داء الكبــــــــــــــر الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده ورسوله .
وبعد : فهذه كلمات يسيرات جمعت فيها – على عجلٍ – شيئا يسيرا مما كُتِبَ حول داء الكبر وأسبابه وطرائق علاجه ، نفعني الله و إياكم بها .
.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النَّبي - ﷺ- قال:
((لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرَّة من كبر!
فقال رجل: إنَّ الرَّجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة؟
قال: إنَّ اللَه جميل يحبُّ الجمال،
الكبر: بطر الحقِّ وغمط النَّاس))
رواه مسلم .
.
**** تعريف الكبر ****
لغة :
قال ابن منظور:
[ الكبر بالكسر: الكبرياء، والكبر العظمة والتجبر،
وقيل: الرفعة في الشرف،
وقيل: هي عبارة عن كمال الذات، ولا يوصف بها إلا الله تعالى ] .
لسان العرب (5- 129) .
.
أما في الشرع فهو كما بينه النَّبي - ﷺ- بقوله : (( الكبر: بطر الحقِّ وغمط النَّاس )) .
و الكبرياء صفة مختصة بالله تعالى فلا يحل لأحد أن يشاركه فيها. قال تعالى: { وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الجاثية: 37]؛
واخرج أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال : ((قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعَظَمة إزاري، من نازعني واحدًا منهما قذفته في النار)) . صححه الألباني .
قال ابن القيم – رحمه الله - : [ فسر النَّبي الكِبْر بضده فقال: الكِبْر بطر الحق وغمص الناس.
فبطر الحق: رده، وجحده، والدفع في صدره، كدفع الصائل.
وغمص الناس: احتقارهم، وازدراؤهم.
ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها ] . مدارج السالكين ( 2-318 ) .
**** وللكبر أسباب تدفع إليه ****
• منها : العجب بالنفس والاعتداد بها ، ورفعها فوق منزلتها ، ورؤية فضلها على الغير وعلوها وشرفها بسابق فعل جميل وبر و نحو ذلك .
قال ابن قدامة المقدسي: (في الجملة، فكلُّ ما يمكن أن يُعتقد كمالًا- وإن لم يكن كمالًا- أمكن أن يتكبر به، حتى الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور؛ لظنِّه أنَّ ذلك كمال ) محتصر منهاج القاصدين ( 293 ) .
• و من شرها من يكون الحامل له على رؤية فضل نفسه العلم !!! ، قال الإمام الذهبي – رحمه الله -:
[ وأشرُّ الكِبْر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه، ويتعاظم في نفسه بفضيلته،
فإنَّ هذا لم ينفعه علمه،
فإنَّ من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلا يفتر عنها، بل يحاسبها كلَّ وقت، ويتفقدها،
فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته،
ومن طلب العلم للفخر والرياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم، وازدراهم، فهذا من أكبر الكِبْر،
ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ] .
الكبائر للذهبي ( 78 ) .
• ومنها : تمكن الرياء من النفوس .
• ومنها : حسد الغير وبغضه فيرى غيره صغيرا ضعيفا فيمنعه استصغاره له وازدراؤه به أن يقبل منه الحق لما تقرر في نفسه من علو مرتبته وجليل منزلته .
ولابن القيم مزيد بسط في بيان هذا فارجع إليه تجد دررا .
والكبر قائد إلى كثير من الفساد والظلم والبغي والجور ، قال العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
[ التكبر يدعو إلى الظلم والكذب، وعدم الإنصاف في القول والعمل،
يرى نفسه فوق أخيه؛ إما لمال وإما لجمال وإما لوظيفة وإما لنسب وإما لأشياء متوهمة،
ولهذا قال -ﷺ- : ((الكبر بطر الحق وغمط الناس ))
يعني رد الحق إذا خالف هواه هذا تكبر،
وغمط الناس احتقار الناس،
يراهم دونه وأنهم ليسوا جديرين بأن ينصفهم أو يبدأهم بالسلام، أو يجيب دعوتهم أو ما
أشبه ذلك ] .
.
وللتكبر عواقب وخيمة وأضرار جسيمة في الدارين – سلمنا الله و إياكم - ، منها :
• أن الكبر يؤدي إلى البعد عن طاعة الله:
قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 34]، وقال تعالى : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ } [القصص: 39]،
وقال تعالى: { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ الأعراف: 76] .
• ومنا : أن الكبر سبب سبب في انصراف القلب عن الوعظ والتدبر في اللآيات الشرعية والكونية والخذلان ونحوها ، قال تعالى: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } [الأعراف: 146].
• ومنها : أن الكبر يخرج العبد من وصف المقربين: قال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } [ النحل: 49]، وقال: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] .
• ومنها : أن الكبر يؤدي إلى الطبع على القلب والغفلة عن الله تعالى:
قال تعالى: { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [ غافر: 35].
• والكبر سبب في عدم دخول الجنة: قال النبي - ﷺ - : ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ))، وقال - ﷺ -: ((لا يدخل الجنة أحدٌ في قلبه مثقال حبة خردلٍ من كبرياء))، وجاء في وصف النار أنها مثوى المتكبرين، قال تعالى : { فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [النحل: 29]، وقال سبحانه : { ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [ غافر: 76] .
• الكبر أيضا سبب في عدم رؤية العبد نقصه وعيوبه ، فبالتالي يحمله الكبر على دوام النقص وشدته ، بل و إلى الدفاع عن الباطل وإظهاره بمظهر الحق .
***** علاج الكبر *****
يكون بعد توفيق الله تعالى بأمور ، منها:
• إظهار الافتقار إلى الله وسؤاله الخلاص من هذا الشَرَكِ المقيت ، والتعبد له باسمه الغني ان يغني فقرك في التواضع والذل له والانكسار بين يديه حتى تصير متواضعا متذللا منقادا مخبتا .
• دوام محاسبة النفس وحملها على الجميل ، وتذكيرها بأن الجزاء من جنس العمل .
• النظر في سنة الله في خلقه في بابة الابتلاء ، وكيف تُنزع النعم بالبطر والكبر ، وكيف يتحول الحال من حال إلى حال { ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم } [ الأنفال : 53 ] .
• تذكير النفس بأن مناط الرفعة في التقوى والعبودية وتعظيم الله { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [الحجرات : 13 ] .
• التأمل في سيرة النبي - ﷺ – وتواضعه و الاقتداء بهَدْيه .
• تذكر الآخرة ، والاستعداد ليوم الرحيل ، والتفكر في النار وهولها ومن هم أهلها يا ترى ؟ إنهم المتكبرون .
جاء في صحيح مسلم من حديث حارثة بن وهب - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي - ﷺ – يقول : ((ألا أخبركم بأهل الجنة؟))، قالوا: بلى، قال: ((كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره))، ثم قال: ((ألا أخبركم بأهل النار؟))، قالوا: بلى، قال: ((كل عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستكبر )) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال : قال النبي - ﷺ - : ((احتجَّت الجنة والنار، فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها )) متفق عليه .
• النظر والتامل في حقيقة نفسك فقد خلقت من ماء دافق،قال تعالى : {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } [عبس: 18، 19] .
هذا جمع يسير أردت به تذكير نفسي وإخواني لنحذر هذا الداء الفتاك علَّ الله سبحانه وتعالى أن يخلصنا من هذه الشبكة ويرزقنا جميل الخلق وطيب الفعال .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
.
وكُتِبَ ظهر الجمعة 20 من شهر الله المحرم لعام 1438هـ
من طرابلس الغرب ببلاد ليبيا حرسها الله وسائر بلاد المسلمين .
منقول كتبه أبو عاصم نبيل التومي الليبي