الشيخ محمد صالح العثيمين
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وطهروا قلوبكم من الشرك والنفاق في عبادة الله ومن الحقد وإرادة السوء في معاملة عباد الله فإن الطهور شطر الإيمان وطهروا أبدانكم وثيابكم ومواضع صلواتكم من النجاسات والأقذار استنزهوا من البول والغائط بالاستنجاء بالماء أو بالاستجمار بالأحجار حتى ينقى المحل بثلاث مسحات فأكثر فإن عدم التنزه من البول من أسباب عذاب القبر فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال صلى الله عليه وسلم(إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي ما يعذبان في أمر شاق عليهما تركه أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الأخر فكان لا يستنزه من البول) وإن من الخطأ إن من الخطأ الذي يؤسف له أن بعض الناس اليوم يمشون بالنميمة ينقلون حديث الناس بعضهم في بعض يقولون قال فلان فيك كذا وقال فلان فيك كذا يلقون العداوة والبغضاء بين المؤمنين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم(لا يدخل الجنة قتات) يعني نماماً وبهذا نعرف أن النميمة سبب لعذاب القبر وسبب لعدم دخول الجنة إن المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله إنهم يتعوذون من عذاب القبر في كل صلاة إن الذين أمنوا بالله ورسوله ليتمنون أن يكونوا من أهل الجنة وليسوا من أهل النار وإن الذي يمشى بالنميمة قد عرض نفسه لعذاب القبر وعرض نفسه لمنعه من دخول الجنة فاتقوا الله يا عباد الله اجتنبوا النميمة اصلحوا بين المسلمين لا تكونوا سبباً للإفساد بينهم والتفريق بينهم بل إنه ينبغي للإنسان إذا سئل عن شخص فقيل له هل فلان قال في كذا وكذا ينبغي له إن لم يجب عليه إن يقول لم يقل فيك إلا خيرا لأن الكذب في الإصلاح بين الناس من الكذب المباح أيها المسلمون إن من الخطأ الأخر الذي يؤسف له أن بعض الناس يبول ثم يقوم من بوله لا يبالي بما أصابه منه ولا يستنزه منه بماء ولا أحجار ثم يذهب يصلى وهو متلوث بالنجاسة وهذا من كبائر الذنوب ولا تصح الصلاة على هذه الحال كما أن بعض الناس على العكس من ذلك يكون معه وسواس يتوهم الأشياء فيظنها حقيقة يتوهم أنه خرج منه البول وهو لم يخرج منه شئ ثم يذهب يعصر ذكره لعله يخرج منه شئ وهذا من التنطع في دين الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم(هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون) فإذا أحسست أو توهمت أنه خرج منك بول أو ريح فلا تلتفت لذلك ولا تهتم به وأعرض عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاه الله طب القلوب والأبدان قال صلى الله عليه وسلم في الرجل يشك هل خرج منه شئ أو لا قال(لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا) فاتقي الله أيها المؤمن في نفسك لا تتوهم لا تنقاد لهذه الأوهام فتقع في الهاوية أيها المسلمون كونوا بين طريفين متطرفين بين طريفي الإفراط والتفريط تطهروا من الحدث الأصغر بأصباغ الوضوء كما أمركم الله به وكما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني أنبه نفسي وإياكم على مسألة هامة مفيدة وهي أن الإنسان إذا جاء يتوضأ ينبغي له أن يستحضر قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) حتى يشعر في هذه الحال أنه منفذ لأمر الله عز وجل وليستحضر أيضاً أن هذا هو وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ليشعر بذلك أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيحقق بهذا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويحصل لقلبه من النور والطمأنينة والراحة ما لا يحصل له مع الغفلة أيها المسلمون سموا عند الوضوء واغسلوا أكفكم ثلاث مرات ثم تمضمضوا واستنشقوا واستنثروا ثلاث مرات بثلاث غرفات ثم اغسلوا وجوهكم ثلاث مرات من الأذن إلى الأذن عرضا ومن منحنى الجبهة نحو الرأس إلى أسفل اللحية ثم اغسلوا اليد اليمنى ثلاث مرات من أطراف الأصابع إلى المرفق وهو