"التحذير من ضياع الوقت في غير طاعة الله"
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
أخي المسلم رعاك الله أن ضياع الوقت في هذا الزمان لمن أخطر الأمور المنتشرة في العالم الإسلامي اليوم والذي استغله أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود و النصارى بشتى الوسائل المختلفة لشغل المسلمين عن واجبهم الذي خلقهم الله من أجله وهو عبادته جل وعلا ،كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}سورة الذاريات (آية 56)،وقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}سورة المؤمنون(آية 115)إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن هذه الخليقة من الجن والإنس لم يخلقوا عبثا وإنما خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له فإذا عرفت ذلك ،فاعلم أن قيمة الوقت أثمن من كل شيء فحري بنا أن نتفطن لهذا الأمر العظيم وهو المحافظة على الوقت والاشتغال فيه بطاعة الله تبارك وتعالى ،وخاصةّ أن الإنسان لا يدري متى يفاجئه الموت وينتهي أجله ،ومن عِظم أهمية الوقت والعمل فيه بطاعة الله جل وعلا أن المرء إذا جاءه الموت يقول رب ارجعون من أجل أن يعمل عملاً صالحاً يقربه إلى الله جل وعلا قال الله تعالى : {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ}سورة المؤمنون(آية 99-100)،فهذه الآية الكريمة واضحة الدلالة على أن الإنسان إذا جاءه الموت يطلب الرجوع إلى الدنيا من أجل أن يعمل عملّا صالحاً يتقرب به إلى الله جل وعلا لما فرط من ضياع العمل وذهاب الوقت في غير طاعة الله تبارك وتعالى ،وأيضاً في قوله تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}سورة الفجر آية(24)، يقول ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية "يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي - إن كان عاصيا - ويَودُّ لو كان ازداد من الطاعات - إن كان طائعا(م،ج4)،وقال تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}سورة الزمر آية (56) ففي هذه الآية الكريمة تحسر وندم على ما فات من عمر الإنسان ووقته في غير طاعة الله جل وعلا، فاغتنم أخي رعاك الله صحتك وفراغك في طاعة الله ،واعلم أن الوقت نعمة من الله جل وعلا ضيعها كثير من المسلمين اليوم ،ففي الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) انظر صحيح الجامع الصغير وزياداته حديث رقم(6778)، وكان السلف رحمهم الله حريصين كل الحرص على وقتهم، فهذا ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ،وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أوعابر سبيل"حديث رقم(6416)، فلا يغتر المسلم بما عنده من المال،وما هو فيه من صحة وعافية ، فاصرف وقتك في طاعة الله تعالى ، فهل تدري كم ستعيش من العمر أيها المسلم؟ لكي تقضي أوقاتك في لهو ولعب!، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوزُ ذلك) انظر صحيح الجامع الصغير وزياداته حديث رقم (1073).
،واعلم رحمك الله أنك مسئول يوم القيامة عما أنت فيه من نعم عظيمة فاحرص على الاستفادة من وقتك وعمرك ،وعدم ضياعهما في غير طاعة الله هباءً منثورا جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس :عن عمره فيما أفناه ،وعن شبابه فيما أبلاه ،وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم)انظر صحيح الجامع الصغير وزياداته حديث رقم(7299)
وقد أقسم الله تبارك وتعالى بالعصر لأهمية أمره ،وهو الزمان الذي يعيشه الخلق حرباً ،وسلماً ،وصحة ،ومرضاً ،وعملاً صالحاً ،وعملاً سيئاً ،وغير ذلك من الأمور.قال تعالى: {وَالْعَصْرِ*إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}سورة العصر(آية1،3،2).انظر تفسير ابن عثيمين رحمه الله لسورة العصر بتصرف يسير.
وهذه السورة الكريمة ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره أن الإمام (محمد بن إدريس الشافعي) رحمه الله قال : (لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم)(م ج1/ص66) فبين الله تبارك وتعالى فيها أن الإنسان لفي خُسر إلا من آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدِ صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً ،وعمل بمقتضى ذلك من الإيمان بالله اعتقاداً،وقولاً ،وعملاً، ويكون تَواصي المسلم مع إخوانه ببذل النصح وبيان الحق لهم ،ويصبرون على أذى أعداء الحق من اليهود والنصارى وأهل البدع والأهواء و يدعون إلى الله جل وعلا بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}سورة النحل (آية125)
وجاءت السنة النبوية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على المحافظة على الأوقات،والاشتغال بها في طاعة الله جل وعلا وجاء الوعيد الشديد بخلاف ذلك في المجالس التي لم يذكر فيها الله جل وعلا أو رسوله صلى الله عليه وسلم فليتنبه المسلم لذلك وأن يكون ذاكرً لله تعالى في جميع أحواله حتى لا تكون مجالسه حسرة عليه يوم القيامة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(من اضطجع مضجعا ،لم يذكر الله فيه، كان عليه ترة يوم القيامة ،ومن قعد مقعدا لم يذكر الله فيه ،كان عليه تِرَةً يوم القيامة) انظر صحيح الجامع الصغير وزياداته حديث رقم(6043)
عن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهم عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ،ولم يصلوا على نبيهم ،إلا كان عليهم تِرَةً فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم) انظر صحيح الجامع الصغير وزياداته حديث رقم(5607)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة) انظر صحيح الجامع الصغير وزياداته حديث رقم( 5508)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ،ولم يذكروا الله ،ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان مجلسهم ترة عليهم يوم القيامة) انظر صحيح الجامع الصغير وزياداته حديث رقم(5510)
ففي هذه الأحاديث الصحيحة وعيد شديد لمن كانت مجالسه في غير ذكر الله جل وعلا لقوله عليه الصلاة والسلام (كانت عليهم تِرَةً يوم القيامة) وهي الحسرة والندامة ,وتارة بعذابهم في قوله (فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم)،وأخرى بوصف مجالسهم إذا قاموا منها كأنما قاموا عن (جيفة حمار)،وهذا إذا كانت في غير ذكر الله جل وعز فما بالك إذا كانت هذه المجالس في الغيبة والنميمة وما حرم الله تبارك وتعالى فأي حسرة وأي ندامة نسأل الله السلامة والعافية.
فاحرص أخي المسلم رعاك أن تكون مجالسك مجالس خير وبركة عليك وعلى المسلمين ،وأن تحذر كل الحذر من مجالس أهل السوء وخاصةً مجالس أهل البدع والأهواء من الحزبيين والحركيين.
فنسأل الله تعالى أن تكون مجالسنا خير وبركة علينا وعلى المسلمين عموماً ،وأن يعيننا على أنفسنا وأن يوفقنا للعمل بطاعته إن ربنا لسميع الدعاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
"كتبه"
العبد الفقير إلى الله تعالى.
أبو أنس عبد الحميد بن علي الليبي.
بتاريخ / 29 / جمادى الأولى / 1438 من الهجرة النبوية.
قرأه وأثنى عليه كل من المشايخ الفضلاء.
الشيخ / الوالد سالم بن عبد الله بامحرز حفظه الله وبارك فيه.
الشيخ / جمال بن فريحان الحارثي حفظه الله وبارك فيه.
منقول من شبكة سحاب السلفية