السـؤال:
ما حكم تقبيل رأس الكبير في السِّنِّ كالجد والجدة ونحوهما؟
الجـواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرْسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فيجوز تقبيل الرأس واليد والجبهة على وجه الاحترام والإكرام، لما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «وَكَانَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا رَآهَا [أي: ابنتَه فاطمة رضي الله عنها] قَدْ أَقْبَلَتْ رَحَّبَ بها، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا فَجَاءَ بها حَتَّى يُجْلِسَهَا في مَكَانِهِ، وَكَانَت إِذَا أَتَاهَا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم رَحَّبَتْ بِهِ، ثُمَّ قَامَتْ إِلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ، وَأنها دَخَلَتْ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في مَرَضِهِ الذِي قُبِض فِيهِ، فَرَحَّبَ، وَقَبَّلَهَا»(ظ،)، وعن أبي جُحَيفة رضي الله عنه قال: «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْضِ الحبَشَةِ، قَبَّلَ رَسُولَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ»(ظ¢)، وفي حديث أنس رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أخذَ إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فقبَّلهُ وشَمَّهُ»(ظ£)، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ»(ظ¤)، وقد ثبت عن السلف العدلُ بين أولادهم في القُبل، كما ثبت عنهم تقبيل اليد، فعن عبد الرحمن بن رَزين قال: «مَرَرْنَا بِالرَبذَة، فَقِيلَ لنا: هَاهُنَا سَلَمَةُُ بْنُ الأَكْوَعِ، فَأَتَيتُهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيهِ، فَأَخْرَجَ يَدَيهِ فَقَالَ: "بَايَعْتُ بِهَاتَينِ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ"، فَأَخْرَجَ كَفًّا لَهُ ضَخْمَةً كَأَنَّهَا كَفُّ بَعِيرٍ، فَقُمنَا إِلَيهَا فَقَبَّلْنَاهَا»(ظ¥)، وفي الباب أحاديثُ وآثارٌ كثيرة.
هذا، وإذا كان تقبيل الرأس واليد جائزًا فلا ينبغي أن يكون على وجه الاستمرار والدوام خشيةَ أن تُعطَّل به سُنَّة المصافحة الثابتة مشروعيتها بقوله وفعله صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل أصحابه رضي الله عنهم، حيث إنهم «كَانُوا إِذَا تَلاَقَوْا تَصَافَحُوا، وَإِذَا قَدِمُوا مِن السَفَرٍ تَعَانَقُوا»(ظ¦)، فضلاً عن أنَّ المصافحة سببٌ شرعيٌّ لتكفير ذنوب المتصافحَيْن وتساقط خطاياهما، والحريص لا يفوِّت مثل هذه المصلحة الشرعية، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ المؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ المؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَجَرِ»(ظ§).
ويجدر التنبيه على مسألتين:
الأولى: حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتعلق بتقبيل اليد أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَهْ، إنَّمَا يَفْعَلُ هَذا الأعَاجِمُ بِمُلُوكِهَا، وإني لَسْتُ بِمَلِكٍ، إنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ»(ظ¨)، فهذا الحديث موضوع ضعيف، لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة.
والثانية: لا رخصة في تقبيل الفم -كما تفعله الشيعة وغيرها- ويكره ذلك لعدم نقل هذا الفعل عن السلف الصالح، قال البغوي: «ومن قَبَّل فلا يُقبِّل الفم، ولكن اليد والرأس والجبهة»(ظ©)، وجاء في «الآداب الشرعية» لابن مفلح بيان وجه الكراهة بقوله: «ويُكره تقبيلُ الفم، لأنّه قلّ أن يقع كرامةً»(ظ،ظ*).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانَا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وصلَّى الله عَلَى محمَّدٍ وعلَى آلهِ وصحبهِ وإخوانِهِ إلى يومِ الدِّينِ وسلم تسليمًا.
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=46381