الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق
1 الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله الهموم والغموم بحسبها.
2 الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة. فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه.
3 اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام ب المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي صل الله عليه وسلم من الهم والحزن فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها وقد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فعلى العبد أن يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن. ( فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" )
4 الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: ( أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
5 التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو من أنواع البلايا. فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة.بل المكروه والمصائب إذا أدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم، هانت وطأتها، وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوةُ أجرها مرارة صبرها.
6 التقيد بما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح حيث قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" ، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق جمعاً كثيراً من الخلق في العافية و الرزق وتوابعهما فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها.وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيراً ودفع عنه شروراً متعددة.
7 ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته،
فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهولة وأنها بيد العزيز الحكيم،ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك،صلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه.
8 ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو به: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر". وكذلك قوله: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت" .
9 ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد شئ منها أن يسعى في تخفيفها بأن يقّدِر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وبهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بذل ذلك السعي في جلب المنافع، و دفع المضار الميسورة للعبد... ويجاهد نفسه على تجديد قوة المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله وحسن الثقة به ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور، مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل.
10 ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضاً للأمراض البدنية: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة. والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة.
11 ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثَّرت هذه الأمور على قلوب كثيرين من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون، والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام،... ويعلم أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عسره يسراً، وترحه فرحاً وخوفه أمناً، فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير.
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ( بتصرف قليل ) للشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله
منقول