مفصل الذراع من العضد ثم اغسلوا اليد اليسرى مثل ذلك والمرفقان داخلان في الغسل ثم امسحوا جميع رؤوسكم من منحى الجبهة مما يلي الوجه إلى منابت الشعر من القفي والأذنان من الرأس فيجب مسحهما تدخل السبابتين في سماخيهما وتمسح بإبهاميك ظاهرهما ثم اغسلوا الرجل اليمنى ثلاث مرات من أطراف أصابعها إلى الكعبين وهما العظمان البارزان في أسفل الساق ثم اغسلوا الرجل اليسرى مثل ذلك والكعبان داخلان في الغسل وإذا كان على الرأس عمامة أو قبع يشق نزعه فامسحوا عليه بدلاً عن مسح الرأس وامسحوا على الأذنين إن خرجتا وإذا كان على الرجلين خف أو جورب وهو الشراب أو نحوهما مما يلبس على الرجل سواء كان من القطن الصوف أو الجلود أو غيرها من ما يجوز لبسه فامسحوا عليه بدلاً عن غسل الرجل لكن بشروط أربعة الأول أن يكون الملبوس طاهرا فإن كان نجساً لم يجز المسح عليه لأن مسحه بالماء لا يزيده إلا تلوثا ولأن الغالب أن الإنسان يتوضأ للصلاة وقد يتوضأ لمس المصحف مثلا لكن أكثر الذين يتوضئون، يتوضئون للصلاة ومن المعلوم أن الصلاة لا تصح وعلى الإنسان خف نجس أو جورب نجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى وفي نعليه قذر أخبره جبريل بذلك فخلعهما وهو في صلاته الشرط الثاني أن يلبس ذلك على طهارة فإن لبس على غير طهارة لم يجز المسح لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) الشرط الثالث أن يكون هذا في الحدث الأصغر فإن أصابته نجاسة لم يجز المسح ووجب غسل الرجلين لقول صفوان بن عسان رضي الله عنه: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاث أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم)، والشرط الرابع أن يكون في المدة المحدودة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر كما سمعتم في حديث صفوان بن عسان رضي الله عنه في المسافر وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم ) يعني في المسح على الخفين و هذه المدة تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث فما كان قبل المسح فإنه لا يحسب من المدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المسح ولا يكون المسح إلا بحقيقة فعله فإذا تتطهر الرجل مثلاً لصلاة الفجر ولبس خفيه ونقض وضوئه في الضحى ثم توضأ لصلاة الظهر عند أذان الظهر ومسح على خفيه فإن المدة تبتدئ من الوقت الذي مسح فيه أول مرة وهو عند أذان الظهر فيستمر يمسح إلى مثله من اليوم التالي إن كان مقيماً أو إلى تمام ثلاثة أيام إن كان مسافراً إلا أن تصيبه جنابة فإنه يخلعهما ويغسل رجليه مع سائر جسده وإذا ابتدأ الإنسان المسح وهو مقيم وسافر قبل أن يمضي عليه يوم وليلة فإنه يتم ذلك مسح مسافر كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله ورجع عن قوله الأول أنه يمسحهما مسح مقيم وإذا تمت المدة وأنت على طهارة فإن طهارتك لا تنتقض بذلك بل تبقىعلى طهارتك حتى يحصل ناقض للوضوء من بول أو غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقت إنما وقت المسح بيوم وليلة ولم يوقت الطهارة فعليه إذا انتهت المدة فإن الطهارة لا تنتقض فأسبغوا الوضوء رحمكم الله على الوجه المطلوب منكم فقد صح عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) أعيد هذا الذكر مرة أخرى ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فمن قال ذلك بعد أن أسبغ الوضوء فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وعن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره) رواه مسلم وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( إسباغ الوضوء في المكاره وأعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا) أيها المسلمون إن هذه من نعمة الله عليكم فلا تضيعوها انتهزوا الفرصة مادمتم في زمن الإمهال تنزهوا من النجاسة أسبغوا الوضوء واختموه بهذه الشهادة لعلكم تفلحون وتطهروا من الجنابة وبادروا بالطهارة منها فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تقرب الجنب إلا أن يتوضأ وإذا حصلت عليكم جنابة قبل النوم فإن تيسر لكم الاغتسال فهو أفضل وإن لم يتيسر فتوضئوا كما تتوضئون للصلاة ثم ناموا واغتسلوا إذا قمتم لأن الوضوء يخفف من الجنابة والواجب في الغسل أن يعمم الإنسان بدنه بالماء مرة واحدة ولكن الأفضل أن يغسل كفيه ثلاثاً ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءً كاملاً ثم يغسل رأسه فيخلل أصول شعره بالماء حتى يبلغ ثم يفيض عليه ثلاث مرات ثم يغسل سائر جسده ولا يحتاج إلى إعادة الوضوء بعد الغسل لأن الغسل كافي عن الوضوء لقول الله تعالى(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ولم يذكر الله عز وجل وضوءاً في الجنابة فمن أقتصر على الاغتسال فقط مع المضمضة والاستنشاق كفاه ذلك عن الوضوء والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوضأ بعد اغتساله ومن كان في أعضاء طهارته جرح لا يضره الماء وجب عليه غسله فإن كان يضره الغسل دون المسح وجب عليه مسحه فإن كان يضره المسح تيمم عنه وإذا كان على أعضاء طهارته جبس مغلف على كسر أو لصقة مشدودة على جرحٍ أو على ألم مسح عليه حتى يبرأ سواء في الحدث الأصغر أم الجنابة والمريض الذي يتعذر عليه استعمال الماء لعجزه عنه أو تضرره باستعماله يجوز له أن يتيمم حتى يزول عذره والمسافر الذي ليس معه ماء زائد عن حاجته يجوز له أن يتيمم حتى يجد الماء لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم(جعلت لي الأرض لي مسجداً وطهورا فأيما رجلٌ من أمتي أدركته الصلاة فليصل) فبين الله تعالى في كتابه أن التيمم مطهر وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأرض طهور والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وعلى هذا فمن تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى الصلاة الأخرى فهو على طهارته ولا يحتاج إلى إعادة التيمم لأن التيمم طهور فلا تنتقض الطهارة بخروج الوقت كما لا تنتقض طهارة الماء بخروج الوقت فاشكروا الله أيها المسلمين على نعمه وتيسيره وقوموا بما أوجب الله عليكم من الطهارة من غير غلو ولا تقصير فإن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) فهم صم لا يسمعون الحق بكم لا ينطقون بالحق ولو كانت لهم أسماع ولو كانت لهم أبصار وألسن ولكن وكونوا كمن قال الله فيهم: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تجعلنا من أولي الألباب الذين هديتهم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم ارزقنا الذل لأوامرك واجعلنا من عبادك المؤمنين ومن أوليائك المتقين ومن حزبك المفلحين وأغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين ... الحمد لله كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى أزيلوا ما في قلوبكم من كراهة الحق أزيلوا ما في قلوبكم من كراهة المتمسكين بالحق أزيلوا ما في قلوبكم من الحقد والبغضاء أزيلوا ما في قلوبكم من الحسد والشحناء لعلكم تفلحون أيها المسلمون إن الواجب على العبد المؤمن أن تكون محبته تابعة لمحبة الله عز وجل فما أحبه الله من أعمال أو أشخاص أو أمكنة فليحبه وما كرهه الله فليكره فإن هذا هو حقيقة الإيمان لن يجد الإنسان طعم الإيمان حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أيها المسلمون إن الواجب علينا أن نطهر قلوبنا من كل دنس يتعلق في عبادة الله أو كل دنس يتعلق في معاملة عباد الله لتكون قلوبنا بيضاء نقية صافية منيرة فإن هذا هو الحياة الحقيقية لأن الله عز وجل يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أيها الأخوة المؤمنون لقد تكلمنا على كثير من أحكام الطهارة فيما سمعتموه في الخطبة الأولى والواجب على المؤمن إذا سمع الحق أن يكون متبعاً له قائماً به لأن هذا هو حقيقة الإيمان فالذين أمنوا إذا سمعوا أوامر الله ورسوله قالوا سمعنا وأطعنا إن كان أمراً مطلوباً فعلوه وإن كان