الجمع فقال: ﴿ يَدْخُلُونَهَا﴾، فمنهم من يدخلها ابتداءًا، ومنهم من يدخلها بعد أن يُمَحَّص فيدخل النار بقدرِ ذنبه ثمَّ مآلهُ إلى الجنّة، لأنه لا يُخَلَّد في النار مُوَحِّد، فهذه الواو في آخر الآية رَدٌّ على الخوارج، ولذلك فرِحَ بها أهل الإسلام والسُّنة فقال بعض هؤلاء: (هذه الواو حقيقةٌ أو حرِيَّةٌ بأنْ تُكتب بماء العيْنين)، لما فيها من نُصْرةِ أهل الإسلام والإيمان والسُّنة، ولِمَا فيها من الرَّد على هؤلاء الخوارج الذين ذهبوا إلى منعِهِم من دخول الجنّة.
الشيخ: محمد بن هادي المدخلي
القسم: العقيدة والمنهج