أمراً منيهاً عنه تجنبوه أيها الأخوة إن من المهم أن نعرف مسألة أذكرها الآن وهي أن الإنسان إذا كان عليه جوارب أو كان عليه خفان يمسح عليهما ثم خلعهما على طهارة فإن هذا الخلع لا ينقض الطهارة بل هو باقي على طهارته حتى ينتقض وضوئه بناقض من النواقض التي جاء بها كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإذا انتقض وضوئه بعد ذلك فلابد أن يتوضأ ويغسل قدميه أما مجرد خلع الخفين أو الجوارب الممسوحة فإن ذلك لا ينقض الوضوء والدليل على هذا أن من مسح فقد تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي وما تم بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن أن ينتقض إلا بدليل شرعي وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خلع الخفين أو الجوارب الممسوحة ينقض الوضوء ومن كان عنده علم بذلك فليتحفنا به ولهذا ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء المحققين ومنهم شيخ الإسلام أبن تيميه وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمهم الله وجميع علماء المسلمين ولكن انتبهوا أن الإنسان إذا خلع الممسوح فإنه لا يعيده مرة أخرى إلا بعد أن يتوضأ وضوء كاملاً يغسل به قديمه فاتقوا الله عباد الله اتقوا الله عباد الله كونوا من المتقين الذين يتقون محارم الله ويقومون بما أوجب الله عليهم فإن ذلك عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة أيها المسلمون أخرجوا من مظالم الخلق اخرجوا من مظالم الخلق أخرجوا من مظالم الخلق فإن المظالم تمنع القطر من السماء إن المظالم توجب الخوف والقلق في الديار توجب الهلاك والدمار لأن الله عز وجل لا يحب الظالمين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم(إن الظلم ظلمات يوم القيامة ) من كان عليه حق لأخيه فليؤديه إليه ومن كان ومن كان له حق على أخيه وأخوه معسر به فإنه لا يجوز له أن يطلبه منه ولا أن يطالبه عند القاضي به لأن الله عز وجل يقول: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ) وأنت أيها الطالب للرجل المعسر تصور نفسك لو كنت المطلوب وأنت معسر هل ترضى إن أحداً يضطرك إلى أن يرفعك إلى القاضي ثم تحبس بعد ذلك إني اعتقد أنه لا أحد يرضى بهذا فكيف ترضى لأخيك المسلم الذي أقرضته أو بعت عليه باختيارك كيف ترضى أن تؤذيه هذه الأذية وأن ترفعه إلى القاضي حتى يحكم بحبسه مع أن القضاة فيما أعلم إذا علموا أن الشخص معسر وتحقق ذلك عندهم فإنهم لن يحكموا بحبسه لأن ذلك خلاف ما يقتضيه كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لكن بعض الناس قد يماطل ويدعي الإعسار وهو كاذب فلهذا يتحقق القضاة من هذا الأمر تحققاً كاملا حتى يبرؤوا ذممهم أيها المسلمون أخرجوا من مظالم الخلق حتى ما يتعلق بأمور الدولة فإن أمور الدولة محترمة كما تحترم أموال الناس الخاصة لا يجوز للإنسان أن يكذب على الدولة أو يخون الدولة أو يعير أسمه لأحد من الناس حتى يأخذ من الدولة ما ليس له به حق إلا بهذه الاسم المستعار فإن من أعار أسمه لشخص يأخذ به مالا يستحقه إلا بهذه الإعارة فإنه يكون قد أعان على الكذب وقد أعان على الخيانة وقد أعان على أكل المال بالباطل وهو في الحقيقة لم ينفع هذا الرجل الذي استعار أسمه منه ولكنه ضره لأنه أعانه على الظلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا مظلوم فما بال الظالم قال: (تمنعه من الظلم فذلك نصره إياك) فكيف بالإنسان يعين شخص على الظلم يعير أسمه من أجل أن يأخذ به مالا يستحق نسأل الله أن يعيذنا من ذلك وإخواننا المسلمين وأن يرزقنا البصيرة في دينه ولكني أقول لكم ما هو السبب الذي يحدوا بالناس إلى مثل هذه الأمور السبب هو محبة الدنيا ونسيان الآخرة لو أن الإنسان تذكر الآخرة وتذكر ما فيها من الوعيد وتذكر ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة وتذكر ما فيه من الأهوال العظيمة حيث يجعل الولدان شيبا لو أنه تذكر هذا لعدل عن مثل هذه الأمور الملتوية المتضمنة للكذب والخيانة وأكل المال بالباطل أخرجوا أيها المسلمون من المظالم أخرجوا من المظالم فإن المظالم تمنع كل خير وتوجب كل شر نسأل الله أن يقينا شر أنفسنا وظلم أنفسنا إنه على كل شئ قدير أيها المسلمون إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ، شذ في النار وأعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال جل من قائل عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فاكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم فإنه أعظم الناس حقاً عليكم أكثروا من الصلاة والسلام عليه يعظم الله لكم بها أجرا فإن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل اتباع المرسلين اللهم ارضى عن الصحابة أجمعين اللهم أرضى عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان وأرضى عنا معهم يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا ونحن في انتظار فريضة من فرائضك أن تقينا شر أعدائنا اللهم قنا شر أعدائنا اللهم قنا شر أعدائنا اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أرادنا بسوء فأجعل كيده في نحره اللهم من أرادنا بسوء فأجعل كيده في نحره وشتت شمله وفرق جمعه وأهزم جنده ودمر سلاحه يا رب العالمين يا ذي الجلال والإكرام يا حي يا قيوم اللهم أبعد عن بلادنا جميع الكفار والمنافقين اللهم أبعد عن بلادنا جميع الكفار والمنافقين اللهم أبعد عن بلادنا جميع الكفار والمنافقين اللهم أغننا بأنفسنا عن غيرنا إلا عنك يا رب العالمين اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد غيرك طرفة عين يا رب العالمين اللهم هيئ شبابنا لما فيه الخير في مستقبلهم لدينهم وأمتهم يا رب العالمين اللهم أهدي حكومتنا لما فيه صلاح شبابنا وجميع إخواننا إنك على كل شئ قدير أيها المسلمون أكثروا من دعاء الله تعالى أن يقيكم شر أعدائكم فإن أعدائكم يتربصون بكم الدوائر سواء أظهروا لكم الصداقة أم لم يظهروها وسواء أظهروا لكم العداوة أم لم يظهروها إن أعدائكم من الكفار والملحدين يتربصون بكم الدوائر إنهم يحبون أن يقضوا على دينكم قبل كل شئ ثم يقضوا عليكم فنسأل الله تعالى أن يكون في نحورهم وأن يجنبنا شرورهم اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم يا رب العالمين اللهم وفقنا لما تحب وترضى أيها المسلمون دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فأدعو الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم أغثنا ثلاث مرات وكانت السماء صحوا صافية ليس فيها شئ من الغيم لا قليل ولا كثير وفي نفس الوقت أنشأ الله تعالى سحابة فلما توسطت السماء وانتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت بإذن الله فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته ليس هذا عظيماً على قدرة الله عز وجل فإن الله تعالى يقول للشيء كن فيكون بلحظة كما قال تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) بل إن الله يعيد الخلق كلهم من بطون الأرض ومن قعار البحار ومن كل مكان بكلمة واحدة كما قال الله تعالى: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) والله على كل شئ قدير ولكنه عز وجل يمنع ما يشاء لحكمة ويعطي ما يشاء لحكمة فنسأل الله تعالى أن يبصرنا بأنفسنا وأن يعاملنا بعفوه وكرمه ومغفرته إنه جواد كريم اللهم إنا نسألك الغيث والرحمة اللهم إنا نسألك الغيث والرحمة اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا غيثاً مغيثا هنئاً مريئا غدقاً مجللا عاما نافعاً غير ضار اللهم أغث قلوبنا بالعلم والإيمان اللهم أغث قلوبنا بالعلم والإيمان اللهم أصلح لنا ولاة أمورنا اللهم بصرهم بالحق وأهدهم إليه يا رب العالمين اللهم أصلح شبابنا وشيوخنا وكهولنا يا رب العالمين اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد و على آل محمد كما باركت على ابراهيم و على آل ابراهيم انك حميد مجيد..